خطاب الكراهية في المجتمع السوري.. أسبابه وآثاره وحلوله

منذ بدء الأزمة السورية عام 2011، والتي تحولت إلى حرب أهلية مدمرة، شهد المجتمع السوري تفاقماً لظاهرة خطاب الكراهية، وهو الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو أفردًا بناءً على خصائص متأصلة كالعرق، أو الدين، أو الانتماء السياسي، أو النوع الاجتماعي.
حسام الدخيل

مثل هذه الظاهرة قد تهدد السلم والتعايش بين مكونات المجتمع، وقد انتشر خطاب الكراهية في وسائل الإعلام المختلفة، سواء التقليدية أو الإلكترونية، وأصبح أداة للتحريض على التمييز والعنف والانقسام.
في هذا المقال، سنحاول استعراض أسباب انتشار خطاب الكراهية في المجتمع السوري، وما آثاره على المدى القريب والبعيد، وما الحلول الممكنة لمواجهة هذه الظاهرة والحد من خطورتها؟

أسباب خطاب الكراهية

خطاب الكراهية ليس ظاهرة جديدة في المجتمع السوري، فقد كان موجودًا قبل عام 2011، لكن بشكل محدود وخفي، بسبب محدودية وسائل التواصل الافتراضي آنذاك، وقلة وسائل الإعلام ذات التوجهات المتعددة، وقد تفاقم خطاب الكراهية بعد وقوع الأزمة السورية، نتيجة عوامل عديدة، منها:

الصراع المسلح: أدى التصعيد العسكري والأمني من قبل حكومة دمشق ضد المحتجين المطالبين بالحرية والديمقراطية إلى تحول الثورة إلى حرب أهلية، شاركت فيها جهات دولية وإقليمية مختلفة، مثل إيران، وروسيا، وتركيا، والولايات المتحدة. وأصبحت سوريا ساحة لصراعات متعددة، بين الحكومة والمعارضة، بين طائفة وأخرى، بين قومية وأخرى. وزاد من حدة هذه الصراعات استخدام أساليب عنف مفرطة من قبل الأطراف كافة، مثل التفجيرات، والاغتيالات، والإعدامات، والتعذيب، والاغتصاب. كما تسببت هذه الحرب في تشريد ملايين السوريين داخليًا وخارجيًا؛ ما أثار مشاعر الخوف والغضب والانتقام.

وسائل الإعلام: لعبت وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تغذية خطاب الكراهية في المجتمع السوري، سواء كانت موالية للحكومة أو للمعارضة أو للقوى الإقليمية أو الدولية. فقد استخدمت هذه الوسائل لغة تمييزية تحريضية ضد الأطراف المناوئة، ونشرت معلومات مضللة ومغلوطة ومفبركة، وأهملت المعايير الصحفية والأخلاقية. وقد انعكس ذلك على آراء ومواقف الجمهور، الذي تأثر بالخطاب الإعلامي، وتبنى مواقف متشددة ومتطرفة.

الإنترنت ووسائل التواصل الافتراضي: مع تزايد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الافتراضي في سوريا، خصوصًا بعد عام 2011، أصبحت هذه المنصات مساحة للتعبير عن الآراء والانتقادات، لكن أيضاً للانحياز والتحامل. فقد استغل بعض الأفراد والجماعات هذه المنصات لبث خطاب الكراهية ضد المخالفين أو المنافسين، ولنشر الشائعات والأكاذيب والإساءات. كما سهلت هذه المنصات عملية الترويج والانتشار لخطاب الكراهية، بفضل سرعة التفاعل والمشاركة، وغياب الرقابة والمسؤولية.

آثار خطاب الكراهية

تترتب على انتشار خطاب الكراهية نتائج سلبية على المدى القريب والبعيد. فقد يؤدي إلى زيادة التوتر والعنف وتفاقم الانقسامات في المجتمع السوري. يمكن أن يتسبب في تصعيد الصراعات الداخلية والتوترات العنيفة بين الأفراد والمجموعات المختلفة؛ ما يعرض الحياة اليومية والاستقرار الاجتماعي للخطر، وأبرز ما ينتج عنه على المدى القريب والبعيد:
زيادة التفرقة والانقسام: وفي ذلك أدى خطاب الكراهية إلى تشظي المجتمع السوري إلى مجموعات متصارعة، تستند إلى هويات دينية أو عرقية أو قومية أو سياسية. وأثارت هذه التفرقة مشاعر من الكره والحقد والانتقام بين هذه المجموعات، وأضعفت روح التضامن والانتماء. كما أثرت هذا التفرقة على قدرة المجتمع على تحقيق التغيير الديمقراطي المطلوب، وعلى تشكيل رؤية مشتركة لمستقبل سوريا.
زيادة العنف والانتهاكات: كان خطاب الكراهية عاملاً محفزاً لارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، من الأطراف كافة. فقد استخدم خطاب الكراهية كأداة لتبرير العنف ضد المدنيين، ولإثارة المزيد من التصعيد. كما استخدم كأداة للتحريض على الانضمام إلى التنظيمات المسلحة والمتطرفة، التي تستغل المشاعر السلبية للشباب والنساء والأطفال. وقد أسفر هذا العنف عن مقتل وجرح واختطاف وتهجير مئات الآلاف من السوريين، وتدمير البنية التحتية والمؤسسات والمواقع التاريخية.

