إعادة توجيه الإنفاق

د. هاجار عبد الفتاح_

أدت زيادة الإنفاق على فاتورة أجور القطاع العام والدعم المُغمم في بلدان التحوّل العربي والشرق الأوسطي كرد فعل للضغوط الاجتماعية إلى تنشيط الحركة الاقتصادية على المدى القريب لكنها أدت الى اتساع الاختلالات الخارجية وتدهور مظاهر عدم المساواة وجوانب الجمود في النفقات فالدعم واسع النطاق وخاصةً على أسعار الطاقة يدعم الواردات من الخارج أكثر من دعمه للطلب على السلع والخدمات المحليّة ويعود بالفائدة غير المتكافئة على شرائح السكان ذات الدخل المرتفع التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود والكهرباء وبالتالي تحول الجانب الأكبر من زيادات الدعم الى الأثرياء وكان تأثيره محدوداً في توفير فرص العمل وتحسين مستويات معيشة الأُسر المتوسطة وجاءت طفرات أجور القطاع العام في فترة اتسمت بصعوبة الأوضاع الاجتماعية – السياسية ولا يمكن الاستمرار في تحمّلها وغالباً ما تؤدي مثل هذه الزيادات الى اتساع عدم المساواة وخاصةً في البلدان التي يحتل فيها الموظفون الحكوميون درجة أعلى من المتوسط في سلم توزيع الدخل ومع الأفراد بجوانب القصور في المقارنات القطرية في هذا المجال بين بلدان التحوّل العربي والشرق أوسطي. نجد إن تفاوت الدخول يبلغ أعلى مستوى في الدول عن غيرها، حيث يبلغ متوسط أجور الخدمة المدنية ثلاثة وأربعة أضعاف نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي على التوالي وتواجه سياسة المالية العامة في بلدان التحوّل العربي والشرق أوسطي تحديات إضافيّة نتيجة جوانب الجمود في النفقات التي تنشأ عن ارتفاع الإنفاق على فاتورة أجور القطاع العام والدعم المعمم ومستوياتها أعلى من المتوسطات السائدة في البلدان الصاعدة والنامية.

وسيسمح إعادة توجيه الإنفاق العام بعيداً عن الدعم المعمم ونحو شبكات الأمان الاجتماعي بمساعدة الأسر الفقيرة والحد من أوجه عدم المساواة وتحرير الموارد اللازمة للنفقات ذات الأولوية وتخفيض العجز.

كما إن التحول السياسي في بلدان العالم العربي أدى الى إتاحة الفرصة للتحول الاقتصادي أيضاً وثمة تغيير في المشهد السياسي حالياً كما أن أطرافاً معنيّة بدأت تنشط في الوقت الذي تراجعت فيه قوة أصحاب المصالح المكتسبة القديمة الذين أعاقوا الإصلاح ويمثّل هذا السياق فرصة تاريخية لإعادة النظر في جدول أعمال الإصلاح الاقتصادي ومعالجة المشكلات الاقتصادية المزمنة التي كان التعامل معها صعباً في السابق.