رامان آزاد_
لا يرتبطُ تبادلُ الاستهدافِ العسكريّ بين واشنطن وطهران في سوريا بالحربِ في غزة التي بدأت في 7/10/2023، بل يسبقها بكثيرٍ، ومحور المقاومة عنوان دائمٌ تطرحه طهران في مواجهةِ واشنطن وتل أبيب، وما حدث هو انتقالٌ إلى مرحلة جديدة من التصعيدِ والعمليات المكثفة، وإذا كانت طهران تحرصُ على تواصلِ المسارِ حتى جنوب لبنان، فالإدارةُ الأمريكيّةُ تسعى إلى قطعه عند الحدودِ السوريّة ــ العراقيّة، وإعلانُ اسم المقاومةِ الإسلاميّة عنوانٌ فضفاضٌ يشملُ كلّ العمليات التي تستهدفُ الوجودَ الأمريكيّ ليس في العراق وسوريا وحسب، بل في دول الخليج أيضاً.
منظومة عسكريّة عابِرة للحدود
“المقاومة الإسلاميّة في العراق”، أحدُ المفرزات المباشرةِ لمحور المقاومة الذي تقوده إيران بالمنطقة في مواجهة الوجودِ والمصالحِ الأمريكيّة والإسرائيليّة، إذ لطالما رُفعت في شوارع المدنِ الإيرانيّة في مختلفِ المناسبات شعاراتٌ مناهضة لهما، وصرخ المتظاهرون بالموت لأمريكا وإسرائيل، وموقفُ رفض الوجودِ الأمريكيّ قديمٌ، تجدده طهران من وقتٍ لآخر.
المقاومة الإسلاميّة مصطلحٌ شاملٌ لوصفِ العملياتِ التي تنفّذها الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق، وظهر الاسم لأوّلِ مرة في 18/10/2023 على تطبيق تلغرام، باسم “الإعلام الحربيّ للمقاومةِ الإسلاميّة”، وهو لا يشيرُ إلى جماعةٍ محددة مستقلةٍ بذاتها، بل للاسم دلالةٌ إسلاميّةٌ عامة، ويشيرُ ضمناً إلى جماعاتٍ مسلحةٍ تدعمها إيران، دون توضيحٍ مباشرٍ لهوياتها الفرديّةِ خلال سلسلة الهجمات التي نفذتها في سوريا والعراق، على خلفيّة الحرب بين إسرائيل و”حماس” بعد 7/10/2023.
يشير الاسمُ إلى منظومةٍ عسكريّةٍ موسّعة عابرةٍ للحدودِ، وضعت لنفسها هدفَ مهاجمةِ القواتِ الأمريكيّة في العراق وسوريا، وإذا كان هذا الهدفُ ليس جديداً، فإنّ إطلاقَ الاسم بهذا التوقيتِ إعلان للانتقالِ إلى مرحلةٍ جديدةٍ، وكانتِ الحربُ في غزة مناسبةً لتصعيدِ العملياتِ وتكثيفها.
تفيدُ المعطياتُ الأوليّة بأنّ “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوريّ الإسلاميّ الإيرانيّ” هو الذي يقومُ بدورِه تنسيق “المقاومة الإسلاميّة في العراق”. وتنسبُ كلّ العمليات إليها، مع حرصٍ شديد لإخفاءِ الهويةِ الخاصة بالجماعات المسلحة العراقيّة.
وكان لافتاً أنّ مجموعةً تسمي نفسها “تشكيل الوارثين” شنّت هجوماً في 18/10/2023 على قاعدة حرير الجويّة قرب مدينة هولير، وأعلنت تبنيها له في بيانٍ رسميّ في 20/10/2023، باسم “تشكيل الوارثين ــ غرفة عمليات إسناد طوفان الأقصى” إلا أنّها سرعان ما تراجعت، واعتباراً من 21/10/2023 تُنسبُ كلّ العملياتِ المنفّذة إلى المقاومةِ الإسلاميّة، ما يؤكدُ وجودَ هيئة أعلى تديرُ هذه العمليات.
