سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ما بعد الأزمة السياسيّة… نذرُ جوعٍ وفاقة

رامان آزاد_

لم يخطر في بال السوريين أواسط آذار2011 أنّ خروجهم إلى الشوارع سيكون بداية مأساة متعددة المستويات، من الصراع المسلح والتشرد والموت بالرصاص والتفجيرات وعلى الطرقات وتحت الأنقاض وفي البحر، وبعد أكثر من عقدٍ من الزمن يبدو أنّ أفق النهاية بعيداً، واليوم يعاين السوريون شكلاً أكثر قسوةً من الأزمةِ يتمثل بالجوع والفاقة، والعجز عن تأمين أدنى متطلبات الحياةِ، فيما تنذر الوقائع اليومية بمزيدٍ من الانهيار الاقتصاديّ.
أنطقهم الجوع
لعله صحيحٌ ما يتم تداوله أنّ السوريّ الجيدَ هو “السوريّ الصامت”، الذي لا ينتقدُ أداءَ الحكومة ولا يطالبها بشيءٍ، والحالةُ التي يُسمحُ له فيها بالكلامِ أن يعبّرَ عن الشكرِ والعرفان للحكومةِ وسياستها الرشيدة، وأيّ حديثٍ آخر يعدُّ مشبوهاً يُقصد به توهين عزيمةِ الأمةِ والنيل من هيبة الدولة، وقد صدرت قرارات في هذا الصددِ لتحصين الحكومة من الانتقاد، منها المرسوم رقم 17 لعام 2012، والمرسوم رقم 20 لعام 2022، ولعلّ المواطن يتوافق مع العنوانِ العريضِ لمضمون تلك القرارات وأمثالها، فيما لو خرجت تلك الأحاديثُ الانتقاديّةُ من قُبيل الترف والإساءة المتعمدة، ولكن ليس عندما يكون الكلام تحت وطأةِ الألمِ والجوعِ والقهرِ.
كانت صرخاتُ السوريين بعد آذار 2011 في الساحاتِ ظاهرةً غير مسبوقةٍ على مدى عقودٍ من توصيفِ الواقعِ السوريّ بالمستقرِ، ولكن سرعان ما بدا واضحاً أنّ السوريين انقسموا بين صرخاتٍ مسروقة وحناجرَ مغتصبة، وأنّ الربيعَ استحال إلى قحطٍ ويباسٍ، وتكالبت أطرافٌ عديدة على سوريا على حسابِ أهلها ودمائهم للتقاسم والمحاصصة وفقاً لمصالحها.
خلال سنواتِ الأزمة طرأت متغيراتٌ كثيرةٌ على واقع السوريين المعيشيّ، وأضحت لقمةُ العيشِ ميدانَ معركة أخرى أكثر إيلاماً لمن نجا من الحربِ، واختلفت أولوياتُ الأهالي، ولم تعد أمنياتهم تتجاوز رغيفَ الخبز وبضع ساعاتٍ من الكهرباءِ وتأمين مياه الشرب، فيما كثير من القضايا الحياتيّة أضحت ضرباً من الأحلام منها الطبابةُ والعلاجُ وتأمينُ السكنِ.
ومع زيادةِ الضائقة الماليّة وموجة الغلاء ارتفعت أصوات في مناطق معروفة بولائها للحكومة السورية طيلة الأزمة وانتقدتها بحدةٍ، فقد أنطقهم الجوعُ وطالبوها بتحمّلِ مسؤولياتهم وإيجاد حلولاً فوريّة للقضايا الحيويّة والخدمات. كما تحدثوا عن عقودِ استثمار مجحفة لمرافق عامة منها مطار دمشق الدوليّ، وعقود استثمار الثروات الطبيعيّة لشركاتٍ غير معروفة.
90% من السوريين تحت خط الفقر
ذكرت اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، الأربعاء 14/6/20223، أنّ نحو 90% من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانيّة.
وأوضح المدير الإقليميّ لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة فابريزيو كاربوني أنَّ “على المجتمع الدوليّ أن يواجهَ الحقيقة الصعبة التي تؤكد أنَّ الوضع في سوريا لا يُحتمل، وأنَّ عدمَ التحرك سيترك تداعياتٍ خطيرةً على جميع المعنيين، وسيعيقُ أيَّ احتمالاتٍ للتوصل إلى تعافٍ مستدام”.
وتابع كاربوني قائلاً “لا يمكننا أن نغضَّ الطرفَ عن معاناة الناس في سوريا. وعلينا أن نمنحَ الأولوية للحفاظ على البنى التحتيّة الحيويّة وتقديم استجابات إنسانيّة شاملة”، بحسب بيان نشرته اللجنة في موقعها الرسميّ. ودعت اللجنة في بيانها الدول المانحة إلى تقديم التزام دوليّ فوريّ بالحفاظ على البنى التحتية الحيويةّ والخدمات الأساسيّة في سوريا. وحذّرت من أنَّ انهيار الخدمات الأساسيّة في سوريا ليس “تهديداً بعيداً” وستكون له تداعيات مدمرة على الشعب السوريّ. وأضاف كاربوني “ليس انهيار هذه الخدمات الأساسيّة تهديداً بعيداً، بل إنَّ احتمال حدوثه مرتفع جداً، وستكون له تداعيات مدمّرة على الشعب السوريّ، إذا لم تُتخذ التدابير اللازمة لمنع حدوثه”.
في 14/3/2023 قال برنامج الأغذية العالميّ إنَّ حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمنِ الغذائيّ، ما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائيّ بالعالم.
وتساءل كين كروسلي، المدير القطريّ للبرنامج في سوريا، عن الوضع الذي يجب أن يصل إليه الشعب السوريّ ليقول العالم “كفى”، وأضاف: “قصف وتهجير وعزلة وجفاف وانهيار اقتصاديّ والآن زلازل ذات أبعاد مُذهلة. إنّ السوريين يتمتعون بمرونةٍ كبيرة، ولكن هناك حدود لما يمكن أن يتحمّله الأشخاص”.
الدخل لا يتجاوز 2.3% من الحاجة
الليرة السوريّة مستمرة بالانهيار بشكلٍ غير مسبوقٍ، مقابل العملات الأجنبيّة، وتجاوز سعر صرف الدولار مقابل الليرة السوريّة 12 ألف ليرة سوريّة، ويبدو جليّاً أنّه لا يمكنُ لحكومة دمشق حالياً أو في الأفق المنظور، السيطرة على سعر الصرف، كما فقد مصرف سوريا المركزيّ ومعه وزارة المالية أدوات التدخّل لوقف الانهيار وضبط الوضع النقديّ، ناهيك عن إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أشهر، ما يعني استمرار انهيار الليرة السوريّة، وارتفاع معدلات التضخم. كما أيّ زيادة محتملة للرواتب ستكون على حساب السوريين فمن جهة ستزيدُ معدل التضخم، علاوةً على عدم كفايتها على حلّ مشكلات المعيشة. وتغطية ارتفاع الأسعار. ولا يستبعد المحللون أن يتجاوز سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار عتبة الـ 15 ألف ليرة سوريّة لكل دولار خلال الشهرين القادمين.
ومع بداية شهر تموز الجاري، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في سوريا 6.5 ملايين ليرة سورية، بعدما كان في نهاية آذار الماضي نحو 5.6 ملايين ليرة، في وقت لم يتجاوز متوسط الرواتب الـ 150 ألف ليرة، بحسب دراسة نشرتها جريدة “قاسيون”، وبذلك لا يحقق متوسط الدخل أكثر من 2.3% من الحاجة، والواقع أنّ نحو نصف السوريين يحصلون على تحويلات خارجيّة، لتأمين الحد الأدنى من المعيشة.
تتعدد صور المعاناة اليوميّة وثمة عاملون في مؤسسات القطاع العام، ينفقون جزءاً كبيراً من دخلهم لمجرد الوصول إلى أماكن العمل بسبب أزمة المواصلات وغلائها، وبات مشهد تزاحم الأهالي على مواقف الباصات والنقل العام مألوفاً، كما هو على الأفران والمؤسسات. وإذا كان غلاء المعيشة أحد أهم روافع الفساد، فإنّه بالوقت نفسه سبب في تردّي المستوى التعليميّ أيضاً، وبات إنفاق الأسرة على أبنائها من طلبةِ الجامعةِ أقربَ للمعجزة.
زيادة حالات الانتحار
على صعيد متصل بالأزمة المعيشيّة، وثّق المرصد السوريّ لحقوق الإنسان، في 15/6/2023 خمس حالات انتحار في مناطق سيطرة الحكومة السوريّة خلال يومي 14ــ15 حزيران الماضي، في ظل تردي الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ إلى مستويات خطيرة، وآخر حالة وقعت في 21/7/2023، بإقدام امرأة نازحة من أهالي سنجار بريف إدلب، عمرها 52 عاماً، على الانتحار، عبر تناولِ السم، في مدينة حماة، ووصلت إلى مستشفى السلمية مفارقة الحياة، وذلك بسبب الفقر وتردي الواقع المعيشيّ، وعجزها عن تأمين أبسط مقومات الحياة لأسرتها.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد نشر في 16/7/2023 تقريراً حول ازدياد حالات الانتحار وأذية الذات في سوريا، نتيجة للظروف المعيشيّة والحالة النفسية وغياب الدعم النفسي الاجتماعي والحماية للمواطنين. ووثّق المرصد، 60 حالة انتحار في مختلف المناطق السورية، خلال النصف الأول من العام الجاري بينها 33 حالة في مناطق النظام.
إلغاء الدعم مقابل زيادة الرواتب
قالت صحيفة الشرق الأوسط، في 19/6/2023 إنَّ حكومة دمشق تدرس عدة سيناريوهات، تتعلق بـالمواد المدعومة، من بينها إلغاء الدعم بشكل كامل عن كل الموادِ، مقابل زيادة الرواتب، رغم كارثيّة الوضع المعيشيّ الذي يعانيه غالبية المواطنين.
مؤكدةً نقلاً عن مصادر مُطلعة، بأنّ دمشق تناقش دراسة عدة سيناريوهات، أحدها رفع الدعم جزئيّاً عن المواد الغذائيّة الأساسية التي يتم تسليمها للأسر عبر البطاقة الإلكترونيّة (الخبز، والسكر، والرز، والزيت النباتيّ)، وبشكلٍ كامل عن المحروقات (البنزين والمازوت والغاز) والكهرباء.
ونوهت إلى أنّ من بين تلك السيناريوهات أيضاً، رفع الدعم بشكل كامل عن كل المواد، مبينةً أن ذلك يعني أن تباع ربطة الخبز (7 أرغفة)، بالسعر الحر البالغ 1200 ل.س، في حين تباع حالياً بالسعر المدعوم بالبطاقة الإلكترونيّة بـ200 ليرة، وليتر البنزين سيُباع بسعر 7600 ليرة، علماً بأن سعر المدعوم منه عبر البطاقة الذكية ثلاثة آلاف ليرة، وسينطبق هذا على كافة المواد المدعومة.
ولفتت إلى أنّه عند الانتهاء من مناقشة الدراسة، ستتبنى الحكومة أحد السيناريوهات وتُصدر قراراً بذلك، يترافق مع قرار آخر بزيادة الرواتب الشهريّة للعاملين. واستناداً إلى تصريحات سابقة لرئيس الحكومة “حسين عرنوس“، كان يبدو أنّ هناك زيادة رواتب قادمة. ووفق تصريحات أخرى لأعضاء في مجلس الشعب، توقعوا أن تكون بنسبة 100% وأن تصدر قبل العيد المنصرم.
ومع إحجام المسؤولين الحكوميين عن الإدلاء بأيّ تصريح حول الزيادة المرتقبة. بدأ الحديث عن سيناريوهات محتملة لتأمين تمويل الزيادة، مثل رفع سعر رغيف الخبز أو إلغاء الدعم الكامل عن كلِّ الموادِ.
تتزامن تلك الإجراءات التي تنوي حكومة دمشق اتخاذها، مع إعلان برنامج الأغذية العالميّ، إيقافَ مساعداته الغذائيّة لنحو 45% من السوريين المحتاجين، بسببِ نقص التمويل، وبالتالي ستنقص المساعدات الغذائيّة لنحو 2.5 مليون سوريّ، ما سيؤثر مباشرةً على الحياةِ الاقتصاديّة والمعيشيّة للسكان في البلاد، وزيادة الفقر في البلاد إلى مستويات قياسيّة”.
أزمة الكهرباء
وتشهد مختلف مناطق سيطرة حكومة دمشق تراجعاً كبيراً في التغذية الكهربائيّة، في ظل غياب برنامج تقنين منظم حقيقيّ، وتجاوزت ساعات القطع في بعض المحافظات 20 ساعة متواصلة، فيما يؤكّد سكان بعض الأرياف البعيدة وأطراف المدن أن الكهرباء لا تصلهم بشكل متواصل أكثر من خمس دقائق محدودة.
وتعدّ أزمة الكهرباء من أكثر المتاعب التي يعاني منها السوريون، فيما البديل هو استجرار التيار من مولدة الأمبير، ويتجاوز متوسط سعر الأمبير الواحد أسبوعيّاً للوردية المسائيّة 30 ألف ليرة، ما يعني نحو 130 ألف ليرة، فيما سعر الأمبير بتغذية نهاريّة ومسائيّة تتجاوز 45 ألف أي نحو 200 ألف شهريّاً.
وتتجاوز انعكاسات واقع أزمة الكهرباء المباشرة على حياة الأسرة ودراسة الطلاب، إلى التأثير في العديد من المهن والورش وكذلك رفع أسعار المواد الاستهلاكية التي تحتاج إلى تبريد.
وبسبب الانقطاعات الطويلة؛ فإنّ الحمولات على الشبكة تكون مرتفعة جداً، لأنّ الأهالي مضطرون لقضاء كلّ أعمالهم المؤجلة خلال انقطاع التيار، ما يتسبب بأعطال في الشبكة قد تستمر لأيام، والمفارقة أنّه إزاء هذا الواقع المزري تنصح وزارة الكهرباء المواطنين بتخفيفِ استخدام الأدوات المنزليّة.
تبدو الألواح الشمسيّة مصدراً بديلاً لتأمين الكهرباء إلا أنّها مكلفة جداً بالنسبة لدخل المواطنين، ويتم تداول أنّ الحكومة تدرس فرض رسوم ماليّة على مالكي ألواح الطاقة الشمسيّة. وأجرت اللجان التابعة لوزارة المالية والجمارك كشفاً عشوائيّاً طال العشرات من المباني السكنيّة التي يتجاوز عدد طوابقها الأربعة طوابق داخل مدينة دمشق. وهذا الكشف وفقاً سيكون خطوة أولى لإنجاز دراسة لقرار سيصدر قريباً ينص على وجوب التصريح عن الطاقة البديلة الموجودة على الأسطح المشتركة للأبنية السكنيّة، وإبلاغ البلديات بالمساحة المستهلكة لكل منزل أو محل تجاري، فضلاً عن وجوب التصريحِ عن نوع المنظومة والألواح المستخدمة.
من ملامح الأزمة
انعكست الأزمة الاقتصاديّة مباشرة على سلوك الأهالي ومعدل الإنفاقِ والاقتصاد في الموارد المحدودة، وكذلك في المناسبات، ففي محافظة طرطوس تم تسجيل حادثة فريدة من نوعها، لفتاةٍ طلبت من عريسها مجموعةَ طاقة شمسيّة كمقدّم غير مقبوض في عقد الزواج. وحددتِ العروس عدد الألواح الشمسيّة بثمانية ألواح، بالإضافة إلى نوعها، ونوع “الإنفيرتر” والبطارية الليثيوم. فضلاً عن تسجيل مؤخّر المهر بخمسة ملايين ليرة سوريّة، وفق ما نقل موقع “أثر برس” المقرّب من الحكومة الأحد 16/7/2023.
وفي المنحى ذاته ألقت الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة بظلالها على طقوس التهنئة بالتخرّج والنجاح الدراسي، فبعدما كانتِ الأسواقُ تنتعشُ في مثلِ هذه الأيام من السنة بشراء الهدايا الثمينة للطلاب الناجحين، واقتصر الأمر خلال السنوات القليلة الماضية على الهدايا الرمزيّة والسلع الاستهلاكيّة من علبة متة أو بسكويت أو محارم، ويبدو أن هذه العادة بطريقها للانقراض، فثمن علبة المحارم مع علبة المتة يتجاوز 25 ألف ليرة، ما يعادل ربع راتب عامل “موطف” حكوميّ، بحسب موقع سناك، ومنذ صدور نتائج امتحانات الثانوية العامة، يوم الأحد 16/7/2023، يواجه السوريون معضلة الهدايا، التي يعجز معظم الأهالي عن شرائها، لتهنئة الطلاب الناجحين.
لا يمكن حلّ أزمة المعيشة عبر إجراءات ترقيعيّة سرعان ما ترتد سلباً على حياة المواطنين، أو التعويل على مواقف السياسيّة فالانفتاح العربيّ عل دمشق واستعادة مقعد الجامعة العربيّة مشروط، وهو لا يتصل بأزمة المعيشة، بقدر ما هو موقف سياسيّ، تجاه النظام القائم، فيما المطلوبُ أن يأخذ السوريون ناصية القرار الوطنيّ بإجراءُ تغييرات جذريّة وشاملة في أساليبِ الإدارةِ وإيجادِ بيئة من الحرية والشراكة السياسيّة والانتقال إلى دولةِ المواطنة التي لا يحكمها إلا القانون، وهذا سبيلِ إنهاء الاحتلال والوجود الأجنبيّ على أراضي السوريين، والبداية من حوار وطنيّ غير شاملٍ على أساسِ مبادئ جوهريّة في مقدمتها وحدة سوريا والسوريين ما يُمهّد لمصالحةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ، وأيّ صيغة تنطوي على تغليب فريق على آخرين تنطوي على عمليات انتقاميّة لاحقة، وإلا فإنَّ كلّ المؤشرات الحالية تنذرُ بجوعٍ وفاقة وانفجارٍ مجتمعيّ.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle