حرب الشعب الثورية ضمان تحقيق المكاسب

دجوار أحمد آغا_

بمقومات حرب الشعب الثورية استطاعت شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، التصدي لهجمات ومخططات مرتزقة داعش من جهة، ودولة الاحتلال التركي من جهة ثانية، إلى جانب إفشال مخططات ومؤامرات الكثير من الأطراف الساعية لإفشال المشروع الديمقراطي، الذي تبنته تلك الشعوب.

 مفهوم الحرب 

عندما لا تستطيع لغة الكلام -أي الحوار-؛ حل المشكلات، والخلافات، التي تحصل بين الأفراد أو المجتمعات، والشعوب على حد سواء، تصبح لغة السلاح هي الحل لهذه النزاعات والصراعات والتي في غالبها تكون بقيام قوى بفرض سيطرتها، وهيمنتها على قوى أخرى ربما تكون أقل قوة منها.

بطبيعة الحال هناك العديد من أنواع الحروب، التي تنشب في العالم، بعض هذه الحروب تُفرض على الشعوب؛ ما يدفعها للقيام بخوض حربها الخاصة بها في مواجهة هذه الحرب المفروضة عليها قسراً. العالم شاهد الكثير من الحروب وربما أبرزها خلال القرن الماضي، الذي شهد حربين عالميتين حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، وخلفت كوارث بيئية واقتصادية وأزمات خانقة، وقسمت العالم إلى معسكرين. وفيما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، برزت الحروب العبثية التي هدفت إلى تقاسم النفوذ والمصالح سواء في أوروبا الشرقية أو في الشرق الأوسط.

حروب الشرق الأوسط 

لأن الشرق الأوسط مهد للحضارات العريقة (الميتانية، والفارسية، والسومرية، والهورية)، فقد شهد الكثير من الصراعات والحروب التي فُرِضت عليه من جانب قوى ما تزال تسعى من أجل السيطرة المطلقة على هذه المنطقة من العالم. لذا نراها مستمرة في خلق المزيد من النزاعات والنعرات المذهبية والطائفية والعرقية بين شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط. فالحروب المستمرة بمختلف أشكالها (أهلية، واقتصادية، واجتماعية، وتدخلات خارجية) في بلدان الشرق الأوسط إيران، والعراق، وليبيا، ولبنان، وسوريا، واليمن وغيرها، تهدف إلى إبقاء هذه الشعوب في حالة من الضياع والفوضى في خضم هذا الصراع العالمي على المنطقة.

ولكي تتخلص الشعوب من هذه الحروب وتبعاتها السلبية على مجتمعاتها، توجهت إلى خوض نوع مختلف كلياً عن هذه الحروب وهي حرب الشعب الثورية.

حرب الشعب الكردستاني الثورية.. البدايات 

كان الشعب الكردستاني يعيش حالة من الانهيار والانحلال، وصلت الأمور به إلى درجة أصبح ينكر وجوده وذاته. في تلك الحقبة كان لا بد من البحث عن الوجود والهوية، فكردستان كانت مستعمرة دولية، الكل يتقاسمها ويُشارك بشكل أو بآخر، في نهب خيرتها وإبادة شعوبها. فبعد القضاء على الانتفاضات والثورات التي قامت خاصة في باكور كردستان، وعلى وجه الخصوص ثورة جبل آكري “آرارت” حيث نصب الأتراك على سفح آكري الصغير قبراً وكتبوا عليه “هنا مقبرة كردستان” كان لا بد من البدء بحالة انبعاث جديدة والعودة إلى الذات الكردية المقاومة، والتي بنت الإمبراطوريات عبر التاريخ. فجاءت ثورة حزب العمال الكردستاني في 7/11/1978 لتستند إلى حرب الشعب الثورية. يؤكد القائد عبد الله أوجلان بهذا الصدد بأنهم كانوا بحاجة إلى حرب الشعب الثورية، ولولا وجود هذه الحرب؛ لما تحققت الحرية ولا الهوية.

حرب الشعب الثورية

تعتمد حرب الشعب الثورية على استراتيجية عسكرية طويلة الأمد، وأول من أرسى دعائمها الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ 1893 ـ 1976) خلال حرب الشعب الصيني في مواجهة العدوان الإمبريالي الخارجي، والعدو الداخلي على حد سواء، هذه الحرب ليست حربا كلاسيكية بين جيشين يتقاتلان وجهاً لوجه، بل هي حرب متعددة الأساليب والطرق، تعتمد بالدرجة الأولى على استنزاف العدو، وضربه ضربات سريعة وتكبيده خسائر من خلال ذلك.

أهم مقوماتها تأتي في الاعتماد على الذات بالدرجة الأولى والصمود والمقاومة ضد أي نوع من الاعتداء مهما كان، والتشبث بالأرض، وعدم مغادرتها والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة، يتم ذلك من خلال تنظيم الجماهير الشعبية، وتدريبها بشكل مكثف على كيفية استخدام السلاح الفردي بالإضافة إلى عملية البناء الفكري والتمسك بالأرض والدفاع عنها حتى آخر رمق في مواجهة الأعداء.

تبني شعار حرب الشعب سياسياً 

تبنت العديد من الأحزاب السياسية في شعارها حرب الشعب الثورية، ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أكبر الأحزاب السياسية في مناطق الإدارة الذاتية، حيث عقد مؤتمره التاسع في الحسكة بتاريخ 18 حزيران 2022 تحت شعار “بروح حرب الشعب الثورية سندحر الاحتلال ونبني سوريا الديمقراطية”.

