بيريفان خليل_
تسعى الدول القمعية في العالم، وفي العالم العربي على وجه الخصوص؛ لإسكات الصوت المعارض لها، فتخترق القوانين والمعاهدات الدولية، وتتخطى الحواجز كلها، ويأتي استخدام الأسلحة الكيماوية الحل الأمثل لتلك الأنظمة القمعية في إبادة الشعوب، وإسكات صوت المعارضة لها، فتركيا وتساندها المرتزقة، رغم توقيعها على المعاهدات، والمواثيق الدولية، التي تحد من استخدام الأسلحة المحظورة، نراها قد استخدمت السلاح الكيماوي في كثير من المناطق الكردستانية، وفي سوريا أيضا.
ذاع صيت دولة الاحتلال بالإجرام، والدموية في استخدامها الأسلحة الكيماوية، وخاصة ضد الكرد في مواقع عدة سواء في باشور، أو باكور، أو روج آفا، وأيضاَ في مواقع بسوريا.
ويعود تاريخ استخدام الأسلحة الكيماوية في كردستان إلى عشرينات القرن الماضي، حيث استخدم البريطانيون الغاز الكيماوي ضد مقاومة الشيخ محمود البرزنجي في باشور كردستان 1919-1922، واستشهد آنذاك ما بين خمسة آلاف، وعشرة آلاف كردي، وفي ديرسم كانت الإبادة الجماعية التي اتبعها دولة الاحتلال التركي في باكور كردستان، وفي روج آفا أيضاَ استخدم الكيماوي سواء في عفرين، أو سري كانيه، أو حتى حي الشيخ مقصود، وأيضاً في روجهلات استخدم نظام الملالي السلاح الكيماوي.
وبمرور سبع سنوات على استخدام الكيماوي في حي الشيخ مقصود من قبل مرتزقة دولة الاحتلال التركي، الذي يصادف يوم السبت الثامن من نيسان الجاري، وفي ذلك نسرد تفاصيل هذا الاستخدام المميت للسلاح القاتل بحق مدنيين عزل، وثوريين أحرار في أغلب المناطق الكردستانية.
مجزرة ديرسم صورة وحشية بأيادي دموية
كان من أول أهداف دولة الاحتلال التركي منذ تأسيسها هو إبادة وإنكار الشعب الكردي، وأول رئيس لدولة الاحتلال كمال أتاتورك كشف عن ذلك علناً بقوله: “لا توجد أمة أخرى غير الأمة التركية، تعيش على هذه الأرض”.
فتعدُّ مجزرة ديرسم إحدى أكبر المجازر في القرن الواحد والعشرين، التي حصلت في عامي 1937 و1938 حيث لم يشهد مثلها التاريخ من قبل، واستشهد خلالها ما يقارب 70 ألف شخص من نساء، وأطفال، وشيوخ، وشباب، كما تم تهجير عشرات الآلاف من أهالي ديرسم إلى المدن التركية الأخرى.
لم تكتف دولة الاحتلال بإراقة دماء الكرد فقط، فقد أكملت مشروع الإبادة بحق الناجين من المجزرة من خلال صهرهم في المجتمع التركي، وتتريك هويتهم، وذلك بالتخلي عن كرديتهم.
كانت مجزرة ديرسم الأولى في باكور كردستان، استخدم فيها السلاح الكيماوي، ولكن على غرار ذلك استخدم السلاح نفسه في جبلي بيزار، وسمسور في الـ 17 من أيار عام 1994، واستشهد خلالها 28 شاباً وشابة، بينهم 22 من طلبة المدارس، وأيضاً في عام 1995، استخدم الجيش التركي الأسلحة الكيماويّة في وادي شيخ جمعة، الواقع بين ناحية شيرفان في سيرت وبدليس، واستشهد 80 مقاتلاً من الكريلا، وتم دفنهم في مقبرةٍ جماعيّة، كما واستخدمت الغازات الكيماويّة قرب قرية بللكا في شرنَخ عام 1999؛ استشهد20 مقاتلاً من الكريلا، وفي ناحية جَله في جولميرك عام 2009؛ استخدم أيضاً السلاح الكيماوي، واستشهد وقتذاك ثمانية مقاتلين من قوات الكريلا، وأيضاً في وادي قازان في جله بين الـ 22 والـ 24 من شهر تشرين الأول عام 2011 استخدمت الأسلحة الكيماوية، واستشهد 36 مقاتلاً، ومقاتلة من قوات الكريلا.
استخدام الكيماوي في مجزرتي الأنفال وحلبجة
وعلى مسار دولة الاحتلال التركي الدموي، مضى نظام صدام حسين عام 1986، ليرتكب أبشع الجرائم بحق الكرد في باشور كردستان، وضمن حملة الأنفال ومروراً بحلبجة استخدم نظام صدام البعثي أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وخاصة الكيماوي منها.
واستمرت الجرائم في هاتين المجزرتين من عام 1986 إلى 1988، واتبع النظام في مجزرة الأنفال سياسة الأرض المحروقة، بهدف إبادة الكرد مثل دولة الاحتلال التركي، حيث بلغ عدد ضحايا تلك الجرائم 182000 شخص، ناهيك عن حرق، وتدمير أكثر من 2000 قرية مأهولة بالسكان، عدا تهجير الأهالي من موطنهم إلى مناطق أخرى.
وفي حلبجة كان المشهد أكثر دموية، حيث قصف المدينة، التي كان يقطنها 80 ألف نسمة بالصواريخ، والقنابل لخمس ساعات متواصلة، وهي تفرغ حمولتها من الغازات السامة فوق رؤوس المدنيين، فاستشهد على أثرها أكثر من خمسة آلاف كردي.
هجوم واسع بالكيماوي على الشيخ مقصود
في حي الشيخ مقصود، الذي تعرض للهجمات على يد حكومة دمشق، ومرتزقة جيش الاحتلال التركي على مدار خمس سنوات بدءاً من 2012، وانتهاءً بتحرير الأحياء الشرقية بحلب 2017، شكلت المقاومة الشعبية من المدنيين، أو من وحدات حماية المرأة والشعب نقطة فارقة في تاريخ الحرب السورية، كأول حي محاصر ينتصر بإرادة شعبه.
استخدمت مرتزقة الاحتلال في هذا الحي أيضاً الأسلحة الكيماوية من الغازات السامة، وقد شاركت في الهجوم على الحي (جبهة فتح الشام “جبهة النصرة سابقًا”، وجيش المجاهدين، وتجمّع فاستقم كما أمرت، وحركة نور الدين الزنكي، وأحرار الشام، وجيش الإسلام، ولواء الإسلام، ولواء السلطان مراد، وكتائب أبو عمارة، وكتائب القوقاز، والفرقة 16، والفرقة 101، وأحرار سوريا، والفرقة الشمالية، والسلطان محمد الفاتح، ولواء الفتح، الفوج الأول، وصقور الجبل، وجبهة التركمان، والجبهة الشامية، وأحرار المهاجرين، وفيلق الشام، وثوّار الشام)، وجل هذه الفصائل من المرتزقة، التي كانت مدعومة من جيش الاحتلال التركي.
وقد استخدمت المرتزقة الكيماوي في الحي أول مرة في الثامن من آذار 2016، والمرة الثانية كان في السابع من نيسان، وفي الثامن من نيسان من العام نفسه تعرض الحي للقصف الكيماوي للمرة الثالثة.
وقد أصدرت وقتها مرتزقة جيش الإسلام بيانًا، اعترفت فيه باستخدامها مواد كيماوية في حي الشيخ مقصود، في حين رجح بعض المراقبين، أن اليد الفاعلة باستخدام الكيماوي وقتذاك هم مرتزقة “جبهة التركمان” التابعة لجيش الاحتلال التركي، بعد أن أمدّتهم دولة الاحتلال بها عبر معابرها الحدودية مع سوريا.
كما وانتشر مقطع فيديو مصوّر في شهر نيسان من عام 2016 في منطقة عين التل، يظهر عناصر من جبهة التركمان يقومون بتحضير الصواريخ، لقصف حي الشيخ مقصود، وهو التوقيت نفسه، فقد أصيب في الهجوم ستة مدنيين بحالات تسمّم واختناق.
في مقطع الفيديو، الذي تخلّلته موسيقا إنكشارية، كتب على الصواريخ باللغة التركية” انتقامًا لشهداء إسطنبول” ما يؤكّد المزاعم المتعلّقة بتبعيتهم لدولة الاحتلال التركي، وعلى الرغم من كل ذلك بقي المجرمون بلا محاسبة. و”جبهة التركمان” مجموعة مرتزقة شكّلت فيما بعد النواة الأساسية للعديد من المجموعات المرتزقة التابعة لتركيا، مثل: “العمشات (فرقة السلطان سليمان شاه)” و”فرقة السلطان مراد” وجميع المجموعات المرتزقة، التي تستخدم الأسماء والرموز التركية، ترتكب جرائم يومية بحق السكان الأصليين في مقاطعة عفرين المحتلة.
في عفرين وسري كانيه صورة أخرى لاستخدام الفوسفور
لم تسلم عفرين، وسري كانيه من القصف بالكيماوي من قبل دولة الاحتلال التركي، المعروفة تاريخياً باستخدامها هذا النوع من السلاح بعد إدراك فشلها.
في عفرين، وبعد المقاومة الباسلة، التي أبداها الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية، فسميت تلك المقاومة بمقاومة العصر، لم تبق أمام دولة الاحتلال سوى استخدام ما هو محرم في هجماتها الاحتلالية على عفرين عام 2018، حيث استخدمت الغاز السام ضد الأهالي الآمنين في قرية “أرندة” القريبة من مدينة راجو، وهو ما أكدته المصادر الطبية في مشفى “آفرين”، حين لوحظ آثار الهجوم الكيميائي على سته أشخاص من القرية المذكورة.
وفي سري كانيه أيضاً وعند الهجوم التركي بغية توسيع الاستيطان في شمال وشرق سوريا عام 2019 استخدمت تركيا غاز الفوسفور، فكانت صرخات الطفل محمد حميد، الذي تعرض جسمه لحروق، تدل على استخدام تركيا السلاح الكيماوي.