حظر الأسلحة الكيماوية بين الأقوال والأفعال

دجوار أحمد آغا_

---

لم تتوقف الأنظمة القمعية من استخدامها للأسلحة الكيماوية على الرغم من توقيعها على اتفاقية حظر هكذا أسلحة، وبقي استخدامها أداة لإبادة من يقاوم في سبيل الحرية والديمقراطية، وفي اليوم الدولي لتأسيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، جاءت المطالب بعبارة “أقوال دون أفعال”.

 

عندما يتوحّش الإنسان؛ ويتخلى عن إنسانيته، يبدأ بقتل أخيه الإنسان، ويتجاوز في ذلك الوحوش؛ بحيث يصبح يتفنّن في كيفية التعذيب والقتل بطرق أكثر بشاعة حتى من الوحوش المفترسة نفسها. بدأ الإنسان بإنتاج أنواع مختلفة من الأسلحة التي تفتك بأخيه الإنسان بشكلٍ مؤلم جداً، لم يعد يكتفي بالقتل عن طريق السيف، الرمح، القوس والنشاب، ولا حتى طلقة المسدس، البندقية، قذيفة الهاون والمدفع، بل اخترع وسائل للقتل تختلف عن المقصلة والمشنقة والرمي بالرصاص، أسلحة فتاكة تفتك بجسد الإنسان من الداخل تُسمى بالأسلحة الكيماوية والغازات السامة.

تاريخ استخدام الأسلحة الكيماوية

يعود تاريخ استخدام هذه الأسلحة الى أزمنة سحيقة في التاريخ، إذ تُشير المصادر التاريخية إلى أن حروب الهند القديمة سنة 2000 ق.م شهدت استخداماً لأبخرة سامة تسبب “الارتخاء، النعاس، والتثاؤب”. كما تم استخدام الغاز في حصار “بلاتيا” إبان حرب البيلوبونيز (431/404ق.م بين أثينا وأسبارطة)، لكن الاستخدام الحديث لها برز بشكلٍ كبير خلال الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) حيث استخدمتها الدول المشاركة في الحرب من خلال الغازات السامة (غاز الكلور، غاز الخردل، الفوسجين)، أدت إلى وفاة 100 ألف شخص وإصابة ما لا يقل عن مليون آخر منذ ذلك التاريخ. على الرغم من التطور الكبير في صناعة هذه الأسلحة، إلا أن أي من الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) لم يستخدمها. وقد ظهر استخدمها الأبرز على الصعيد العالمي في حرب الولايات المتحدة الأمريكية ضد فيتنام (قنابل النابالم الحارقة).

الطريق إلى حظر هذه الأسلحة 

الخسائر الجسيمة؛ أدّت الى شعور عام بغضبٍ شديد ضد هذه الأسلحة الفتاكة ودفعت الدول إلى توقيع بروتوكول جنيف (بروتوكول حظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات والوسائل البكتريولوجية عادةً ما تُسمى بروتوكول جنيف هو معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في النزاعات المسلحة الدوليّة. تم التوقيع عليه في جنيف بسويسرا في 17 حزيران 1925 ودخل حيّز التنفيذ في 8 شباط 1928)، كخطوة أولى نحو وقف ومنع استخدام هذه الأسلحة. هذا البروتوكول لم يمنع إنتاج وصناعة هذه الأسلحة، بل إنه منع استخدامها فقط، مما دفع بالكثير من الدول إلى الاستمرار في إنتاج كميات كبيرة من هذه الأسلحة وتكديسها في مستودعات، بالإضافة الى احتفاظ العديد من الدول بحقها في استخدامها ضد الدول الغير موقّعة على البرتوكول.

تأسيس منظمة حظر الأسلحة الكيماوية 

واستدعى الأمر إلى تأسيس منظمة تهتم بشأن هذه الأسلحة الفتاكة وتحظر استخدامها وتحاسب مستخدميها من الدول. وقد فتح باب التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية في 10 نيسان 1972 وهي تُعتبر أول اتفاقية متعددة الأطراف لنزح السلاح وحظر استحداث وإنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل.

وفي العام 1993 تم عقد أول اجتماع بخصوص الأسلحة الكيماوية وحظر استخدامها وتدميرها واستمرت اجتماعات ولقاءات الدول حتى يوم 29 نيسان 1997، حيث دخلت اتفاقية الأسلحة الكيماوية حيز التنفيذ بعد جهود جبارة من اللجنة التحضيرية، حيث أسست منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

أهداف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية 

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW  (بالإنجليزية: Organization for the prohibition of chemical weapons)‏ هي منظمة دولية يقع مقرها في مدينة لاهاي بهولندا.  تسهر على تنفيذ وتطبيق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية التي تطبق من قبل الأعضاء الموقعين والمصادقين عليها.

اليوم، هناك 193 دولة ملتزمة باتفاقية الأسلحة الكيميائية، يعيش 98% من سكان المعمورة تحت حماية الاتفاقية، حيث تم التحقق من تدمير 98% من مخزونات الأسلحة الكيميائية التي أعلنت عنها الدول الحائزة. وتسعى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى الوفاء بما تنص عليه مواد الاتفاقية لإنهاء تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها ونقلها واستخدامها؛ لمنع عودة ظهورها؛ وضمان إزالة المخزونات الحالية من هذه الأسلحة؛ مما يجعل العالم آمناً من تهديد الحرب الكيميائية.

مُنحت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية جائزة نوبل للسلام في العام 2013 تقديراً لجهودها واسعة النطاق من أجل القضاء على الأسلحة الكيماوية.

تركيا ومعاهدات حظر الأسلحة الكيماوية

 وعلى الرغم من مساعي المنظمة لحظر استخدام الأسلحة إلا أن هناك من الدول التي لازالت تستخدمها على الرغم من توقيعها على الاتفاقية بهذا الخصوص؛ تركيا هي إحدى الدول التي وقّعت على جميع الاتفاقيات المتعلقة بالأسلحة الكيماوية فمن بروتوكول جنيف 1925، مروراً بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT  المبرمة عام 1968؛ ومن ثم اتفاقية حظر إنتاج وتطوير وتخزين الأسلحة البكتيرية، والسامة وتدميرها، الموقّعة في عام 1972 وصولاً إلى اتفاقية الأسلحة الكيماويّة المبرمة عام 1993 والتي دخلت التنفيذ في العام 1997. لكن كل هذه الاتفاقيات بقيت لدى دولة الاحتلال التركي مجرد “حبر على ورق” دون أي اهتمام أو تقيد بها، والأقوال لم تتطابق مع الأفعال.

السلاح الكيماوي ضد الكُرد

 الكرد الذين ليس لهم دولة رغم وجود وطنهم الأم كردستان المقسم والمجزأ بين دول عدة، تعرضوا في الكثير من الفترات إلى مجازر وهجمات وإبادة استخدم السلاح الكيماوي بحقهم من جانب مختلف الأنظمة المحتلة. وهناك أمثلة كثيرة عن ذلك، فخلال مقاومة الشيخ محمود البرزنجي 1919ـ 1923 في السليمانية أطلق البريطانيون الغازات السامة من الطائرات الحربية على المدينة مما أدى إلى وفاة أكثر من 10 آلاف شخص. بينما قامت دولة الاحتلال التركي باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الكرد في ثورة ديرسم 1936 ـ 1937 وخاصةً الغازات السامة مما أدى إلى اختناق عشرات الآلاف من الأطفال والنساء في كهوف ديرسم وكوجكيري.

وقام النظام البعثي الشوفيني في العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية في 16 آذار 1988 بقصف مدينة حلبجة في باشور كردستان بغاز الخردل مما أدى إلى  استشهاد 5000 طفل وامرأة ومسن خلال ساعة وإصابة عشرات الآلاف بأعراض سامة خطيرة. كما قصف وادي بيلسان وغيرها من مناطق هوارمان بالغازات السامة.

ولن ننسى منطقة الشيخ مقصود، والتي كانت درعاً حامياً في بداية الأزمة السورية، حيث تعرضت لهجوم واسع بالكيماوي من قبل حكومة دمشق ومرتزقة جيش الاحتلال التركي على مدار خمسة سنوات، بدءاً من 2012 ولغاية تحرير الأحياء الشرقية بحلب 2017.

كما تم استخدم السلاح الكيماوي المُحرّم دولياً في كل من عفرين وسري كانيه، حيث المقاومة الشعبية ومقاومة العصر، ففي عفرين لجأت دولة الاحتلال التركي إلى استخدام هذا النوع من السلاح بعد فشله في كسر إرادة الشعب هناك، حيث استخدم الغاز السام ضد الأهالي في قرية أرندة الغريبة من مدينة راجو وهو ما أكدته المصادر الطبية في مشفى آفرين، حين لوحظت  آثار الهجوم الكيمائي على ستة أشخاص من القرية المذكورة، وفي سري كانيه أيضاً وعند هجوم الاحتلال التركي بغية توسيع الاستيطان في إقليم شمال وشرق سوريا عام 2019 استخدمت تركيا غاز الفوسفور فكانت صرخات الطفل محمد حميد الذي تعرّض جسمه لحروق.

بشكلٍ علني استخدام الكيماوي ضد الكريلا 

لم تتوقف دولة الاحتلال التركي عن استخدام كافة الأسلحة التي تمتلكها في مواجهة الشعب الكردي بغية إبادته، كونها تعلم علم اليقين بأنها قد بنت دولتها على أرض آبائه وأجداده. وقد ازدادت هذه الهجمات الوحشية والهمجية بحق طليعة الشعب الكردستاني “حركة حرية كردستان” التي حمل أفرادها أسلحتهم الفردية وبدأوا بحملة الدفاع عن وجود شعبهم ومواجهة العدو بإرادتهم التي لا تُقهر.

بضعة شبان اجتمعوا في بيت بسيط في فيس بأطراف آمد “دياربكر” وأسسوا حزباً أصبح في غضون عقد من الزمن من أقوى الأحزاب التحررية على ساحة الشرق الأوسط والعالم. حزب استطاع بناء قوة متراصة متينة متماسكة مؤمنة بعدالة قضيتها. عندما عجزت دولة الاحتلال التركي عن مواجهة قوات الكريلا وجهاً لوجه، بدأت بقصف خنادق المقاومة بالأسلحة الكيماوية والقنابل النووية التكتيكية. على الرغم من أن هذه الأسلحة مُحرمة ومحظور استخدامها بموجب اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية والتي وقّعت عليها تركيا، لكنها مستمرة في استخدامها وبكثافة. سنورد لكم بعضاً من النماذج التي قامت بها دولة الاحتلال التركي والخسائر التي نتجت عنها.

نماذج من هذا الاستخدام

في 1994 استخدمت دولة الاحتلال التركي الأسلحة الكيماوية في جبال بزيرة بمنطقة “سمسور”، وأسفر القصف عن استشهاد 28 مقاتلاً من قوات الكريلا، 22 منهم مدنيون، حديثو الانضمام لصفوف الكريلا.

في نفس العام 1994 استخدمت الأسلحة الكيماوية مرة أخرى في جبال رشكة التابعة لمدينة “وان”، أسفر القصف آنذاك عن استشهاد 42 مقاتلاً من قوات الكريلا.

وفي العام 1995 استشهد 80 مقاتلاً من قوات الكريلا في وادي شيخ جمعة في “سرت” جراء تعرضهم للغازات الكيماوية.

واستخدمت الأسلحة الكيماوية في جبال باكوك التابعة لماردينلعام 1996، وأسفر القصف بالأسلحة الكيماوية على استشهاد 9 من مقاتلي الكريلا.

وفي 11 آذار 1997 استخدمت الأسلحة الكيماوية في منطقة جميش التابعة لمرسين، مما أسفر عن استشهاد 21 مقاتلاً من قوات الكريلا.

وفي 11 أيار 1999، استشهد 20 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في إحدى كهوف منطقة باليكايا في شرناخ، نتيجة استخدام الغاز السام.

وخلال الأعوام من 2000 ولغاية 2019 استخدمت دولة الاحتلال التركي مئات المرات الأسلحة الكيماوية واستشهد على أثرها عشرات المقاتلين الثوار.

وتستمر دولة الاحتلال لليوم بالهجمات بالكيماوي على مناطق الدفاع المشروع، فخلال عام 2022 شن الاحتلال ثلاثة آلاف ومائتين وثمانين هجوماً بالقنابل المحظور والأسلحة الكيماوية على قوات الدفاع الشعبي كما كشفته عنه المركز الإعلامي، أما في 2023 فقد وصل إلى 1038 بالهجوم بالمتفجرات المحظورة والأسلحة الكيماوية.

صمت العالم ضوء أخضر لتركيا 

الصمت الذي يلف العالم حيال ما تقوم به دولة الاحتلال التركي ضد شعوب المنطقة والشعب الكردي خصوصاً، يساعدها إلى حدٍ كبير في الاستمرار في استخدام هذه الأسلحة المحرمة دولياً والمحظور استخدامها. ونختتم هذه القراءة بما نشرته صحيفة التايمز البريطانية حول منظمة حظر الأسلحة الكيمائية، ونترك لكم التعليق.

أفادت صحيفة “التايمز” البريطانية بأن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رفضت التحقيق في مزاعم استخدام القوات التركية للفوسفور الأبيض ضد المدنيين في إطار حملتها الأخيرة بشمال شرقي سوريا.

وأكدت الصحيفة في تقرير نشرته، يوم السبت 2/11/2019 أن المنظمة الأممية رفضت فحص العينات من بعض المدنيين الذين قيل إنهم تعرضوا لهجمات بمادة كيميائية محظور دولياً استخدامها في العمليات القتالية، وذلك بدعوى أن هذه الحالات تخرج عن إطار صلاحياتها.

وذكرت المنظمة في بيان أصدرته رداً على أسئلة الصحيفة أن تلك الإصابات جاءت بسبب خصائص الفوسفور الحرارية وليست الكيميائية، قائلةً إن حالات استخدام هذه المادة لإقامة ستار دخان أو لغرض الإضاءة أو كأسلحة حارقة تعد خارج نطاق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تلك العيّنات المتأثرة بعامل الوقت والتي أخذها فريق طبي كردي من المصابين الذين نقلوا للعلاج في إقليم كردستان لا تزال موجودة هناك داخل ثلاجة خاصة. وجاء هذا البيان بعد أسبوعين من تأكيد المنظمة أنها على دراية بشأن الأنباء عن استخدام جيش الاحتلال التركي قنابل الفوسفور الأبيض في عمليتها ضد المقاتلين الكرد في شمال وشرق سوريا، وتعمل على جمع معلومات حول هذه الحالات.

نترك لكم التعليق.