كما أن حزب سوريا المستقبل، والذي يُعّد من الأحزاب والقوى الرئيسية على الساحة السياسية قد أكّد أكثر من مرة من خلال تصريحات مسؤوليه على ضرورة وأهمية “تفعيل حرب الشعب الثورية” ودور الشبيبة فيها. إلى ذلك؛ في معظم التصريحات بشأن الأوضاع السياسية في مناطق الإدارة الذاتية والتي يطلقها مسؤولو الإدارة والقوى السياسية المتنوعة المشاركة فيها، يتم التركيز على مدى فعّالية حرب الشعب الثورية، التي تخوضها شعوبنا في مواجهة الأعداء، وما حققته من الحفاظ على المكتسبات، التي حصلت عليها بفضل تضحيات الآلاف من الشهداء.

حرب الشعب الثورية في إقليم شمال وشرق سوريا

شعوب إقليم شمال وشرق سوريا اعتمدت على حرب الشعب السورية في صراعها من أجل الحفاظ على وجودها ومواجهة العدوان من العديد من الجهات، التي تكالبت على هذه المناطق بغية خنق تجربتها المتميزة، وهي ما تزال في المهد. فكانت المجموعات المتطرفة، ما يسمى الجيش الحر، وغيرها باختلاف المسميات، إلى أن جاءت مرتزقة داعش، وقيامها بأبشع هجوم وحشي عبر التاريخ ضد مناطق عدة وأولها شنكال، واستمرارها بالجرائم في إقليم شمال وشرق سوريا، لكن من خلال الحرب الثورية، التي اعتمدها الشعب في هذه المناطق، فقد تحقق النصر على مرتزقة داعش، وتم تحرير الأراضي من رجسها عسكرياً.

كما استند الشعب في مواجهتهم للعدوان التركي المباشر، وتكبيده خسائر فادحة على نهج الحرب الشعب الثورية، وأجبره على التراجع في الكثير من المواقع الجغرافية، وحدت من طموحاته، فيما لا تزال المقاومة مستمرة وبالنهج ذاته في المناطق التي احتلتها دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها.

نكون أو لا نكون 

حرب الشعب الثورية تهدف إلى تكاتف الشعوب والوقوف إلى جانب قواتها العسكرية في الظروف والأوضاع كافة، وتقوم بحماية مناطقها، ويتم تطبيق ذلك عملياً على أرض الواقع والأمثلة كثيرة، فمن مقاطعة الجزيرة إلى الفرات، والطبقة، والرقة ودير الزور وصولاً إلى منبج، وعفرين، والشهباء، أبدت في تلك الحروب الشعوب بتكاتفها مقاومة باسلة، وذلك من خلال تنظيم ذاتها وفق حرب الحرب الشعب الثورية، فتكاتفوا معاً والتفتوا حول قواتها العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية، وحول قواتها الأمنية، قوى الأمن الداخلي، فما أظهره الشعب في الشيخ مقصود والشهباء في بداية الحراك الشعبي بسوريا، كان درعا لحماية مناطق الجوار، وكذلك ما حصل في قلعة الصمود كوباني ضد مرتزقة داعش، لفت أنظار العالم كله لتلك المقاومة، وكان مثالاً لتوحيد الصف والمقاومة بمقومات حرب الشعب الثورية، ولن ننسى عفرين، موطن الزيتون، فمقاومة العصر التي دامت 58 يوماً واستمرارها بمرحلة أخرى اليوم في مخيمات التهجير على أن الإرادة الحرة، لم تلن أمام غطرسة المحتل التركي، واليوم إقليم شمال وشرق سوريا يستمر بتحقيق المكاسب في ظل هجمات المحتل التركي، والحصار المفروض والتدخلات الخارجية، ومساعي الكثير من الأطراف لإفشال مشروعها الديمقراطي.

وبذلك أثبتت حرب الشعب الثورية بأنها الوحيدة الكفيلة بإحباط أي هجوم جديد واحتلال للمنطقة؛ ما يستوجب تعزيز هذه الروح، والاستمرار بتلاحم الشعوب مع قواتها العسكرية، والتشبث بالأرض والبقاء صامدين مدافعين عنها، وعدم ترك المجال للعدو بتحقيق أطماعه.

الانتصار حتمي لإرادة الشعوب في حربها الثورية 

كلما ازدادت ثقتنا بأنفسنا، قللنا من اعتمادنا على الغير، واقتربنا من تحقيق النصر. هذه حقيقة فالشعوب عندما تقرر أن تعيش حرة وتنفض عن نفسها غبار العبودية والذل، والاستسلام، يكون النصر حليفها في نهاية المطاف. وقد أثبتت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، هذه الحقيقة بشكل ساطع. فها قد مر عقد من الزمن، وما تزال هذه المعجزة واقفة على قدميها وتحقق المزيد من المكتسبات لشعوبها، على الرغم من إحاطة الأعداء بها من مختلف الجهات كإحاطة السوار بالمعصم، إلا أن شعوبها قررت الاستمرار في خوض تجربتها الناجحة في إرادة نفسها بنفسها بعيداً عن سلطات الدولة القومية، وأدواتها القمعية والاعتماد على قواها الذاتية في حماية ثورتها الشعبية. هذه الثورة المجتمعية، التي خلقت مجتمعاً حراً مت ماسكاً بأخلاقه، وترابط شعوبه واعتماد حرية المرأة أساساً له، وفق عقد اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية للجميع.