شفيق ابراهيم: حقوقنا مشروعة في إطار وحدة الأراضي السوريّة

وفود المعارضة الداخليّة المقربة من الحكومة السوريّة التي زارت القامشلي وعامودا جاءت برضى الحكومة لتلتمس مدى جاهزية الكرد بشكلٍ عام والإدارة الذاتيّة بشكل خاص واستعدادهم للحوار والتفاوض على وضع المناطق التي تقوم على حمايتها “قسد” وتديرها الإدارة الذاتيّة. يجب قبل كلّ شيءٍ أن يتشكل وفد كرديّ جامع لكلِّ الأحزاب الكرديّة المؤمنة بضرورة التفاوض مع دمشق وحل القضية الكرديّة في سوريا، على أسسٍ ثابتة وواضحة بحيث يكون هناك اعتراف رسميّ دستوريّ بوجود الشعب الكرديّ في سوريا، وما يترتب على ذلك من حقوق مشروعة في إطار الحفاظ على وحدة الدولة السوريّة. وبالعودة إلى: لماذا ينشر النظام الدعايات حول التفاوض مع الإدارة الذاتيّة فهناك غرضان لادِّعاءات النظام وشائعاته بهذا الشأن، أما الأول فهو إحداث الأرضية وتهيئة الجو العام للبدء بالمفاوضات واللقاءات الفعليّة على الأرض في دمشق وقامشلو، والغرَض الثاني هو إرسال رسالة لقوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة بأنّه موجود، وأن لا حلَّ ممكن للأزمة ما لم يكن النظام الطرف الرئيس فيها.
ما حدث أوحى للكثيرين بأنّ اللقاءات والمفاوضات الرسميّة ستبدأ بين الكرد وإدارتهم الذاتيّة وبين ممثلي الدولة السوريّة في المستقبل القريب، وسيكون هناك اتفاق بينهم على نقاط للحلّ تعترف بموجبه الحكومة السوريّة ببعض الحقوق الثقافيّة والإداريّة للكرد كخطوة أوليّة يمكن البناء عليها مستقبلاً وتطويرها، ولكن ليس كما يطمح إليه الشعب الكرديّ في نضاله المستمر منذ عقود. ولكن الكرد اليوم يشكّلون قوة لا يستهان بها على الأرض ولا يمكن تمرير دستور يتنكَّر لوجودنا وحقوقنا القوميّة ولو بالحدود الدنيا من مطالبنا، ولا يمكن تطبيع الوضع في سوريا بدون إيجاد نوع من الحلّ للقضية الكرديّة يحفظ لنا كرامتنا القوميّة وحقوقنا الشرعيّة ووجودنا التاريخيّ على هذه الأرض.
جاءَ ذلك في حوارٍ أجراه «آدار برس» مع سكرتير الحزب الوطنيّ الكردستانيّ، الدكتور “شفيق ابراهيم” حول ما يروّجه النظام السوريّ عبر إعلامه من شائعاتٍ وادعاءاتٍ بشأن التفاوض مع الإدارة الذاتيّة في شمال سوريا، وأهداف النظام من نشر هذه الشائعات، وما إذا كان من الممكن أن يتم أي تفاوض بين الطرفين في المستقبل القريب، إضافةً إلى موضوع عفرين والانتهاكات التي يرتكبها الجيش التركي وتوابعه من الفصائل هناك، إلى جانب موضوع اللجنة الدستوريّة السوريّة التي يتم التحضير لها. وإليكم نص الحوار الذي كان على الشكل التالي:

-يُروِّج النظام السوريّ من خلال منابره الإعلامية أنَّ هناك لقاءات وتفاهمات بينه وبين الإدارة الذاتيّة، فيما تنفي الإدارة الذاتيّة ذلك بشكلٍ قطعي، مؤكدةً على ألا تفاوض بين الطرفين حتى الآن ما تعليقكم على ذلك؟
نعم الإعلام المقرّب من الدولة السوريّة يدّعي حدوث لقاءات مع ممثلي الإدارة الذاتيّة، لكنه لا يكشف صراحة محتوى هذه اللقاءات وعلى أيّ مستوى تمّت ولا أين جرت تلك اللقاءات، والإدارة

الذاتيّة من جانبها لا تؤكّد حصول هذه اللقاءات بل تنفي ذلك. لكننا في الآونة الأخيرة وجدنا توافد عدة وفود من العاصمة دمشق إلى القامشلي وعامودا ممثلة بالمعارضة المعتدلة من الداخل السوريّ والمقربة من الدولة السوريّة بكل تأكيد، حيث التقت بالعديد من القوى السياسية الكرديّة ومنها ممثلو الإدارة الذاتيّة، وجاءت اللقاءات بشكل خاص بعد تصريحات رأس النظام في سوريا بشار الأسد بخصوص إمكانية التفاوض مع الكرد ومع قوات سوريا الديمقراطيّة. وأعتقد أن هذه الوفود جاءت بموافقة الحكومة السوريّة لتلتمس مدى جاهزيّة الكرد بشكل عام والإدارة الذاتيّة بشكل خاص واستعدادهم للحوار والتفاوض مع الحكومة السوريّة، لإجراء حوار حول وضع المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطيّة والإدارة الذاتيّة وإمكانية حصول تفاهمات قد تفضي إلى حلٍّ سلميّ في تلك المناطق، ومن هنا جاءت ادعاءات الإعلام السوريّ بحصول لقاءات روّج لها الإعلام المقرّب من النظام السوريّ.
لكن وبكلّ تأكيد ليس هناك اتفاق على شيء محدد بعد هذا ما نلاحظه على الأرض وعندما لا تكون هناك لقاءات فكيف ستحصل الاتفاقات، وحصول الاتفاق برأينا يجب أن يتم بشكل رسميّ وعلنيّ على تصوّر الوضع النهائيّ للمناطق الكرديّة وشمال شرق سوريا بشكل عام والواقعة حالياً ضمن منطقة نفوذ الإدارة الذاتيّة. ويجب قبل كلّ شيء أن يتشكّل وفد كرديّ جامع لكل الأحزاب الكرديّة المؤمنة بضرورة التفاوض مع دمشق وحل القضية الكرديّة في سوريا على أسسٍ ثابتةٍ وواضحةٍ بحيث يكون هناك اعتراف رسميّ دستوريّ بوجود الشعب الكرديّ في سوريا وما يترتب على ذلك من حقوقٍ مشروعةٍ في إطار الحفاظ على وحدة الدولة السوريّة والنظام والذي يمكن من تكوين سوريا جديدة.

-برأيكم ما غرض النظام السوريّ من ادعاءاته ونشره شائعات بخصوص التفاوض المزعوم مع الإدارة الذاتيّة؟ وهل تتوقَّعون لقاءات بين الطرفين في المستقبل القريب؟
هناك غرضان من الادعاء بحصول مفاوضات من جانب النظام، فالغرض الأول هو إنشاء الأرضيّة وتهيئة الجو العام للبدء بالمفاوضات واللقاءات الفعليّة على الأرض في دمشق وقامشلو، والغرض الثاني هو إرسال رسالة لقوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة بأنّ الدولة السوريّة والكرد وممثلي الإدارة الذاتيّة المعلنة من قبلهم يمكنهم اللقاء والتفاوض، وأنّ الصراع بينهم يختلف عن الصراع بين الحكومة السوريّة والمعارضة السوريّة المتمثلة بالائتلاف والمجموعات المسلّحة التي تتبعها. حيث أنّ الكرد لهم مطالب محقّة كشعبٍ متواجدٍ على هذه الأرض يتمتع بثقافته ولغته الخاصة به، والشعب الكرديّ يحاول بشتى الوسائل الحصول على هذه الحقوق بالطرق السلميّة والحوار البناء الذي يهدف إلى الوصول إلى الحل الذي يُرضي الطرفين. ولا يهدفون إلى السلطة أو إسقاط النظام أو القتال مع الجيش السوريّ على عكس المعارضة السوريّة، التي عملت على كلّ ما من شأنه أن يساعد على إسقاط النظام وتنصيب نفسها حاكماً جديداً على الشعب السوريّ، وتآمرت مع الكثير من القوى الإقليميّة والعربيّة والدوليّة لتحقيق هذا الهدف.
باعتقادي اللقاءات والمفاوضات الرسميّة قد تبدأ بين الكرد وإدارتهم الذاتيّة وبين ممثلي الدولة السوريّة في المستقبل القريب، وسيكون هناك اتفاقٌ بينهم على نقاط للحل تعترف بموجبها الحكومة السوريّة ببعض الحقوق الثقافيّة والإداريّة للكرد كخطوة أوليّة يمكن البناء عليها مستقبلاً وتطويرها بعد ذلك.

ما الذي يقصد به النظام السوريّ بأنه سيمنح إدارة واسعة الصلاحيات لممثلي الإدارة الذاتيّة؟

طبعاً الدولة السوريّة وممثلوها منذ البداية يقترحون إعطاء الكرد نوعاً من الإدارة الذاتيّة في مناطقهم ويرفضون على الدوام الاعتراف بحكم ذاتيّ حقيقي أو بالفيدراليّة كما يطالب بها الكرد، ولكن بتصوري لا يمكن رسم شكل وحدود الحقوق الكرديّة قبل بدء المفاوضات. وكلّ شيءٍ يتوقفُ على موازين القوى على الأرض وتطوّرات الوضع في سوريا بشكل عام، بالإضافة إلى تأثير القوى الدوليّة الفاعلة في الأزمة السوريّة وإن عملت هذه الدول من أجل إيجاد الحلول، سيكون هناك اتفاق بين الطرفين. وموقف الكرد استند إلى قراءة شاملة متأنية للوضع السوريّ دون التسرع للاصطفاف إلى جانب أحد طرفي الصراع، أو المطالبة بالحكم الذاتيّ قبل عدة أعوام ولعل دمشق في مرحلة ما كانت ستقبل الحوار وفقاً للظروف التي مرّت على البلد، وربما اعترفت لهم باستحقاقاتٍ بدون شروط، ومن جانب آخر لا ينكر أنّ بعض الكرد أخطأ في حساباته السياسيّة وعوّل على انتصار المعارضة، حتى دخل في حسابات المعارضة الخاطئة.
وبالمجمل الظروف العامة فرضت أن يكون الموقف من دمشق حذِراً، ولعل البعض يعتبره من الأخطاء، ولكن المسألة تتصل بعدم وضوح الصورة، والآن وبعد انتهاء المعارضة المسلّحة ضدّ النظام والدولة السوريّة، وسيطرة الجيش السوريّ على معظم معاقلها، فإنّه من المتوقع ألا تكون مواقف دمشق كما في السابق، وسترفع سقف شروطها من موقع القوة العسكريّة استناداً لحلفائها، وبخاصة بعدما أخلت درعا والقنيطرة من المجموعات المسلحة الموالية للائتلاف، لذلك سيسعى النظام السوريّ لفرض رؤيته للحل في سوريا بما فيها المناطق الكرديّة وسيحاول المطالبة بأعلى سقف من المطالب، ومن هنا يأتي طرح مشروع الاعتراف بإدارة ذاتيّة موسّعة أو ما يسمّونه بالإدارة المحليّة الموسّعة وهذا هو موضوع الحوار الجوهريّ إن حدث.

-تركيا مستمرّة في انتهاكاتها وجرائمها بحقّ عفرين أرضاً وشعباً، ألا توجد جهة دوليّة معنية تحدُّ من هذه الأعمال الإجراميّة بحق أهالي عفرين؟

تركيا احتلت مدينة عفرين بقوة الحديد والنار بمساعدة الائتلاف السوريّ المعارض وما يُسمّى ببقايا الجيش الحر، والهدف الأول لتركيا من احتلالها كان إفشال المشروع الديمقراطيّ بريادة الكرد وقطع الطريق لربط المناطق الكرديّة الثلاث في سوريا ببعضها، وكلّ ذلك تمّ باتفاق ضمنيّ غير معلن بينها وبين روسيا وأمريكا وأوروبا لرسم مناطق النفوذ ولو مؤقتاً في سوريا إلى أن تضع الحرب الداخليّة السوريّة أوزارها. لذلك لم نجد أيّ ردّ فعل معارض من قبل القوى الدوليّة المختلفة لاحتلالها لعفرين، وبالطبع ما يحدث فيها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان هو جزءٌ من تلك التفاهمات، وسكوتُ هذه الدول ثمنه مقبوضٌ سلفاً كون الأراضي السوريّة مستباحة لكلّ من هبَّ ودب. وتحدث فيها انتهاكات فظيعة وجرائم يندى لها جبين الإنسانيّة وتنتهك فيها حقوق المدنيين والناس الآمنين الذين ليس لهم أيّة علاقة بالحرب ومن قبل مختلف الفرقاء، وترتكب هذه الانتهاكات أمام أنظار المجتمع الدوليّ ولكن بدون أيّ اهتمام يُذكر من قبل تلك الدول، التي تتفرج وبدون أيّ تدخّل وكذلك منظمات حقوق الإنسان التي أثبتت أنّها الوجه الآخر للقوى العسكريّة المسيطرة على العالم، وهي أدوات بيدها تستعملها لتحقيق مصالحها متى ما تطلب الأمر ذلك. ومن هنا نفهم سكوت العالم أجمع ومن ضمنهم حلفاء الكرد المفترضين على الإرهاب، عن الجرائم المروّعة والانتهاكات اليوميّة بحقّ شعبنا المسالم في عفرين، من قبل الجيش التركيّ المحتل وبإشرافه المباشر وعبر أدواته من الفصائل المرتزقة الإسلاميّة المختلفة والمحسوبة على ما تسمّى بالمعارضة السوريّة.

-يتم التحضير للجنة دستوريّة سوريّة، في الوقت الذي تمّ فيه استبعاد القوى الوطنيّة الكرديّة كمعارضة داخليّة في شمال سوريا ما تعليقكم على ذلك؟

نعم اللجنة الدستوريّة المقترحة هذه تشكّلت في مؤتمر سوتشي وما بعده، ونذكر بهذا الصدد أنّ أغلب الأحزاب والقوى الكرديّة قاطعت ذلك المؤتمر، وكان لكلّ منهم حجته، وأغلب المواقف تمحور حول الاحتجاجات على السياسة الروسيّة إزاء العدوان التركيّ على عفرين، ولعل الساسة الكرد بنوا موقف المقاطعة على أساس عاطفيّ وكردِّ فعلٍ على موقف معين، وأما موقفنا كحزب وقوة سياسيّة فكنا نرى أنّه كان يجب أن يكون مغايراً وبالتالي المشاركة في مؤتمر سوتشي رغم الموقف الروسيّ الداعم للعدوان على عفرين في حينها.
قضيتنا وحقوقنا تلزمنا بحضور أيّ مؤتمر وفي أيّ مكان يؤثّر على تلك الحقوق بعيداً عن ردِّ فعلٍ آنيّ، ونعتقد أنّنا لو كنا مشاركين في ذلك المؤتمر لكان لنا الآن ممثلون في اللجنة الدستوريّة تلك، ولكن في كلّ الأحوال الكرد اليوم يشكّلون قوةً لا يُستهان بها على الأرض ولا يمكن تمرير دستور يتنكر لوجودنا وحقوقنا القوميّة ولو بالحدود الدنيا من مطالبنا، ولا يمكن تطبيع الوضع في سوريا بدون إيجاد نوع من الحل للقضية الكرديّة يحفظ لنا كرامتنا القوميّة، ولا يمكن التصوّر أبداً بعد هذه التضحيات الهائلة من أرواح شبابنا وبناتنا الذين اُستشهدوا خلال دحر المنظمات الإرهابيّة والجماعات التكفيريّة عن أرض سوريا وضحّوا بدمائهم الزكية من أجل الكرامة الإنسانيّة جمعاء، ولذلك علينا أن نكون على قدر المسؤوليّة التاريخيّة الملقاة على عاتقنا كأحزاب وكقوى وطنيّة، والعمل من أجل الحصول على حقوقنا والحفاظ على المكتسبات التي تحقّقت بفضل التضحيات الكبيرة لأبنائنا وبناتنا، ولنمضي معاً ويداً بيد لدمقرطة سوريا وبناء دستورٍ جديد يحقّق للجميع الأمن والاستقرار والحقوق وبدون إقصاء لأيّ كان.