القائد عبد الله أوجلان: فرد الأمة الديمقراطية يجد حريته في كومونية المجتمع

ركز القائد عبد الله أوجلان في كتاباته على كيفية بناء المجتمع الديمقراطي وتحقيق ذلك بدءاً من الفرد، وذلك عبر نشر المفهوم الكومينالي، وتنظيم المجتمع على أساس كومينالي وبالتعاون مع المجالس، وبذلك ستتحقق مبادئ وأهداف الثورة الذهنية للعصرانية الديمقراطية.

المجتمعات كائن حي

ويتحدث القائد عبد الله أوجلان بداية عن الوطنية الديمقراطية، ويشبه المجتمعات بكائن حي لها من الأعضاء والأدوار ذاتها، فيقول: “يتعين التنبيه سلفا لعدم ارتكاب خطأ أثناء شخصنة الحياة الوطنية الديمقراطية. وهو أن حياة الأمة الديمقراطية (أو أي نوع آخر للأمة) تتسم بالتكامل الذهني والمؤسساتي الدائم. وعادة ما تصنف المجتمعات عموما والمجتمعات الوطنية الديمقراطية خصوصا في التحليلات إلى مجالات وأبعاد مختلفة من باب التيسير. لكن أيا من تلك المجالات لا يتواجد بمفرده وبشكل منفصل عن التكامل الكلي. ولو شبهنا المجتمعات (خاصة الأمم الديمقراطية المعاصرة) بكائن حي، فإن كافة ساحاتها وأبعادها تحيا ضمن تكامل أشبه بأعضاء الكائن الحي المترابطة ببعضها البعض. بالتالي ورغم تناول الأبعاد كل على حدة، إلا إنه يجب عدم التغاضي أبدا عن كونها قطعا في جزء واحد متكامل”.

الفردية الرأسمالية إنكار للمجتمع

ولكي يكون المجتمع كومنيالياً ومنظماً يجب أن يكون الفرد كذلك، بعيداً عن الرأسمالية، التي تفشي في جسده الأمراض، فيفيد القائد عبد الله أوجلان عن هذا الأمر: “ينبغي أن يكون الفرد المواطن كومنيالياً (تشاركيا) في الأمة الديمقراطية بقدر ما يكون حرا. فالفرد الذي يتمتع بحرية زائفة، والذي تستثيره الأنانية الرأسمالية ضد المجتمع، إنما يحيا ضمنيا أعتى أشكال العبودية. لكن الإيديولوجية الليبرالية تعكسه وكأنه يتمتع بحريات لامحدودة داخل المجتمع. ردا على ذلك أن الفردية الرأسمالية تشكلت بناء على إنكار المجتمع معتقدة أنها ستحقق كينونتها بقدر طعنها في شتى ثقافات المجتمع التاريخي وتقاليده. هذا هو الربع الأكبر الذي تعرضه الإيديولوجية الليبرالية ويتخلص شعارها الرئيسي في مقولة (المجتمع غائب والفرد موجود). وعليه فالرأسمالية نظام مرضي مرتكز أساسا على استهلاك المجتمع”.

في حين يجد بأن الفرد يجد حريته في كومونية المجتمع، كما بينه القائد عبد الله أوجلان: “إن فرد الأمة الديمقراطية يجد حريته في كومونية المجتمع، أي في العيش على شكل مجموعات صغيرة أكثر فاعلية. وبقول آخر، فالكومونة أو المجموعة الحرة والديمقراطية هي المدرسة الأولية، التي ينشأ فيها فرد الأمة الديمقراطية”.

تعريف الكومين بفكر القائد عبد الله أوجلان

وأشاد القائد عبد الله أوجلان بدور الكومين في تنظيم المجتمع على أنه القاعدة الأساسية فيه، ومن خلاله يتقدم المجتمع، فيعرفه على هذا النحو: “هو وحدة مبنية على أساس الرغبة، هو مدرسة اجتماعية ديمقراطية تدير نفسها بنفسها، هو ساحة حرة تمكن المرء من إيجاد معنى لذاته، وتمكنه من تحقيق أهدافه، هو مكان يتم فيه تطوير أخلاق الإنسان والعدالة والإنسانية. إنه مركز العيش المشترك الحر القائم على المحبة، باختصار هو اتحاد حر للمتجمع، إنه مكان المساواة والتعاون. بمعنى أنه يحتوي على كل الخصوصيات الإيجابية، والجيدة التي تستند على التشارك، ويتم بتطويرها من خلال الإبداع، ويقوم الكومين بتنظيم نفسه اجتماعياً خارج إطار الدولة”.

وعد القائد عبد الله أوجلان الكومين البناء الأساسي للمجتمع، وبأنه كلما كانت هذه الخلية الاجتماعية سليمة، ومبنية بتوافق مع طبيعتها سيكون المجتمع حيوياً وحراً. فمن وجهة نظره أيضاً، الكومين هو خلية المجتمع. “وبدون حياة الكومين والكومينالية، لن نستطيع الحديث عن المجتمع”.

ويفيد القائد عبد الله أوجلان عن الكومين، أو كما وصفه باتحاد المجتمع الحر: “لقد عرّف المجتمع نفسه من خلال الكومين. ولهذا السبب فإن النظام السلطوي يحاول دائماً أن يشتت المجتمعية بشكل أكثر. ففي المجتمعية يكمل الرجل والمرأة بعضهما البعض. ولكي يقوم النظام السلطوي بتشتيت المجتمعية في شخص المرأة وهو بالحقيقة يريد إبادة الحياة، فإنه وقبل كل شيء يشن الهجمات على المرأة بشكل خاص. ولهذا فبقدر ما تتدفق طاقة وعواطف وعلوم المرأة الحرة في الحياة، سنتمكن من العيش بشكل كومينالي ووفقاً لجوهرنا”.

ونظراً لأهمية الكومين والمجتمع الكومينالي فقد كتب الكثير عنه، فيوضح أكثير بتعريف آخر: “بالطبع فإن الكومين هو اتحاد اجتماعي، اقتصادي وسياسي. وله نظام ديمقراطي كومينالي. فالكومين هو مقر اتخاذ القرار والنقاش وإعطاء الآراء المتنوعة وهو مكان الحرب ضد الذهنية القوموية العنصرية والحرب ضد الجنسوية والسلطوية. فالكومين يبنى على أساس مشاركة كل المواطنين في القرى والأحياء، وعمله هو حل المشكلات الحياتية والاجتماعية. وهو يشكل ضمنه اللجان ويضع الحلول للمشكلات الثقافية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والحماية الذاتية بناء على أسس المشاركة الكومينالية، حيث يستطيع السكان كلهم الانضمام إلى كومينات القرى والأحياء دون تفرقة أو تمييز بين الإثنيات والأديان. كما أن القرارات تتخذ بشكل علني وبمشاركة جميع أعضاء الكومين”.

المجلس يعبر عن تقارب الثقافات والمعتقدات واللغات

للمجلس دور مهم في المجتمع، مثل دور الكومين، ويكملان معاً المهمة الأساسية في المجتمع، ويجد القائد عبد الله أوجلان بأن المجالس أُسِّست بناء على الحاجة الضرورية للكومينات. فالجماعات، والإثنيات، والرجال والنساء والمجموعات الأخرى اجتمعوا على أساس الحاجة المشتركة وبشكل طوعي، كما أن اتحادهم هو على أساس الإرادة الحرة. ويلعب المجلس دوراً طليعياً بخصوص آلية تنشيط قوة المجتمع وإبراز الإرادة المشتركة للمجتمع. والمجلس يمثل الأرضية الأوسع والشرعية لممارسة السياسة.

وفي بناء المجتمع يطور المجلس المشاركة المباشرة، والانضمام المباشر، والثقة بالنفس ويعبر عن الممارسة السياسية. كما أن المجلس يتأسس بناء على اختلاف الهويات، ويبني أواصر الوحدة بينها، وفق معايير المساواة، والحرية، والإدارة الذاتية”.

ويلفت إلى المفارقة بين الكومين والمجلس: “كما أن الإدارة الذاتية أيضاً تدير مشاركتها بشكل حر على أسس العضوية الخاصة بالمجموعة. وإذا كان الكومين يعبر عن التشارك الأخلاقي للمجتمع ويعتمد على تآلف مبادئ الحياة الأيكولوجية فإن المجلس يعبر عن تقارب وتجمع الثقافات بين الجنسين وتقارب المعتقدات واللغات المختلفة، ما يعني أن المجلس هو الضرورة للحياة الكومينالية”.

ويعرف القائد عبد الله أوجلان المجلس، بأنه المكان الذي تتم فيه مناقشة المشاكل الاجتماعية، وهو مقر اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول. ويمكن لكل قسم أو مجموعة أو جنس أو مكون أو قومية أن يؤسسوا مجالسهم المستقلة، فمستوى نشاط المجالس والكومينات يوضح مدى تطور المجتمع الأخلاقي والسياسي.

تعزيز وعي الحقيقة بالثورة الذهنية للعصرانية الديمقراطية

ويشير إلى دور المبادئ الكومينالية في المجتمع: “فكيفما أن السبيل إلى السلام العالمي يمر من الأمم الديمقراطية، فإن شعوب العالم لن تنال حقها في العمل وفي تلبية متطلباتها الأولية عبر احتكارات رأس المال اللاهثة وراء الربح الطائش. بل إن السبيل إلى ذلك يمر من اتحادات الاقتصاد الكومانالي الأيكولوجي والصناعة الأيكولوجية، والتي يعمل فيها الجميع، ويعتبرون العمل حرية”.

ويكمل حديثه في هذا السياق: “لا نعاني من أزمة الحداثة الرأسمالية بنيويا على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فحسب. بل نعيش أزمة جذرية بشأن الحقيقة. لطالما تماشى تطور البشرية مع مستويات الرقى التي حققها وعي الحقيقة. لكن الرأسمالية التي جعلت وعي الحقيقة افتراضيا. قد أفسحت المجال أمام أشد أنواع الحياة سوءا وشناعة ورذالة. لكن الصواب لا يعاش على درب الحياة الخاطئة. كما لا يعاش الفاضل والجميل أيضا على درب الحياة الرذيلة الشنيعة. والكارثة الأشد وطأة من الأزمات والحروب بالنسبة للحياة، هي الارتباط الأعمى بصناديق الحياة الافتراضية المؤدية إلى حالات الانقطاع الجذري عن وعي الحقيقة، والعيش على درب الخطأ والقبح والرذيلة التي خط مسارها في غابر الأزمان. في حين إن النقاشات بصدد الحداثة عموما والعصرانية الديمقراطية خصوصا سترتقي بوعي الحقيقة ثانية. وحينها، سيغدو بمقدورنا قطع الأواصر مع الحيوات المهدورة على دروب الخطأ والقبح والرذيلة والتوجه صوب دروب الحياة الصائبة والجميلة والفاضلة. ومن أجل ذلك سيصبح بإمكاننا تعزيز وعي الحقيقة بالثورة الذهنية للعصرانية الديمقراطية، ومن خلال مسارات الفلسفة والفن والعلم المنجزة لمجتمعيتها؛ لنحقق بذلك الحياة الصائبة والفاضلة والجميلة”.