في ساحة العراق أسماء متداولة لكيانات عسكريّة ترتبط بإيران مثل “عصائب أهل الحق” و”كتائب سيد الشهداء” و”كتائب حزب الله”، يُضاف إليها كياناتٌ عسكريّة مستقلة تنضوي تحت اسم المقاومة العراقيّة مثل: سرايا ثورة العشرين الثانية” و”رجال الله” و”أصحاب الكهف” و”المقاومة الدوليّة” و”لواء الثائرين” و”لواء ثأر المهندس” و”لواء القاسم”. ولم تتبنَّ أيٌّ منها عملياتٍ بالفترةِ الأخيرة ضد القواتِ الأمريكيّة، ما يعني أنّها كلها تنضوي تحت راية “المقاومة الإسلاميّة في العراق”، ويؤكد بالوقت نفسه وجودَ سلطة عُليا تُشرفُ عليها وتدير العمليات، وتلك كانت مهمةُ فيلق القدس بالحرس الثوريّ الإيرانيّ بقيادة قاسم سليماني.
“الوارثين” ميليشيا في المسار نفسه
يعدُّ “تشكيل الوارثين” ذراعاً إيرانيّة من أبناء العراق، شكّلها فيلقُ القدس بالحرس الثوريّ الإيرانيّ في تشرين الأول 2019، وباغتيال قاسم سليماني في 3/1/2020 يقودُ هذا الجهاد أحد مساعديه المُقربين ويُعرف باسم الحاج حميد، والذي جهّز دفعة من المتطوعين العراقيين تحت اسم الوارثين تمَّ تدريبهم في معسكر للحرس الثوريّ بمنطقة دزفول غرب إيران. وتحضرُ راية تشكيل الوارثين بين جملة الأعلام التي تخصُّ الميليشيات العراقيّة. كما في 9/12/2021، عندما ألقى أكرم الكعبي، مؤسس جماعة “المقاومة” العراقيّة “حركة حزب الله النجباء”، خطاباً تلفزيونيّاً.
في 2/6/2022 أطلق “تشكيل الوارثين” قناة تواصلٍ على تطبيق “تلغرام”، وفي 18/8/2022، أصدرت بيانها الأول أعلنت فيه أنَّ “أيَّ قواعد عسكريّة ومراكز أمنيّة في أيّ محافظة بالمنطقة يثبت لها أنّها شاركت بعملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس… وكذلك الدول التي تنتهج سياسة متطرفة تجاه بلادنا وشعبنا، مثل احتلال أراضينا ــ في إشارة مبطنة إلى تركيا ــ وفرض العقوبات بأشكالها المختلفة، أو دعم الضربات… (تُعتبر) هدفاً مشروعاً”. وفي اليوم التالي تبنّت الجماعة استهدافَ القوات الأمريكيّة في قاعدة “علي السالم” بالكويت في 12/8/2022، بطائرة مسيّرة، إلا أنّ السؤال المعلّق حينها: من أين أُطلقت الطائرة المسيّرة؟ لكن سلاح الجو الأمريكيّ قال: إنّه “تعرّض لهجوم دعائيّ من قبل جماعة عراقية مسلحة لم يُسمع بها من قبل، زعمت زوراً أنّها شنّت هجوماً بطائرة مسيّرة على القوات الأمريكيّة بالكويت”، مشيراً إلى أنَّ “تشكيل الوارثين ميليشيا إيرانيّة، رغم وصف نفسها بأنّها عراقيّة”.
بالمجمل لا جديدَ في اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، فقد سبق أن تداولته عدة جماعات مسلحة عراقيّة تدعمها إيران، عنواناً وإطاراً عاماً، ثم تضع اسمها بعده.
وعمليّاً لا وجودَ لإيران ضمن قاعدةٍ عسكريّة واضحة المعالم في سوريا، لكنها موجودة عبر ميليشيات مسلحة شكّلتها وتأتمر بأمرها، أو نُقلت من العراق إلى سوريا، مثل لواء الإمام الحسين، لواء الباقر، أبو الفضل العباس، “لواء فاطميون” الأفغانيّ، و”زينبيون” الباكستانيّ، ومجموعات أخرى أصغر.
