زيارة أردوغان لمصر أهدافها وتحديات التطبيع مع دمشق

رفيق ابراهيم_

في الأيام القليلة الماضية، زار أردوغان على رأس وفد سياسي واقتصادي وتجاري كبير مصر، والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكان من نتائجها الإجراءات، التي اتخذت بحق الإخوان المسلمين وقاداتهم في تركيا، وأبرزها سحب الجنسية من القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود حسين، ما يعدُّ ذلك تمهيداً لإغلاق ملف الإخوان المسلمين مع مصر، الذي كان موضع الخلاف بين الطرفين، حتى الأمس القريب، واحترقت أوراقه كاملةً.

الحنكة السياسية للسيسي أرضخت أردوغان

وعلى ما يبدو أن بقاء الإخوان المسلمين، وخاصة القادة والإعلاميون في تركيا، بات يشكل خطراً كبيراً عليهم، ويحمل تبعات سياسية وآثاراً على الجماعة، التي كانت ترى في أردوغان وتركيا، على أنهم الحامي والداعم الأساسي لهم، ولكن لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة، وتبين لهؤلاء، أن أردوغان الذي كان يتبجح بأنه لن يتنازل عن موقفه الداعم للإخوان في مصر، ودول الشرق الأوسط، قد تخلى عنهم تماماً اليوم.

الرئيس المصري استطاع أن يوظف حنكته السياسية، لإرضاخ أردوغان، وجره إلى مصر ذليلاً ليفرض عليه شروطه ومطالبه، وخاصة فيما يخص الإخوان المسلمين المصريين وقادتهم في تركيا، وكيف أحرج أردوغان الذي أجبره باتخاذ موقف واضح لا لبس فيه، بطرد قادة الإخوان من تركيا، وإغلاق العديد من وسائلهم الإعلامية، التي كانت تبث السموم وتسعى لخلق البلبلة بين الشعب المصري، واليوم ومن أجل تحقيق المصالح تنازل عن الإخوان، ما يعد نصراً كبيراً للسياسة المصرية، وخسارة للسياسة التركية في عموم المنطقة.

قضايا شائكة تعترض علاقات أنقرة ودمشق

 أما فيما يخص الأزمة السورية وتورط تركيا فيها، والدور السلب، الذي لعبته، فإن الرئيس المصري يدرك تفاصيلها، لذلك عندما تحدث الرئيس التركي مع الرئيس المصري، حول تطبيع العلاقات، وإمكانية تدخله لإعادتها بين دمشق وأنقرة، لم يكن رد السيسي بشكل مباشر على أردوغان، بأن هناك إمكانية لفتح صفحة جديدة بين سوريا وتركيا، وخاصة أن هناك قضايا معقدة جداً موضع خلاف بين الجانبين السوري والتركي.

 العلاقات التركية السورية، وإعادتها كما كانت سابقاً تعترضها اليوم الكثير من القضايا الشائكة، التي تؤكد عمق الخلافات بين الجانبين، لذلك من المستبعد أن يكون هناك كسر للجليد بين الدولتين، على الأقل في المستوى المنظور، ومن القضايا الخلافية الأساسية مسألة تخلي تركيا عن المجموعات المرتزقة السورية، والتي تديرها الاخوان المسلمون السوريون من إسطنبول وأنقرة، والتي توظفها تركيا دائماً ضد دمشق.

وأيضا هناك قضية هامة جداً، وهي خروج تركيا من الأراضي السورية المحتلة، وهذه أيضاً قضية أخرى، والدلائل كلها تؤكد أن تركيا الآن ليست بوارد الخروج من الأراضي السوري، ولا التخلي عن مرتزقتها، لأنها تحاول دائماً تحقيق أجنداتها من خلالهم، وهي تستخدمها ورقة ضغط على حكومة دمشق والروس، وأيضاً على المجتمع الدولي وتحاول الاستفادة قدر الإمكان منها، ومسألة التطبيع متعلقة بهذين القضيتين، وإذا ما أرادت تركيا الذهاب لفتح العلاقات مع دمشق عليها تحقيق الشرطين.

مما لا شك فيه أن ضرب الإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطي، هو في مرمى دول محور آستانا، روسيا وتركيا وإيران، وعلى الرغم من وجود الكثير من المشاكل، والتحديات التي تعترض العلاقات بين هذه الدول، إلا أن القاسم المشترك والمتفق عليه في اجتماعاتهم هو معاداة الإدارة الذاتية، وقد يكون وجه التوافق الأوحد بين هذه الأطراف، التي تسعى دائماً وبكل السبل المتاحة لإفشال هذه التجربة الرائدة في المنطقة بشكل عام، وهذا وحده لا يكفي لتطبيع العلاقات حتى ولو تدخل السيسي أيضاً.

الرئيس السيسي سيزور سوريا في آذار المقبل، وستكون على رأس أجنداته عملية التطبيع بين تركيا وسوريا، وعلى الرغم من أهمية الزيارة التي ستتناول قضايا المنطقة بشكل عام، ومسألة إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا بشكل خاص، إلا أن نتائجها لن تكون كما يريدها أردوغان، لأن مطالب دمشق معروفة، وما لم تنفذها تركيا كبادرة حسن نية، لن يكون هناك أية عملية تطبيع، لأن الروس حاولوا غير مرة، وأيضاً الإيرانيون وباءت جهودهم كلها بالفشل، وباعتقادي، أن الرئيس المصري لن يجني من محاولته إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، إلا الرفض والعودة خالي اليدين.