سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تصاعدٌ إرهابيّ وقصورٌ في الجهدِ الدوليّ

بدرخان نوري_

أثار تصاعدُ عملياتِ “داعش” الإرهابيّة منذ بدايةِ العام الحالي في سوريا والعديد من المواقع في العالم، اهتمامَ المراجعِ السياسيّة ومنها الأمم المتحدة، والتي أشارت إلى أنّ “داعش” انتهى جغرافيّاً، لكن خطره ما زال قائماً ويعيدُ تنظيم نفسه مستغلاً جملةً من الظروف، وبالمقابل انتهجت ترويكا “أستانة” مساراً على سبيلِ النكايةِ بسياسة واشنطن ولم تأخذِ الخطرَ الإرهابيّ على محملِ الجد، فوقع تفجير كرمان في إيران وهجوم موسكو الدمويين، بتنفيذ الجهة نفسها. بالمجمل تتحمّل دول العالم وحُماتها تبعات التقصير في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.
تحذيراتٌ دوليّة من الإرهاب
كشفت بيانات صادرة عن القيادة المركزيّة الأمريكيّة، إنَّ عدد مرتزقة “داعش” الإرهابيّ في سوريا والعراق يبلغ نحو 2500 شخص، بارتفاع يبلغ ضعف التقديرات الصادرة نهاية كانون الثاني الماضي. وأوضح تقرير لموقع “فويس أوف أمريكا” أنّ “داعش”، يشنُّ هجماتٍ جديدةً وقويةً ضد قوات حكومة دمشق.
 وأحصى مشروع مكافحة التطرف غير الربحيّ CEP، في تقرير صدر في وقتٍ سابق أنّ “داعش” نفذ بشكلٍ مؤكدٍ 69 هجوماً على الأقل في وسط سوريا حتى نهاية آذار الماضي، ما أدى لمقتل 84 جندياً من قوات حكومة دمشق و44 مدنيّاً، ويتجاوز ضعف العدد الإجماليّ لعملياته المؤكدة خلال عام 2024. وأضاف التقرير: “إن الفارق الوحيد والمقلق في آذار كان حجم الهجمات ضد قوات الأمن، إذ استهدفت خلايا “داعش” بنجاح وباستمرار مواقع النظام ونصبوا الكمائن للدوريات، وقامت بأسر وإعدام الجنود بشكلٍ متكرر”. وقالت كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، الأسبوع الماضي “إنّ التنظيم الإرهابيّ “يكافح من نواحٍ كثيرةٍ لبناء قدرة كبيرة ذات صلة بالولايات المتحدة”.
وحذّر تقييم التهديدات العالميّة، الذي أصدره الشهر الماضي مكتب مدير المخابرات الوطنيّة، من أنّه بينما يظل “داعش” منظمة إرهابيّة عالميّة مركزيّة، فقد اضطر للاعتماد على الفروعِ الإقليميّة نتيجة الخسائر المتتالية في قياداته خلال السنوات القليلة الماضية”.
في 15/2/2024 قال تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة: “رغم التقدّم المطرد الذي أحرزته الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الحد من قدرات “داعش” العملياتيّة، لا يزال لديه والجماعات التابعة له القدرة على شنّ هجمات تُسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانيّة. وأكّد التقرير أنّ استمرار التهديد الذي يشكّله “داعش” ــ رغم التقدم الكبير الذي أُحرز نتيجة جهود مكافحة الإرهاب ـ يسلّط الضوء على محدودية النُهج التي تركز على الأمن، مشيراً إلى أنّ التصدي للتهديد يتطلب استجابات شاملة ومتعددة المستويات ومتعددة أصحاب المصلحة، بما في ذلك التركيز في المقام الأول على منع التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب.
وقال تقرير الأمم المتحدة: إن “داعش” لا يزال لديه على الأرجح ما بين 3 ــ 5 آلاف عنصر في جميع أنحاء سوريا والعراق، مضيفاً أنّ صحراء وسط سوريا أصبحت مركزاً للوجستيات والعمليات يضم 500 ــ 600 عنصر.
وأكدت بيانات صادرة عن مشروع مكافحة التطرف في أمريكا، أنّ شهر آذار الماضي كان الأكثر عنفاً في عمليات “داعش” وسط سوريا منذ أواخر عام 2017، حينما فقد السيطرة على مناطق استولى عليها، وأحصت البيانات 27 هجوماً في آذار وقبلها 26 في شباط و16 هجوماً في كانون الثاني الماضي.
وأكّدت السفيرة الأمريكيّة لدى بغداد، ألينا رومانوفسكي، أنّ “داعش” لا يزال يُشكّل تهديداً في العراق. وقالت في تصريحات نقلتها رويترز الشهر الماضي، إنَّ “الهجوم الذي نفذه داعش في روسيا يُذكرنا بضرورة هزيمته في كل مكان”.
