​​​​​​​ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.. نجاة لمستقبل سوريا

كركي لكي/ غاندي إسكندر –

في ظل الصراع الكارثي، والحرب المستعرة في الجسد السوري منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي خلفت وراءها التدمير والتهجير وإزهاق أرواح مئات الآلاف من الأبرياء، وسعياً للحل من منطلق وطني بحت بنت الشعوب في شمال وشرق سوريا أسساً لحلٍّ ينهي التراجيديا السورية، تمثلت بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

ارتأت الشعوب التي هزمت جنباً إلى جنب الإرهاب الداعشي، ولفظت التطرف، وحاربت الاحتلال التركي، بأن إقامة نظام ديمقراطي تعددي هو المخرج الوحيد للملمة أشلاء الكيان السوري المتمزق، والأرضية الصلبة لوقف الدماء المسالة للشعوب السورية، وأن فشل الحكومة السورية طيلة أعوام خلت من بناء نظام يشترك فيه الفسيفساء السوري في إدارة الدولة لا يمكن أن يكتب له النجاة إلا بالتحرر من قيود الدولة القومية المركزية.

باقة لألوان الطيف

إن مصطلحات “الحرية والديمقراطية، والتعايش المشترك، وحقوق المرأة، والمشاركة، والتعددية، وتنوع اللغات” لم تكن مفردات موجودة في القاموس السياسي السوري، وكان التقرب من هذه المصطلحات جريمة لا تغتفر، ويعاقب بشدة كل من يهمس بها، فاللغة السائدة قبل النهل من منهل فكر الأمة الديمقراطية كانت لغة اللون الواحد دون غيره، لذا فإن شعوب شمال وشرق التي ذاقت الأمرين من الحكم المركزي استطاعت أن تمزق قيود الذل والاستبداد، ولا سيما عندما تعرضت للإرهاب الداعشي، والمؤامرات الخبيثة التي طبخت في أنقرة وغيرها من المدن.

ما سبق دفع أبناؤها لبناء نظام من الإدارة يعتمد على مشاركة كافة الشعوب في صنع القرار، وعدم سيطرة شعب أو كيان معين على آخر، فخندق مقاومة مروجي الفكر الظلامي الذي جمع بين الكردي، والعربي، والسرياني، والآشوري، والشركسي، والتركماني، والمسيحي، والمسلم، والإيزيدي؛ تحول إلى قاعدة وإدارة شعبية ديمقراطية لاقت الاستحسان والتأييد من المجتمع الدولي، وما المكاتب والممثليات التي تمثل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في كافة أنحاء العالم إلا دليل قاطع على الاحترام، والرضا بمشروع الحل المطروح لسوريا المستقبل، والحالة الديمقراطية الفريدة في بقعة جغرافية ملغمة بالأفكار السلطوية والتناحر الطائفي والإثني.

تلاحم خلق الانتصار

ورغم انتشار فكرة التمييز الطائفي والعرقي والتصيد في الماء العكر من أجل ضرب الشعوب مع بعضها البعض، ولا سيما في منطقة مؤهلة لتمرير مشاريع الدول الطامعة في الأرض السورية كمنطقة شمال وشرق سوريا، إلا أن الرهان على خلق حالة من الفوضى والعنصرية جوبهت بتكاتف وتلاحم قل نظيره، فاستطاعت الشعوب أن تحارب مع بعض وتتذوق مع بعض طعم الانتصار الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية على الإرهاب وداعميه، فقد اختلطت دماء أبناء العشائر العربية مع دماء الشباب الكرد، واتحد الهلال مع الصليب، والتكبير في المساجد مع أجراس الكنائس، في صورة عكست الوئام والمحبة والتآخي بين المختلفين.

فقوات “قسد” التي تمثل قلعة الدفاع عن مكتسبات شعوب شمال وشرق سوريا والوجه العسكري للإدارة الذاتية قد تحولت إلى أهم رمز عالمي في الحرب على الإرهاب، وحري بأن تحظى مظلته السياسية بالدعم الكامل من  جميع شعوب وحكومات العالم كرد طبيعي يليق بدورها في الحفاظ على السلم والأمن المجتمعي.

روح التجانس أفرز ثورة في المجال الخدمي

مع ما تقدم من إنجازات على صعيد تحقيق التوافق، وتنمية أفكار التآخي انبرت الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى تحقيق ثورة خدمية شملت إعادة تأهيل البنى التحتية في كامل مناطق شمال وشرق سوريا، وتشكلت لجان لإعادة إعمار ما تدمر خلال المعارك مع مرتزقة داعش، ولا سيما في كل من مدينتي الرقة والطبقة، فالروح التي خلقت التجانس في كيفية الإدارة تحولت إلى خلية نحل، فرُمِّمَت محطات الشرب والري والأقنية، وتم تأهيل العديد من المدارس وفُتحت الطرقات وافتتحت الجامعات ودور العلم.

 فالإدارة الذاتية أثبتت بعملها الدؤوب وبإمكاناتها الذاتية رغم عمرها القصير والحصار المفروض عليها من قبل أعداء الديمقراطية، أن الكوارث يمكن تحويلها إلى إكسير للحياة عندما تتوفر مقومات الصمود، والرغبة في التحرر.

نموذج الإدارة الذاتية هو الحل الأنجع للحالة السورية

لقد كشفت الأزمة السورية ومخرجاتها الأليمة، بعد كل هذه السنوات، أن جميع المؤتمرات والمباحثات في جنيف وتوافقات أستانا وسوتشي، لم تخدم القضية السورية، بل زادت من توسع نطاق الجرح السوري، وتحولت سوريا إلى ميدان لتصفية الحسابات بين الضالعين في الأزمة، وقد خلت الساحة السورية من أي مشروع يُعيد الكرامة المهدورة للإنسان السوري؛ لذلك فإن نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية هو الجواب الأكثر دقة والحالة المثلى التي يجب أن تكون عليها سوريا، فالتنوع القومي والإثني والديني والطائفي بحاجة إلى حضن وملجأ وطوق للنجاة تتوفر فيه مقومات دولة مواطنة ديمقراطية تعددية لا مركزية، وهذا كله متجسد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بكل تفاصيله وهو الحل الوحيد القابل للحياة على الجغرافية السورية.