الصعوبات والتحديات: وقد أثر خطاب الكراهية على حياة السوريين بشكل مباشر وغير مباشر، فقد زاد صعوباتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فتسبب في تقليل فرص العمل والتعليم والصحة للسوريين، خصوصاً للشعوب غير العربية والنساء واللاجئين. كما تسبب في تضرر العلاقات الأسرية والمجتمعية بين السوريين، بسبب اختلاف المواقف أو التأثر بالشائعات. كما تسبب في زيادة حالات الإحباط والخوف والكآبة والانتحار بين السوريين، بسبب فقدان الأمل أو التعرض للإهانة أو التهديد.

سلبية الكراهية في إيجاد حلول سياسية

يؤدي خطاب الكراهية إلى تعميق الانقسامات القائمة في المجتمع السوري، وإشعال المشاعر العنصرية والطائفية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز التوترات والصدامات بين الأطراف المختلفة وتعطيل الجهود السياسية للتوصل إلى حل سلمي.
كما يؤثر على تفكيك التعاون والتفاهم بين الأطراف المتصارعة. عندما يكون هناك تفاهم ضعيف أو عدم احترام للأعراف والثقافات المختلفة، يصعب على الأطراف المتحاربة التوصل إلى اتفاقات سياسية مشتركة. كما أنه يمكن أن يعيق عملية التفاوض والحوار بين الأطراف المتحاربة.

حلول للحد من خطاب الكراهية

خطاب الكراهية هو ظاهرة خطيرة تستدعي التصدي لها بشكل فعال وشامل، من المؤسسات والفئات في المجتمع. ومن بين الحلول الممكنة لمواجهة خطاب الكراهية:

التوعية والتثقيف: يجب على المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية أن تقوم بدور فعَّال في توعية المجتمع بخطورة خطاب الكراهية، وتثقيفه بقيم التسامح والحوار والإخاء. يجب أن تشجع هذه المؤسسات على نشر رسائل إيجابية تبرز التنوع والغنى في المجتمع، وتحارب التشويه والإقصاء. يجب أن تستخدم هذه المؤسسات أساليب مبتكرة وجذابة لإيصال رسالتها، مثل الفن والرياضة والمسرح والألعاب.

الرقابة والمساءلة: يجب على الجهات القانونية والإعلامية أن تقوم بدور فعَّال في رقابة خطاب الكراهية، ومساءلة المخالفين. يجب أن توضع قوانين وضوابط تحد من انتشار خطاب الكراهية، وتحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يجب أن تراعى هذه القوانين والضوابط مبادئ الديمقراطية والشفافية والعدالة. يجب أن تتعاون هذه الجهات مع المنظمات الدولية والمحلية لمتابعة حالات خطاب الكراهية، وتقديم الدعم القانوني والإعلامي للضحايا.

التضامن والتعاون: يجب على المجتمع المدني والسياسي أن يقوم بدور فعَّال في التضامن والتعاون لمواجهة خطاب الكراهية. ويجب أن تشكل هذه الفئات شبكات وتحالفات تعبر عن مصالحها المشتركة، وتدافع عن حقوقها المشروعة، وأن تسعى هذه الفئات إلى حل الخلافات بينها بطرق سلمية وحضارية، وتبادل الخبرات والموارد. ويجب أن تشارك هذه الفئات في صياغة رؤية موحدة لمستقبل سوريا، تضمن احترام التنوع والديمقراطية.
وأخيراً يعدُّ خطاب الكراهية ظاهرة مدمرة للمجتمع، تستحق التصدي لها بكل جدية وحزم، فلذلك يجب على المؤسسات والفئات في المجتمع أن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة خطاب الكراهية، باستخدام التوعية والتثقيف، والرقابة والمساءلة، والتضامن والتعاون. فبذلك، يمكن للمجتمع السوري أن يستعيد سلامته ووحدته، وأن يبني مستقبلاً أفضل لأجياله.