معمار أصيل يؤكد هوية طشقند

علاء الدين محمود_

يعود اسم مدينة طشقند، إلى العصر الذهبي في التاريخ الإسلامي، عندما امتدت ديار الإسلام وتوسعت لتشمل العديد من أراضي قارة آسيا، إضافة إلى القارات الأخرى حول العالم، فكانت المدينة هي إحدى تلك الجواهر زينت جيد الدولة الإسلامية في عهود مجيدة، وهي اليوم عاصمة دولة أوزبكستان، وتجمع بين جمال الماضي، وروعة الحاضر في العصر الحديث، حيث اشتهرت بكونها المدينة التي لا تزال تحافظ على جماليات الفن المعماري القديم المأخوذ عن حضارات عدة، منها الإسلام بصورة أساسية، وعرفت طشقند اليوم بتنوع معالمها وغنى إرثها الثقافي والتاريخي، وعلى الرغم من تقلبات العصور والنظم السياسية إلا أنها حافظت على خصوصيتها الإسلامية.

ويعني اسم طشقند: الحجر، أو المدينة الصخرية، وكانت من المدن ذات الأهمية الكبرى في التاريخ القديم، لأنها كانت تقع على طريق الحرير، وهي من أبرز المحطات في ذلك الطريق الذي يربط بين الصين بوسط آسيا، وغربها، وأوروبا، وكان له تأثير كبير في ازدهار كثير من الحضارات القديمة وتفاعلها، وقد فتح القائد قتيبة بن مسلم الباهلي تلك المدينة في القرن الثامن الميلادي، بعدما فتح بخارى وسمرقند، وعاشت فترات زاهية، وكان لتلك المدن دور كبير في نشر الثقافة، وتبادل الفكر مع ما جاورها من بلدان وممالك، فكان أن أولى المسلمون تلك المدن اهتماماً كبيراً، حيث أسهمت في نشر الثقافة الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى.

سفيرة السلام

منذ القدم كانت طشقند ترمز إلى السلام والتسامح، وروح الصداقة بين الشعوب، ولُقبت ب«سفيرة السلام»، منذ وقت باكر، وتتوافق هذه التسمية مع روح المدينة، وطباع أهلها المسالمين والمنفتحين على غيرهم من الشعوب، وقد مرت طشقند بالعديد من التقلبات، ففي القرن العاشر الميلادي، حكمها القرخانيون، وسمّوها باسمها «تاشكاند»، وتم بناء العديد من المساجد فيها، وازدهرت التجارة في هذه المنطقة، وفي القرن الثالث عشر الميلادي، غضب سلطان الدولة الخوارزمية محمد خوارزم شاه، على أهل المدينة. واستولى عليها جنكيز خان عام 1219م، وأعاد بناءها من أجل الاستفادة من تجارة الحرير، وفي عام 1865م، استولى عليها الروس الإمبراطوريون، أما في العهد السوفييتي فقد تم تغيير بنيتها السكانية عبر استقدام سكان من المناطق السوفييتية، وبعد استقلالها عن السوفييت عام 1991م أصبحت عاصمة أوزبكستان المستقلة، وتطورت بشكل كبير، وبقيت المدينة تحوي أعراقاً مختلفة، مختلطة بأكثرية أوزبكية.

المعمار في طشقند

اشتهرت طشقند بالعمارة والأبنية الجميلة، ومن المباني التاريخية الشهيرة ذلك الضريح المعروف باسم ضريح «زين الدين بابا»، والعديد من المساجد والمباني المشيدة على الطراز الإسلامي، ولعل من أبرز معالم المدينة اليوم، هو المعهد الإسلامي الذي يحمل اسم الإمام البخاري، وهو مؤسسة تعليمية وتربوية ودينية، أسس في عام 1969، بإشراف مسلمي أوزبكستان، ويعد المؤسسة التعليمية الإسلامية العليا الوحيدة في الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، واهتم بتدريب الشخصيات الدينية في القوقاز والجزء الأوروبي من الاتحاد السوفيتي، وكذلك تأهيل المتخصصين في الدين لخدمة المسلمين في سيبيريا وآسيا الوسطى وكازاخستان.

العاصمة الثقافية

وفي عام 2007، حملت طشقند لقب «العاصمة الثقافية للعالم الإسلامي»، لوجود عدد كبير من المساجد ومواقع إسلامية مهمة، إضافة إلى الكثير من المخطوطات النادرة على رأسها مصحف الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وقد قامت الحكومة الأوزبكية بعد الاستقلال بأعمال ترميم لكثير من المعالم التاريخية، مثل قبر الإمام البخاري، والإمام الترمذي، وترميم العديد من المساجد، وكان على رأسها مسجد «كلان»، وكذلك مسجد «شاخي زيندا»، ومسجد «كوك جومباز».

هوية طشقند

ظلت طشقند شديدة الاعتزاز بهويتها الدينية الإسلامية، وعملت على الحفاظ على ذلك الأمر تجاه أعتى الأنظمة السياسية، ففي عام 1917م، وبعد نجاح الثورة البلشفية عقد أول مؤتمر إسلامي كبير للتركستان في طشقند، ليطالب بالاستقلال الذاتي وإطلاق حرياتهم الدينية، وحق الأهالي في سنّ قوانينهم الخاصة بهم بوصفهم مسلمين وفقاً لتعاليم الدين الحنيف، إلا أن ذلك الأمر اصطدم بإرادة البلاشفة في فرض واقع جديد، غير أن ذلك لم يمنع استمرار طشقند ودورها كمركز إسلامي مهم، ويكفي أنها واصلت جهود المسلمين لاستعادة المصحف المنسوب إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان، والذي اشتراه أحد جنرالات الجيش الروسي من سمرقند، وأودعه في المكتبة العامة في بطرسبورغ، إلا أن الجهود المبذولة قادت إلى استجابة السوفييت لطلب طشقند بنقل المصحف إليها ليعود في قطار خاص عام 1923 تحت حراسة حرس الشرف، ووسط استقبال كبير، ليودع في متحف تاريخ شعوب أوزبكستان في طشقند.