في 21/3/2023، أطلق معهد واشنطن خريطة مختارة للأنشطة العالميّة لـ “داعش”، كوسيلة لتتبع وضعه وفهمه بشكلٍ أفضل. وتضمّن المشروع بيانات عن نشاطه الدعائي، وتبني مسؤولية الهجمات، والعقوبات المالية، والاعتقالات، وعوامل أخرى، ما يقدم لمحة أكثر شموليّة عنه من البيانات المتعلقة بالهجمات وحدها. وبعد مرور عام، ترسم البيانات مجتمعةً صورة تحذيريّة.
أدّى ضعف “داعش” في العراق وسوريا لتغيير استراتيجياته والتحول للتنويع والتوزع، والاعتماد على ما تسمى “ولاية خراسان” في أفغانستان الذي تُقدّر قوته بنحو 4ــ6 آلاف مرتزق يقودهم المدعو “صنع الله غفاريّ”، لتنفيذ العمليات الخارجيّة، بالتوازي مع بسط السيطرة على ولايات أخرى في أفريقيا، ويواصل التخطيط لهجمات إرهابيّة كبرى أيضاً، ليبعث برسائل متعددة تؤكد وجوده.
منذ آذار 2023، أعلن إعلام “داعش” المركزيّ مسؤوليته عن 1121 هجوماً، ووفقاً لبياناته، أدّت هذه الهجمات لمقتل وإصابة 4770 شخصاً. وصدرت معظم هذه الإعلانات عن “داعش” ــ ولاية غرب أفريقيا (بخاصةٍ نيجيريا وجنوب شرقي النيجر) وتليه سوريا والعراق، وإفريقيا الوسطى (الكونغو الديمقراطية وموزمبيق).
عرقلة جهود مكافحة الإرهاب
انتهى “داعش” جغرافيّاً، ولم تعد رايته السوداء تُرفع علناً، ولكن أفكاره السوداء بقيت معشعشة في أذهانِ البعض، وبذلك لم ينتهِ على المستوى الفكريّ التكفيريّ والإيديولوجيّ، وتحولت فلوله لخلايا تنشط وفق معطياتِ الزمانِ والمكانِ، وإذا كانت قوات سوريا الديمقراطيّة قد أدت واجبها في دحر المرتزقة حتى مشهد الباغوز في 23/3/2019، وبفقدان “داعش” السيطرة على الأرض تُنقل مرتزقته إلى حواضن جديدة، وقد يحدث أنّ ينفذ مرتزقة عملية إرهابيّة ضد موقع أو حاجز لقسد، ويتم تداول ذلك على أنّه “مقاومة” للوجود الأمريكيّ.
 ووفقاً لما أفادته الأمم المتحدة، انخفض عدد مرتزقة “داعش” التي تقاتل فعلياً أو تدعمه في العراق وسوريا – من 14 ــ 18 ألف في شباط 2019 إلى 3 ــ 5 آلاف في كانون الثاني 2024.
كان المطلوبُ إزاء الخطر الداهم جهداً دوليّاً لاحتواءِ نتائجِ المعارك ضد الإرهابِ عبر إجراءات متوازية لا تقبل التأجيل، ومنها التعاونُ الأمنيّ والعسكريّ في ملاحقة بقايا الإرهاب وخلاياه، والحيلولة دون انتقاله عبر المناطق الحدود، وإجراء محاكمات عادلة للمعتقلين وإعادة الأطفال والنساء من جنسيات أجنبيّة إلى بلدانهم وإنهاء مسألة المخيمات، وهذه الإجراءات يجب أن يوازيها انطلاق حوارٍ وطنيّ على أرضية أنّ معارك دحر الإرهاب كانت معركة وطنيّة وتوصيف الشهداء الذين قضوا في تلك المعارك ضمن الاعتبار الوطنيّ، بمعنى توظيف الانتصار وطنيّاً.
يزيدُ تعددُ الأطراف الموجودة على الأرض شمالي وشرقي سوريا تعقيدَ الوضعِ ويعرقل جهود مكافحة “الإرهاب”، فهناك “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” وتضم التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية”، وهما أهم قوتين في مواجهة “داعش”، وهناك تركيا التي انخرطت في الأزمة السوريّة واحتلت مناطق تحولت إلى ملاذاتٍ آمنة لمرتزقة “داعش”، ولم تتوقف عن استهداف المناطق والمنشآت الحيويّة والمرافق العامة والخدميّة، وهناك الوجود العسكريّ لقوات حكومة دمشق والميليشيات الإيرانيّة والقوات الروسيّة، وهذه الأطراف لم تفتح معارك أو تبدأ عملية عسكريّة فعليّة ضد “داعش” ولم تتجاوز مستوى الاشتباكات الطارئة.
التناقض بين الأطراف وديناميات تعدد الوجود العسكريّ كان لها تأثيرٌ على البيئة الأمنيّة والسياسيّة في شمالي وشرقي سوريا، أدّت إلى مشاغلة قوات سوريا الديمقراطيّة عن المهمةِ التي تقومُ بها في مكافحةِ “داعش” وتعدد مصادر التهديد الأمنيّ.
تقاطعات حادثي موسكو وكرمان
ثمة مشتركات بين أطراف ترويكا أستانه (روسيا وإيران وتركيا)، بانخراطهم في مسار الأزمة السوريّة، والوجود العسكريّ المباشر على الأرض، ولم تبذل هذه الأطراف جهداً مشتركاً في محاربة الإرهاب في سوريا، بل تركّز البيانات الختاميّة لاجتماعات أستانه بقوة على استهداف قوات سوريا الديمقراطيّة، وتشير إلى الإرهاب تلميحاً وكأنّه مسألة ثانوية، وتصف محاربة الإرهاب بأنّه مجرد ذريعة لفرض واقع على الأرض.
تعرضت روسيا وإيران لحادثين دمويين إرهابيين تجاوزت حصيلة كلٍّ منهما 100 قتيل، واتهمتِ الدولتان واشنطن بالوقوف وراءهما، وتجاهلتا تحذيرات أمريكيّة باحتمال وقوع حوادث إرهابيّة، وفي الحادثين كان المنفذ “داعش ــ خراسان” ومن العائدية الطاجيكيّة، ومرّ بعض المنفذين عبر الأراضي التركيّة.
ـ تفجير كرمان:
في 3/1/2024 وقع تفجيران متتاليان، قرب مقبرة مدينة كرمان جنوبي إيران، خلال إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال قاسم سليمان قائد “فيلق القدس” عام 2020 بهجوم بطائرة مسيّرة أمريكيّة. وأفاد التلفزيون الرسميّ الإيرانيّ بوقوع الانفجارين بفاصل زمنيّ مقداره 10 عشر دقائق، وقال إنّ حصيلة التفجيرين بلغت 103 قتلى وإصابة 171 آخرين.
ورغم تعدد الروايات الإيرانيّة بتوصيف الحادث ما بين تفجير انتحاريّ أو تفجير أسطوانات غاز وتفجير بواسطة قنابل، إلا أنّ قناة “فيلق القدس” كتبت على “تلغرام”: «ما بدأ باغتيال رضى موسوي على يد إسرائيل في دمشق، واغتيال صالح العاروري في بيروت، ووصل إلى عمل إرهابيّ في مقبرة كرمان، يشير إلى تغيير ميدان تحرك إسرائيل من غزة إلى المنطقة”. وقال نائب رئيس البرلمان، النائب مجتبى ذو النوري: “نظراً إلى نوعيّة العمل الذي لم يكن انتحاريّاً؛ فعلى ما يبدو: إنّه من أعمال إسرائيل”. وقال: “سنعاقب إسرائيل بانتقام ستكون له قيمة عملياتيّة عالميّة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكيّة، ماثيو ميلر، للصحافيين إنّ “الولايات المتحدة ليست ضالعة في أيّ حال من الأحوال (في التفجيرين)، وأي قول يعاكس ذلك هو أمر سخيف”، مضيفاً “لا سبب لدينا للاعتقاد أنّ إسرائيل ضالعة في هذا الانفجار”. وأعرب ميلر عن التعاطف مع الضحايا وأحبائهم الذي قضوا في الانفجار المرعب”.
قالت وزارة الاستخبارات الإيرانيّة في بيان لها، الخميس 11/1/2024، إنّ “المخطط الرئيسي” لانفجارات كرمان التي وقعت خلال مراسم الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني، هو شخص طاجيكي يُلقب بـ”عبد الله طاجيكي”. وبحسب وزارة الاستخبارات الإيرانيّة، فإنّ هذا الشخص دخل البلاد من الحدود الجنوبية الشرقية “بشكل غير قانوني” في 19/12/2023، واستقر في منزل مستأجر في ضواحي كرمان. وكشفت وزارة الاستخبارات عن هوية أحد الانتحاريين في تفجيرات كرمان، وهو بوزروف أمان الله (24 سنة). فيما تبنّى “داعش” في بيان المسؤولية عن التفجيرات، وأعلن أن اثنين من “عناصره” نفذا عمليتين انتحاريتين.
25/1/2024 قالت صحيفة وول ستريت جورنال إنّ الولايات المتحدة حذّرت إيران سراً من أنّ “داعش” يستعدّ لتنفيذ الهجوم الإرهابيّ. وقالوا إنّ التنبيه السريّ جاء بعدما حصلتِ الولايات المتحدة على معلومات استخباريّة تفيدُ بأنَّ فرع “داعش” في أفغانستان، (داعش – خراسان)، المعروف باسم “داعش – كيه”، كان يخطط لمهاجمة إيران. وقال المسؤولون الأمريكيون إنّ المعلومات التي تمّ نقلها إلى إيران كانت محددة بما يكفي حول الموقع وفي الوقتِ المناسبِ بما يكفي لإثباتِ فائدتها لطهران في إحباط الهجوم الذي وقع في 3/1/2024، أو على الأقل التخفيف من عدد الضحايا.
وقد نفت وكالة “إيرنا” الإيرانيّة للأنباء الجمعة 26/1/2024، نقلا عن مسؤول دبلوماسي، إرسال رسالة من الولايات المتحدة حول عمليات “داعش ــ خراسان” في كرمان، لكنها كتبت بعد مقابلة مع مسؤول أمني أنه من المحتمل أن يكون قد تم إرسال رسالة من الولايات المتحدة. وقال هذا المسؤول الأمني لوكالة أنباء إيرنا: “إذا كانت هناك رسالة أمنيّة مرسلة من قبل أمريكا، فإنّ ذلك كان بهدف حماية واشنطن من قبضة إيران، خاصةً بعد الحرب الإسرائيليّة في غزة”.
ــ هجوم موسكو:
وفي 22/3/2024، هاجم أربعة مسلحين قاعة “كروكوس” للحفلات الموسيقيّة قرب موسكو، وفتحوا النار على الجمهور وقتلوا 144 منهم على الأقل. وأعلن “داعش” مسؤوليته عن الهجومِ ونقلت رويترز عن مصدر مطلع: “قبل أيام قليلة من الهجوم على روسيا، شاركت طهران معلومات مع موسكو بشأن هجوم إرهابيّ كبير داخل روسيا”. وأضاف أنّ طهران حصلت على هذه المعلومات أثناء استجواب المشتبه بهم في تفجيرات كرمان.
وكانت تقارير قد أفادت بأنّ الولايات المتحدة حصلت على معلومات حول تزايد الأنشطة التهديديّة لهذه المجموعة في روسيا قبل أسابيع من الهجوم المميت الذي شنه “داعش ــ خراسان” على موسكو.
وفي 7/3/2024، أصدرت السفارة الأمريكيّة في موسكو تحذيرًا أمنيًا لمواطنيها الموجودين في روسيا لتجنب حضور الأماكن المزدحمة مثل الحفلات الموسيقيّة. ووصف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، حينها التحذيرات بـ”الاستفزازية”، وأنّها تهدف إلى زعزعة استقرار روسيا.
نقلت وكالة “رويترز” الاثنين 1/4/2024، عن ثلاثة مصادر مطلعة أنّه قبل الهجوم المميت الأخير على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، حذّرت إيران روسيا من احتمال وقوع “عمليات إرهابيّة” واسعة النطاق على أراضيها.
هجمات كرمان وموسكو نفذها طاجيكيون متطرفون. واعتقلت طاجيكستان 9 أشخاص في 30/3/2024، للاشتباه في صلتهم بالهجوم المميت الأخير على قاعة حفلات “كروكوس”.
وفيما يتم التركيز العالميّ على الفرع الأفغاني لـ”داعش”، المتهم بتنفيذ الهجوم الدمويّ قرب موسكو، فإنّ القضيةَ تتجاوز التحذير بالنظر إلى واقعِ الأحداث والتقاعس الدوليّ في هذا السياق، وعرقلة حلّ الأزمة السوريّة وربطها بمطالب أنقرة وحرب أوكرانيا وغزة والتناقض الأمريكيّ ــ الإيرانيّ.
المطلوبُ جهدٌ وتعاونٌ دوليين يتم فيه تحييد التناقضات وبما يمكّن من احتواء خطر تهديد الأمن والسلم الدوليين. وطرح السؤال جدياً ما سر نشاط “داعش” في جغرافيا المصالح التركيّة فقد شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً تركيّاً غير مسبوق بدول إفريقيا، وتجاوز حجم المشاريع الاقتصاديّة التركيّة في القارة 82 مليار دولار، فيما زاد حجم التجارة بين تركيا وأفريقيا من 4.3 مليارات دولار أوائل العقد الأول من القرن الحالي إلى أكثر من 35 مليار دولار في 5/1/2024.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle