قامشلو/ دعاء يوسف ـ خمس وأربعون لوحة حاكت من خلالها الفنانات رحلة نضال، ومقاومة المرأة، التي خطت ألوانها شهيدات الحرية، في ثورة التاسع عشر من تموز، وانتفاضة المرأة في روجهلات كردستان وإيران، ضمن معرض للرسم حمل شعار “ثورة المرأة تتزيّن بالفن”، على مستوى إقليم الجزيرة، وستزور اللوحات أربع مدن.
يعجز الكلام عن وصف معرض الفن التشكيلي، الذي أقامته حركة الهلال الذهبي “هلالا زيرين”، وعن اللمسات الجمالية، التي يلتمسها الزائر من خلال التنقل بين لوحاته الجميلة، التي أبدعتها أنامل الفنانات، فاصطفت اللوحات الجدارية جنباً إلى جنب على جدران المعرض؛ خالقةً مزيجاً متكامل الأوصاف من الإبداع، فمع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، نظمت سلسلة من الفعاليات لوقف العنف ضد المرأة، وكان معرض الفن التشكيلي في إقليم الجزيرة واحداً من هذه الفعاليات، والذي بدأ في الرابع عشر من تشرين الثاني الجاري للتعريف بمقاومة المرأة.
لوحات معرض إقليم الجزيرة
ثلاثون فنانة تشكيلية مشاركة تنقل عبر الألوان، وفرش الرسم واقع المرأة المميز، المملوء بالعواطف الجياشة من حب، ومقاومة، وشغف بالحياة إلى أعمال تتجسد في لوحات تنطق بالكثير، وتعبر بصدق عن المقاومة، والحب، والتشبث بالحياة بتفاصيلها، وتظهر العادات والتقاليد، والموروث الاجتماعي، والمثل العليا لشهيدات الحرية.
إطلالة أنثوية ساطعة على جدران معرض إقليم الجزيرة، يبدو فيها خيال المرأة بتلك اللوحات المعروضة مزيجاً ممتعا من الجمال والتعبير الفني، يتلمس الرائي فيها آلامها، وقوتها، فبصمة المرأة تتجلى بوضوح في اللوحات المعروضة، تلك اللمسة الأنثوية الطافحة بالجمال، وسحر الطبيعة.
فلوحة أظهرت الشجرة والمرأة كياناً واحداً حراً متشبثاً بالأرض، ولوحة أخرى رسمت فيها حمامات السلام معبرة برمز شهيدات الحرية وهن يمسكن شعلة ترمز إلى نور الحرية، كما عُرضت العديد من اللوحات، التي تظهر صورة المرأة المقاتلة بزيها العسكري، تقف شامخةً تحمل سلاحها بكل عز وقوة، معبرةً أن المرأة تخلق من جديد بقوة لا ترضخ للعنف، ومقاتلة تجلس على أحد الجبال بملامح حملت الحنان والنظرة الرقيقة، ولوحة لعجوز رفعت يديها تشكو جور وتهكم الاحتلال التركي.
ولم تغب المرأة الريفية ببساطتها عن ريشة المرأة، فأظهرتها الرسامات سنداً للرجل مع تقدمه بالعمر، ولوحات أخرى لنساء بالزي والجمال العربي، والكردي، والسرياني، وبزيها التراثي المميز كانت عنصرا للفن والجمال والتعبير المجسد في المعرض، ولوحات أخرى لامرأة مغمضة العينين تحمل ميزان العدل الذي يقره القانون في حماية وحرية النساء.
فمن التراث والقدم انتقلت لوحات المرأة إلى العاشقة للحرية، وللتراث والبيئة، التي جاءت منها، فاختلطت الألوان بريشة امرأة هادئة تارة وغاضبة تارة أخرى بين الحب والحزن والحرب والألم ثم عشق نور الحرية الذي ينبجس من الألم، والتعلق بالأرض.
ولم تغب المرأة الإعلامية عن ريشة الفنانات، فعبرت عن معاناة وعنفوان المرأة في الإعلام، وروحها القتالية وراء الحقيقة وكشف متاهات السياسة.
رحلة المعرض
ضمن سلسلة الفعاليات، التي أطلقتها منصة الفعاليات المشتركة للحركات، والتنظيمات النسائية في شمال وشرق سوريا مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، نظمت حركة الهلال الذهبي لثقافة المرأة في شمال وشرق سوريا ثلاثة معارض فنية في إقليم الجزيرة، وإقليم الفرات، وإقليم عفرين، بريشة المرأة، وتحت شعار “ثورة المرأة تزدهر بالفن”.
فبعد الانتهاء من المعرض المقام على مستوى إقليم الفرات، في الرابع من تشرين الثاني الجاري في مدينة كوباني، واستمر على مدار أربعة أيام، متنقلاً في مدن: الرقة، والطبقة، ومنبج، بلوحات رسمت معالم المقاومة للمرأة.
افتتح المعرض أبوابه في إقليم الجزيرة من ناحية ديرك في الرابع عشر من تشرين الثاني الجاري، وانتقل إلى مدينة قامشلو في السادس عشر من الشهر الجاري، ومن المقرر أن يزور عامودا السبت في الثامن عشر من الشهر ذاته، ويختتم المعرض فعالياته في مدينة الحسكة يوم الاثنين بتاريخ 20/11/2023.
فقام معرض مشابه له على مستوى إقليم عفرين في الشهر نفسه، وعلى هامش اليوم المخصص لمدينة قامشلو، التقت صحيفتنا “روناهي” إدارية حركة الهلال الذهبي في شمال وشرق سوريا “مزكين جولاق“، والتي حدثتنا عن فكرة المعرض، الذي من المقرر أن تجوب لوحاته مناطق شمال وشرق سوريا جميعاً، إلا أن ظروف الحرب التي تحيط بالمنطقة حالت دون ذلك، لذلك أقام كل إقليم معرضه الخاص به، يجوب الإقليم على مدار أربعة أيام بلوحات رسمتها فنانات المنطقة.
كما أشارت مزكين إلى أهمية هذا المعرض المتناوب في الأقاليم الثلاثة: “بريشة الفن في شمال وشرق سوريا، وبأنامل أنثوية تظهر الألم والمعاناة، التي تخوض بسببها المرأة مقاومتها، وتظهر القوة التي تحلت بها المرأة عبر لوحات كانت كسنفزيون ينقل حياة، ونضال شهيدات الحرية للعالم، وخاصةً مقاومة المرأة في ثورة روج أفا شعلة الثورات، وقد استمرت التحضيرات للمعرض على مدار ستة أشهر من أجل أن يقام على مستوى شمال وشرق سوريا، ولكن نقل اللوحات بين المناطق كان صعباً، لذلك عُرضت كل لوحة على مستوى إقليمها”.
أطلعتنا مزكين على افتتاح معرض آخر على مستوى شمال وشرق سوريا في ثلاثة مناطق: “قامشلو، الرقة، وفي الشهباء”، وذلك في ذكرى الشهيدة ساكينة جانسيز: “ستجوب اللوحات الأقاليم الثلاثة لتنقل نتاج، ومقاومة المرأة للعالم عبر الفن”.
اللوحات تبث روح الحماس
فكلما تنتقل بين لوحة، وأخرى ترى المقاومة جلية في معالمها، رحلة كفاح نساء ملئت وجوههن ألماً وقوة، خرجن من أجسادهن الممزقة؛ ليدافعٍن عن حرية غيرهن، ولم تغب ألوان الحياة عن المعرض بإشراقتها المتنوعة، فقد حدثتنا الفنانة التشكيلية “جاندا عبد القادر” عن اللوحات، التي شكلت في تواجدها في مكان واحد لوحة مقاومة وحياة للنساء: “أن العنف المطبق على المرأة استمر لسنوات، ولكنها اليوم تخلد بإطلالتها، شخصيات وعدت ووفت، وربما استشهدت شخصيات أخرى في سبيل إظهار الحقيقة، إلا أن القضية، مازالت عالقة في أذهان الكثيرات”.
هذا الانسجام الكبير بين اللوحات المعروضة من معاناة ظلم، وقهر، جعل الزوار وبالأخص النساء منهن يشعرن بروح الثورة وقوة المرأة، وقالت جاندا: ” نحلم بوطن حر تتخلص النساء فيه من ظلم السلطة، وها نحن الآن نسير على طريق الحرية، لم يكن مقاتلات بالزي العسكري فقط، بل فنانات حملن شعار الحرية والتاريخ، خلدت فيه المرأة”.
