فوضى استخدامِ السلاح… ما بين المآسي وآليات المنع القانونيّة

حسام دخيل_

---

لا تقتصر ظاهرة فوضى السلاح على استخدامه في الاشتباكات بين أطراف الصراع المسلح منذ إحدى عشرة سنة، والمسألة لا تتعلقُ بشرعيّةِ أو عدم شرعيّة حيازة السلاح فقط بل بأسباب ودوافعِ استخدامه في الخلافاتِ العامة في المجتمع وقضايا الثأر، وحتى في الاحتفال بالأفراح والمناسباتِ وحتى لمجرد الاستعراضِ.

عشرات الضحايا

تقع في مناطق شمال وشرق سوريا من وقت لآخر حوادث مروّعة وجرائم يندى لها الجبين نتيجة الاستعمال غير المشروعِ للأسلحة، والتي كان آخرها سقوط ثمانية قتلى وإصابة عشرات الأشخاص نتيجة خلاف عشائريّ في قرية أبو ذويل في ريف مدينة قامشلو الخاضعة للحكومة السوريّة، بالإضافةِ إلى حصول عشرات الحوادث في مناطق شمال وشرق سوريا بريف دير الزور والحسكة والرقة ومنبج، أسفرت عن عشرات الضحايا،  فضلاً عن عشرات حوادث إطلاق الرصاص العشوائيّ في الأعراس والمناسبات، مما يطرح السؤالَ بقوةٍ حول فعاليّة القوانين التي من المفترض أن تجرّمَ مرتكبي هذا النوع من الجرائم وآلياتِ تطبيقها.

وفي إحصائيّة غير رسميّة للحوادث التي حصلت في شهر نيسان/ إبريل الحالي تصدّر ريف دير الزور المشهد بواقع اثنتا عشرة حادثة خلّفت العديد من الضحايا والجرحى.

زيادة الحوادث في نيسان

ففي الثاني من شهر نيسان المنصرم أُصيب شاب في بلدة ذيبان بطلق ناريّ في الصدر نتيجة حصول مشاجرة مع شقيقة وتم نقله على إثرها إلى المشفى، وفقد شاب حياته في بلدة غرانيج شرقي دير الزور نتيجة خلاف عشائريّ، وفي الخامس من الشهر، فقد شاب حياته وأصيب آخر في مدينة هجين نتيجة استهدافهم من قبل مجهولين على دراجات ناريّة.

وفي الحادي عشر من شهر نيسان فقد شابين حياتهما، وأصيب ثالث بسبب قضية ثأر قديم في بلدة غرانيج شرق دير الزور.

 وفي منتصف الشهر قتل رجل وجُرح اثنان أحدهما امرأة في قرية الحريجية بريف دير الزور نتيجة خلاف عشائريّ.

 أما في العشرين من شهر نيسان، فقد وقع اشتباك مسلح بين عائلتين في سوق بلدة ذيبان نتيجة قضية ثأر قديمة ولم ترد معلومات عن سقوط ضحايا، بالإضافة إلى حدوث اشتباك مسلح بين عائلتين في قرية الصبحة شرق دير الزور دون وقوع أصابات.

في الحادي والعشرين من نيسان فقد شاب حياته على يد أحد أبناء عمومته في مدينة الميادين الخاضعة لسيطرة الحكومة السوريّة نتيجة خلاف على دراجة ناريّة.

وفي الثالث والعشرين من الشهر ذاته عثر أبناء قرية الجرذي شرق دير الزور على جثة شاب مرمية بالقرب من حراقات النفط دون معرفة الفاعلين.

وفي الخامس والعشرين من نيسان المنصرم فقد شاب لحياته نتيجة خلاف حاصل مع أحد أبناء عمومته في ريف دير الزور الشرقي.

وفي السابع عشر من شهر نيسان فقد طفل لحياته نتيجة إصابته برصاصة طائشة أثناء تواجده على شاطئ نهر الفرات في بلدة العشارة شرقي دير الزور.

ومؤخراً تم تداول مقطع مصوّر يُظهِر عدداً من المسلحين في قرية الشهابات شمال غرب دير الزور بعد مقتل أحد أفراد أسرتهم.

وفي مدينة قامشلو بواقع ثلاث حوادث خلّفت أكثر من عشرة قتلى، فقُتل مواطن في العقد السادس من العمر بسبب قضية ثأر قديم، بالإضافة إلى مقتل شاب في شارع القوتلي في قامشلو نتيجة رمي شاب قنبلة يدويّة على مجموعة من الشبان مُخلفاً قتيل وعدد من الجرحى.

بالإضافة إلى الحادثة الأكثر دمويّة التي حصلت في قرية أبو ذويل في ريف قامشلو والتي خلفت ثمانية قتلى وأكثر من خمسة وثلاثين جريحاً نتيجة خلافات عشائرية.

فيما تم توثيق حادثتين تم استخدام من خلالها الأسلحة الناريّة في مدينة الحسكة، الأولى في حي خشمان نتيجة خلافٍ على قطعةِ أرض، والثانية في حي غويران جنوب المدينة نتيجة خلاف من أجل كبل كهرباء، فيما لم تسجل أيّ إصابات فيها.

بالإضافة إلى حدوث اقتتال عشائريّ في حي الزويقات في مدينة الطبقة بريف الرقة، دون ورود أيّ معلومات عن حدوث إصابات.

وفي مدينة منبج شرقي حلب فقد شاب في الثامنة عشر من العمر لحياته نتيجة حصول مشاجرة مع أحد أقربائه.

مخاوف حقيقيّة تهدد أمن المجتمع

هذه الحوادث التي تم توثقيها فقط، بينما يوجد عشرات الحوادث التي لم يتسنَّ لنا معرفتها، وهذا يفتح باب التساؤل حول دور القوى الأمنيّة في السيطرة على المظاهر المسلحة ووضع حد لها تجنباً لسقوط ضحايا آخرين.

في الواقع، لم تكن حوادث شهر نيسان هي الأولى في المنطقة، إذ سبقتها مشاكل عائليّة وخلافات عشائريّة عدة استُخدمت فيها الأسلحة، وخلّفت عدداً من الإصابات الخطرة في صفوف المواطنين بعدد من مناطق شمال وشرق سوريا، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقيّة من ظاهرة استخدام السلاح بشكلٍ غير مشروع، وعودة الاقتتال العائليّ والانتقام العشائريّ إلى الواجهةِ من جديد.

فضلاً عن تزايد حوادث الاغتيال بسبب الخلافات السياسيّة أو فتح قضايا أمنيّة أو مخالفة الرأي واستبداد ثقافة عدم تقبّل الآخر لدى البعض، وانتشار الأسلحة بشكل كبير بين المدنيين من جهة ومرتزقة ينتمون لتنظيمات مسلحة، ما يهدد السلم والاستقرار الأهليّ على المدى البعيد.

ماذا يترتب على القوى الأمنية؟

يجب على القوى الأمنيّة في المنطقة عدم غضّ الطرف والتهاون مع مطلقي الأعيرة الناريّة تحت أيّ ذريعة كانت، وبخاصةٍ في المناسبات والأعراس والتي باتت ظاهرةً منتشرة بكثرةٍ في المنطقة، والعمل بحزم شديدٍ للقضاء على هذه الظاهرة.

الاحتكامِ للسلاحِ في حلِّ المشكلات الاجتماعيّة الطارئة أو المزمنة كما في قضايا الثأر، يعكسُ بشكلٍ أو بآخر ضعفَ الآلياتِ القانونيّة لجهةِ بطءِ الفصل في الخلافاتِ أو عدم نجاعة القرارات الصادرة، كما يتعلق بطبيعة العلاقات الاجتماعيّة والعادات والتقاليد، وعدم تدخّل القوى الأمنيّة ذات العلاقة في الخلافات العائليّة والعشائريّة قبل استفحالها، وعدم التهاون مع مطلقي النار وتجريمهم ومعاقبتهم مهما كانت الأسباب فضلاً عن مصادرة أسلحتهم وذلك للحفاظ على السلم والأمن الأهلي وتجنباً لوقوع ضحايا بين المواطنين.

القضية في جانب هام تتصل بثقافةِ المجتمعِ، وأسلوب حفظ الأسلحة في المنازل، بعيداً عن متناول الأولاد، لمنع استخدامهم من قبلهم سواءٌ للعبث أو لوضع حد لحياتهم في حوادث الانتحار التي تكررت مرات عديدة.

يفرضُ الواقع الحالي مواصلة الحملاتِ الأمنيّة للخلايا الإرهابيّة ومصادرة السلاح وتعقّب حائزيه، والتشدد في محاسبةِ الأشخاصِ الذي ينفذون عمليات الاغتيال والهجمات المسلّحة على الأفراد والمؤسسات، وملاحقتهم وإنزال أقسى العقوبات بحقهم، إضافة إلى ملاحقة المتاجرين بالأسلحة ومحاسبتهم قانونيّاً.

صحيحٌ أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق المؤسسات الأمنيّة، ولكنها لن تتمكن من أداء مهمتها على الوجه الأكمل إلا بتعاونِ أبناء المجتمعِ، وإحالة خلافاتهم من ساحات القرى والبلدات إلى المؤسسات الأمنيّة والقضائيّة للفصلِ فيها.