سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

هجومُ موسكو الدمويّ… وجدل الاتهام

بدرخان نوري_

تدخّلت روسيا في سوريا نهاية أيلول 2015 وفق معطيات جيواستراتيجيّة، خشية خسارة موقع سوريا على البحارِ الدافئة بعد تدخّل التحالف في ليبيا، ولم تكن جادة في محاربة الإرهاب، ووجّهت اتهامات إيديولوجيّة فضفاضة بدعمِ الغربِ له، ورفضتِ الإقرارَ بالقدرة الحركيّة للإرهابِ والتنقل عبر الحدود، ولذلك شككت السلطات الروسيّة بإعلان مرتزقة “داعش” بتنفيذ الهجوم الدامي على قاعة حفلات موسيقيّة في ضواحي موسكو الجمعة الماضية، وكذلك في التأكيدات الأمريكيّة بمسؤوليّة “داعش” عن الهجوم. وسعى المسؤولون الروس على أعلى المستويات بإلقاء التبعة على أوكرانيا لتوظيف ذلك في مواصلة الحرب ضدها.
 هجوم دمويّ
 مساء الجمعة استهدف هجومٌ مسلحٌ مركز “كروكس سيتي هول” الترفيهي التجاريّ في ضواحي موسكو وهو مركز تسوق وصالة حفلات موسيقيّة وأعقبه حريق ضخم في قاعة للحفلات الموسيقيّة. وأظهرت المشاهد التي التقطها شهود عيان وأخرى تم الحصول عليها من كاميرات المراقبة في وقت متأخر من مساء يوم الحادث وصول مسلحين بسيارة رينو يرتدون ملابس مموهة وبأسلحة رشاشة، قبل أن يركضوا نحو المدخل الرئيسي ويفتحوا النار على الحراس، ومن ثم التوجه نحو قاعة الحفل وأطلاق الرصاص على كل من كان أمامهم.
وفور الهجوم أعلن مرتزقة “داعش” ــ ما يسمى “ولاية خراسان” مسؤوليته عن تنفيذه. وقال بيان على تطبيق تلغرام إن “مقاتليه “هاجموا تجمعاً كبيراً (…) في محيط العاصمة الروسيّة موسكو”، وأشار إلى أنّهم “عادوا بعد ذلك إلى قاعدتهم” بسلام. وأعلن مرتزقة “داعش” المسؤولية عن هذا الهجوم ثلاث مرات، وكانتِ المرة الأولى في بيان ليلة الهجوم، ثم في بيان ثان ذكر فيه بعض التفاصيل عن منفذي العملية الأربعة وأنّ أحدهم فقط هو من كان مكلفاً بحرق المسرح. والمرة الثالثة عندما نشر مقاطع فيديو للعملية يظهر فيها المنفذون الأربعة الذين يتوافق مظهرهم مع المشتبه بهم في حوزة السلطات الروسيّة. ولكن وسائل إعلام روسيّة وصفت البيان الذي نشرته رويترز الجمعة بأنّه مفبرك وغير صحيح، وتوقفت على تفاصيل فيه. من قبيل إضافة تاريخ وكلمة “عاجل” وعدم تضمن اسم وكالة “أعماق” بالإنجليزيّة.
وأعلنت لجنة التحقيق الروسيّة، ارتفاع عدد ضحايا الهجوم إلى 143 قتيل. وقالت وكالة “تاس الروسيّة” نقلاً عن الخدمة الصحفية للكرملين، إنّ مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسيّ ألكسندر بورتنيكوف أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتقال 11 شخصاً، بينهم 4 إرهابيين شاركوا في الهجوم. وتوعد الرئيس الروسيّ بوتين بأن ينال كل من يقف وراء هذا الهجوم العقاب العادل والحتمي، حسب تعبيره.
ونشر الإعلام الروسيّ مقطعاً مصوراً لاستجواب مشتبهٍ بتنفيذِ الهجوم الإرهابيّ، والذي عرّف نفسه باسم “فريدون شمس الدين”، (26 سنة) وأنّه وصل من تركيا في 4 آذار الجاري. وأضاف أنّه تم تجنيده عبر “تلغرام” قبل شهر تقريباً، وكان يستمع إلى محاضرات أحد الدعاة، فاتصل به شخص قال إنّه مساعد للداعية.
وقال: “لقد كتبوا لي عبر تلغرام.. دون ذكر أسمائهم أو أيّ تفاصيل أخرى”، مضيفاً أن “المشرفين” عرضوا عليه مبلغ 500 ألف روبل (نحو 5 آلاف دولار) مقابل تنفيذِ عملية قتلٍ عشوائيّ، وكانت مهمته ببساطة قتل “أيّ ناس” موجودين في المكان الذي حددوه. وذكر المحتجز أنَّ رعاته دفعوا له نصف المبلغ بتحويله إلى بطاقته المصرفيّة.
وجهت محكمة روسية اتهامات إلى أربعة أشخاص، واقتيد ثلاثة أشخاص سيراً على الأقدام، بينما سيق الرابع على كرسي متحرك إلى محكمة في موسكو، ليواجهوا الاتهام بارتكاب عمل إرهابيّ. وأظهرت مقاطع مصوّرة متداولة في وسائل التواصل الافتراضي، لم يتم التحقق منها، عملية استجواب المشتبه بهم. وظهر أحدهم وقد قُطع جزء من أذنه. والمتهمون الأربعة هم: داليردزون ميرزوييف يحمل جنسية طاجيكستان وكان يستند إلى القفص الزجاجي أثناء قراءة لائحة الاتهام. والثاني وكان جالساً ويدعى سعيد كرامي راشاباليزودا وأذنه مغطاة بالضمادات. والثالث يدعى محمد صبير فايزوف بملابس المستشفى الفضفاضة وجلس على كرسي طبي ووجهه مغطى بالجروح. ووقف الرابع وهو المدعو شمس الدين فريدوني وكدمات في وجهه.
وجاء الهجوم الدمويّ بعد نحو أسبوع من انتهاء الانتخابات الرئاسية التي جرت في الفترة 15ــ17 شهر آذار الجاري، وفاز فيها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بنسبة 88%، وفي مرحلة صعبة جداً من الحرب مع أوكرانيا، متزامنةٍ مع تهديدات متبادلة بمزيد من التصعيدِ وبدت فيها المنظومة الغربيّة باتت قاب قوسين أو أدنى من دخول مسار الأزمة بين كييف وموسكو.
اتهام كييف 
وقال الرئيس الروسي بوتين الإثنين: “نحن نعلم أن الجريمة ارتكبها إسلاميون متشددون، الذين ظل العالم الإسلاميّ نفسه يحارب أيديولوجيتهم منذ قرون”. وتابع: “نرى أيضاً أنّ الولايات المتحدة تحاول عبر مختلف القنوات إقناع الجميع، وفقاً لبياناتهم الاستخباراتيّة، أنّه من المفترض أنه لا يوجد أيّ دور لكييف في هجوم موسكو الإرهابيّ، وأنّ الهجوم الإرهابيّ الدمويّ نفذه أعضاء في تنظيم “داعش” المحظور في روسيا”.
وذكر بوتين مرة أخرى أن أوكرانيا هي المسؤولة عن الهجوم، وقال: “من الضروريّ الإجابة على السؤال لماذا حاول الإرهابيون الذهاب إلى أوكرانيا بعد ارتكاب جريمة، ومن كان ينتظرهم هناك؟ من الواضح أن أولئك الذين يدعمون نظام كييف لا يريدون أن يكونوا شركاء في الإرهاب ورعاة للإرهاب، لكن هناك بالفعل الكثير من الأسئلة”.
وأكد الكرملين الإثنين أنه لن يعلق على تبني مرتزقة “داعش” الاعتداء الدامي على صالة حفلات في موسكو بانتظار انتهاء التحقيقات. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين “التحقيقات جارية. لم تصدر بعد رواية متماسكة. نتحدث فقط عن بيانات أولية”، مضيفا أن الرئيس فلاديمير بوتين لا ينوي زيارة موقع الهجوم.
وتشير أصابع الاتهام الروسية إلى أن أوكرانيا هي من يقف خلف هذا الهجوم الإرهابي، إذ أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنّه جرى تهيئة مهرب لمنفذي الهجوم إلى أوكرانيا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إنّ “أوكرانيا تحوّلت، على يد الغرب، إلى مركزٍ لنشر الإرهاب في أوروبا منذ أعوام”.
لكن أوكرانيا نفت أوكرانيا أيّ دور لها في الهجوم واتهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي بوتين بالسعي إلى تحويل مسؤوليّة الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقيّة من خلال الإشارة إلى أوكرانيا.
ورفض الكرملين التعليق على مسألة إن كان المشبه بهم تعرضوا إلى سوء المعاملة بعد احتجازهم. وقال بيسكوف “سأترك هذا السؤال من دون إجابة”، بعد انتشار تقارير وتسجيلات مصورة على وسائل التواصل الافتراضي في روسيا لعمليات تحقيق تخللها العنف عقب توقيف المشتبه بهم.
تشكيك في التأكيد الأمريكيّ 
وكانت السفارة الأمريكيّة في موسكو قد حذرت في 7/3/2024، من أنّ “متطرفين” يعتزمون شن هجوم في موسكو قريباً. وجاء التحذير الأميركي بعد عدة ساعات من إعلان جهاز الأمن الاتحادي الروسيّ إحباط هجوم على كنيس يهوديّ في موسكو نفذته خلية تابعة لمرتزقة “داعش” ــ الذراع الأفغانيّة، ولم تقدم السفارة مزيداً من التفاصيل عن طبيعة التهديد، لكنها قالت إنّه يتعين على الأفراد تجنب الحفلات الموسيقيّة والحشود.
وقالت السفارة على موقعها الإلكترونيّ إنّها “تراقب التقارير التي تفيد بأنّ متطرفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمعات كبيرة في موسكو، ومنها الحفلات الموسيقيّة”، ونصحت المواطنين الأميركيين بتجنب التجمعات الكبيرة خلال اليومين المقبلين.
ونقلت CNN بالعربية عن مصدرين مطلعين على المعلومات الاستخبارية، إنّ الولايات المتحدة شهدت تدفقاً مستمراً من المعلومات الاستخبارية منذ تشرين الثاني الماضي، تحذّر من أن مرتزقة “داعش خراسان”، المعروف أيضاً باسم “داعش كي”، كان يخطط لتنفيذ هجوم واسع النطاق داخل روسيا، وهو الهجوم الذي من شأنه أن يؤدي إلى وقوع إصابات جماعيّة. ويبدو أنّ التحذير الأمريكيّ أوجد شكلاً من المقاربة مع الهجوم الذي شنته حركة “حماس في 7/10/2023، على حفل موسيقي وأسفر عن مقتل 1200 إسرائيليّ.
وقال جهاز الأمن الاتحاديّ الروسيّ إن خلية تابعة لـ “داعش” تعمل في منطقة كالوجا الروسيّة: “كانت تستعد لمهاجمة رواد كنيس يهوديّ باستخدام الأسلحة الناريّة”.
وصرّح البيت الأبيض بأنّ الولايات المتحدة على علمٍ بتقارير عن إطلاق النار في موسكو، وتَعُدّ اللقطات من مكان الحادث “مُرعبة”، لافتةً إلى أنّه “لا توجد إشارة، في الوقت الحالي، إلى تورّط أوكرانيا في إطلاق النار في موسكو”.
وشككت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسيّة ماريا زاخاروفا في تأكيدات الولايات المتحدة، وقالت في مقال لصحيفة “كومسومولسكايا برافدا” “سؤال للبيت الأبيض: هل أنت متأكد أنه تنظيم الدولة الإسلامية؟ هل يمكنك التفكير في الأمر مرة أخرى؟”. وأضافت أن الولايات المتحدة تستخدم “فزاعة” تنظيم الدولة لتغطي على أفعالها في كييف، وذكّرت بأن واشنطن دعمت “المجاهدين” الذين خاضوا قتالاً ضد القوات السوفيتيّة في الثمانينيات.
ويفسر عدم تأكيد السلطات الروسيّة مسؤولية مرتزقة “داعش” عن الهجوم بأنّ ذلك سيُعدّ انتكاسة للسلطات الأمنيّة الروسيّة، فيما يريد الرئيس الروسيّ توظيف الهجوم في سياق الحرب في أوكرانيا والتصعيد العسكريّ ضدها باعتبارها العدو الأول والأساسي لبلاده. وبالوقت نفسه الغرب وفي مقدمه واشنطن بالمسؤوليّة لكونه داعماً لكييف.
رسالة دمويّة لتأكيد الانبعاث
تنفيذ مرتزقة “داعش” للهجوم يتجاوز مجرد الفرضيّة وهو أكثر واقعيّة لاعتبارات منها أسلوب التنفيذ الدمويّ المروع واستهداف المدنيين من النساء والأطفال والرجال وإصدار بيان بتبني الهجوم ووجود جذور لـ”داعش” في روسيا. والاعتراف الذي أدلى به أحد المتهمين وأنّه قدم من تركيا مؤخراً وهو ما يعزز فرضية تورط “داعش” في العملية.
نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول أمنيّ تركيّ قوله إنّ المشتبه فيهم كانوا قد دخلوا إلى تركيا ومكثوا فيها لفترة وجيزة لتجديد وثائق إقاماتهم الروسية، وإذ يشير مراقبون إلى أنّ الهجوم جاء للانتقام بعد هزائم “داعش” المتلاحقة في سوريا، إلا أنّ القوات الروسيّة عملت وفق أجندة سياسيّة واعتبرت موسكو “داعش” أنّه “مارد من ورق” صنعه الغرب، وفي البيانات الختامية لاجتماعات أستانه وصفت محاربة الإرهاب في سوريا على أنّه مجرد ذريعة لفرضِ واقع جديد في المنطقة، وبذلك كانت تلك البيانات أشبه بإعلان حربٍ ضد الإدارة الذاتيّة.
والأرجح أكثر أنّ مرتزقة “داعش” وجد الفرصة مناسبة لتنفيذ عملية كبيرة يؤكد فيها الانبعاث وامتلاك إمكانيّة الحركة والنشاط وفتح ميادين جديدة، وضرب موسكو هو تحدٍ أمنيّ كبير والأكثر مناسبةً ليبعث منها برسالته الدمويّة للعالم. كما يدلُّ الهجوم على خطورةِ التهديدِ الإرهابيّ وتراجع الاهتمام الدوليّ بظاهرة “الإرهاب العابر للحدود”
اتهام كييف والغرب لا يخرج عن أطر الاتهام السياسيّ وفق معطيات إيديولوجيّة لم تتوفر أدلة تأكيده، ولا يثبتها حتى محاولة منفذي الهجوم الهروب إلى أوكرانيا، الت يتوصف بالعدو وتخوض حرباً للسنة الثالثة. وكان تنفيذ عملية 11 أيلول 2001 في نيويورك أحد أبرز الأمثلة لدينامية تنفيذ العلميات الإرهابيّة وإمكانية الانتقال.
جذور “داعش” في روسيا
في سياق تدخلها العسكريّ في سوريا تدرك موسكو جيداً أنّ آلافاً من العائدية الروسيّة وصلوا إلى سوريا من الطاجيك والشيشان والداغستان والأنجوش والقرم، وتخشى عودتهم إلى البلاد بعدما خاضوا سنوات في الصراع المسلح، في تعبئةٍ عقائديّةٍ كاملةٍ. ولهذا تحرص موسكو على مواصلةِ استهدافِ إدلب، بسببِ الحالة الجهاديّةِ متعددة الجنسيات، وتساوم أنقرة على فصائل المعارضة الذين خاضت بهم تجربة ركوب الحافلات الخضراء مقابل استهداف ما يسمى بالجهاديّين الذين لن يركبوا الحافلات أو يلقوا السلاح.
يذكر أنه في 23/6/2015، أعلن المتحدث الرسمي باسم “داعش” أبو محمد العدناني قبول ولاء زعماء إمارة القوقاز الإسلاميّة وأعلن إنشاء ولاية جديدة أو مقاطعة تغطي منطقة شمال القوقاز. وتعيين رستم أسيلداروف للإشراف على الولاية ودعا كل المسلحين إلى إعلان الولاء.
وفي تسجيلٍ صوتيّ بُثَّ على موقع يوتيوب في 21/6/2015، أدى مسلحون إسلاميون في جمهوريات داغستان والشيشان وإنغوشيا وقبردينو بلقاريا قسم الولاء للبغدادي. وجاء البيان باللغتين العربية والروسية بعنوان “بيان من مجاهدي ولاية القوقاز ببيعة خليفة المسلمين أبي بكر البغدادي وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية”، أنه “طاعة لأمر الله (…) نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القريشي الحسيني على السمع والطاعة”.  وتابع البيان: “نحن مجاهدو القوقاز في ولايات الشيشان وداغستان وإنغوشيا وكابيكا، نشهد بأننا كلنا متفقون على هذا الرأي، ولا يوجد أي اختلاف بيننا في هذا الموضوع”.
ومن العمليات التي نُفذت في روسيا، الهجوم على قاعدة عسكريّة روسيّة في جنوب داغستان في 2/9/2015. وظهر أسيلداروف في مقطع مصور يدعو أنصار “داعش” في القوقاز للقتال هناك بدل السفر إلى العراق وسوريا.
كان “علي أبو محمد الداغستاني” يقود إمارة القوقاز الإسلاميّة عام 2014 وانقلب عليه قياديون وأعلنوا البيعة، ليأتي إعلان المصادقة من “العدناني” لاحقاً.
هذا البعد لا يتوقفُ عليه كثيرٌ من السوريين في أسبابِ تدخل روسيا العسكريّ في سوريا، ووصفه مراقبون فيما سبق بأنّه “حرب الشيشان الثانية”، ولكنها في سوريا، وبالمثل تخشى بكين عودة نحو 25 ألف من التركستان (الإيغور)، ومعلوم أنّ المرتزقة الأجانب دخلوا إلى سوريا عبر الأراضي التركيّة، وكان نقلُ المرتزقة الروس خدمةً قدمتها أنقرة لموسكو فيما سبق.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle