“المرأة، الحياة، الحرية”… فلسفة هزّت عرش الطغاة والعالم أجمع

انتشرت فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” في أنحاء العالم المختلفة، وهي فكر هز عرش الأنظمة الاستبدادية والفاشية، التي باتت تخاف صوت كلماتها وحروفها.

“المرأة، الحياة، الحرية” هي ليست بساطة كلمات ثلاث، بل هي الحل الجذري للصراع والظلم منذ آلاف السنين في الشرق الأوسط والعالم، والتي صاغها قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في سياق علم المرأة منذ التسعينات.

وحول استعباد المرأة، يقول القائد آبو: “كما أن عبودية المرأة هي عبودية عميقة، يجب أن تكون ثورة المرأة أيضاً عميقة، فتكون ثورة للتوازن والحرية، يجب على الثورة النسائية أن تتخذ خطوات جذرية من الناحية النظرية والتطبيقية؛ لأنه طالما لم تتحرر المرأة، وهي الحياة نفسها، فإنه لن يتحرر أي شيء آخر، ونجاح كل مشروع مرتبط بحريتها”.

الشرارة الأولى لانتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”

جينا أميني، شابة كردية من سقز، عمرها 22 سنة، توجهت برفقة عائلتها في بداية أيلول 2022م، إلى العاصمة الإيرانية طهران لزيارة أقاربها، لكن تم اعتقالها في 13 أيلول من قبل ما تسمى بـ“شرطة الأخلاق”، ونقلت إلى مركز احتجاز فوزارا، وعدا عن جينا أميني، كانت هناك نساء أخريات تم اعتقالهن للسبب نفسه، وانتظر شقيق جينا أميني، كياراش أميني أخته أمام المركز في تلك الليلة، إلا أن جينا دخلت في غيبوبة بسبب التعذيب الجسدي؛ فاستشهدت بعد مكوثها في المستشفى ثلاثة أيام متوالية.

وبعد ذلك أُعلن مركز الحجز، أن جينا سقطت على الأرض؛ بسبب مرض في القلب أثناء احتجازها، وتوفيت بعد يومين من دخولها في غيبوبة، لكن الشهود أكدوا أن القوات الإيرانية عذبت جينا أميني، بالضرب على رأسها بطرف سيارة الشرطة، كما تمت مشاركة المعلومات الموجودة في المشفى من مجموعة من نشطاء القرصنة، وذكرت قناة تدعى “Îran Înternatîonal” أن الوثائق الطبية وصلت إلى أيديهم من خلال مجموعة من القراصنة.

وذكرت القناة في الخبر، أن جينا تعرضت لضربة قوية على رأسها، وكسر جزء من الجانب الأيمن من رأسها، وقال أهلها وأطباؤها بأنها تعرضت للضرب على رأسها عدة مرات، كما ذكرت عائلة جينا أميني بأن ابنتهم لم تكن تعاني من مرض القلب من قبل.

وبعد مقتل جينا أميني، في 16 أيلول 2022م، انطلقت الشرارة الأولى لانتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية” على قبر جينا، وأصبحت جينا رمز الانتفاضة وشعلتها.

انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”

بدأت انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”، بقيادة المرأة الكردية، والشعب الإيراني المضطهد في روجهلات كردستان (شرق كردستان) وإيران، وأقيم النشاط الأول في مدينة سقز في روجهلات، ونزل الأهالي إلى الساحات، وقتل شخص واحد بسبب هجوم قوات الأمن الإيرانية.

وبسبب ضغوط الدولة الإيرانية، تم الدعوة إلى إضراب عام في روجهلات كردستان، دعا فيه حزبا الحياة الحرة الكردستاني PJAK وجمعية الحرية والديمقراطية في شرق كردستان KODAR، للمشاركة في الإضراب العام يوم 19 أيلول تحت شعار “المرأة، الحياة، الحرية” وشعار “الشهداء لا يموتون” ضد مقتل جينا أميني على يد الحكومة الإيرانية.

ودعت أحزاب مساعدة تابعة لأحزاب روجهلات، الحزب الشيوعي الإيراني والمنظمات الكردستانية ومجموعة من الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني والناشطون السياسيون في شرق كردستان إلى الانضمام إلى الإضراب، وبناءً على هذه الدعوة، بدأ الإضراب العام في عموم روجهلات، وشاركت مدن سقز، وسنة، وشنو، وبوكان، وبانة في الإضراب.

كما قامت النساء المحبات للحرية في أنحاء العالم، وفي مختلف مجالاتهن بقص شعرهن لدعم الانتفاضة، ومع شعار “المرأة، الحياة، الحرية” أظهرت المرأة أن ما يحدث في روجهلات، وإيران ليس مشكلة محلية فقط، بل مشكلة العالم كله.

خوف النظام من انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”

استخدم النظام الإيراني أشكال القتل والعنف كافة، قبل وأثناء الانتفاضة بشكل خاص، واتخذ أعنف الأساليب ضد الطالبات في المدارس، حيث قام بتسميمهن عمداً، وكانت أولى الهجمات على مدن روجهلات كردستان. وحسب خبر صحيفة Le Monde نقلاً عن مصادر رسمية فقد استشهد 17 شخصاً في 22 أيلول 2022 في الأنشطة والمظاهرات خلال ستة أيام فقط، كما ذكرت السلطات الإيرانية أن 17 شخصا، بينهم متظاهرون وأفراد من الشرطة، فقدوا حياتهم في الاحتجاجات خلال ستة أيام، كما تم حظر تطبيقي Instagram وWhatsApp في 22 أيلول.

وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية (IHR)، وهي منظمة معارضة مقرها في أوسلو، أن 31 مدنياً على الأقل استشهدوا على يد قوات الأمن.

وفي الاحتجاجات، التي استمرت لأشهر، أحرقت صور الزعيم الديني آية الله علي خامنئي، وهتفت بشعارات مثل “الموت للديكتاتور”، كما نزعت النساء الحجاب عن رؤوسهن وأحرقنه، وبهذه الطريقة أدانت النساء القانون، الذي يفرض عليهن الحجاب الإلزامي، وتم تنظيم مسيرات للكرد في الشمال الغربي، ومن البلوش في الجنوب الشرقي من البلاد.

524 شخصاً استشهدوا

بعد استشهاد جينا أميني على أيدي النظام الإيراني، خرجت النساء في العديد من أنحاء العالم إلى الشوارع وخاصة في إيران، وذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، أنه حتى 15 كانون الأول 2023م، قُتل 524 شخصاً في انتفاضة إيران.

وحسب بيانات وكالة هرانا، فإن 71 من الضحايا كانوا من الأطفال، كما كان من بينهم 68 من أفراد الأمن، وذكرت الوكالة أنه حتى 15 كانون الأول 2023، تم اعتقال واحتجار 19401 شخص، منهم 713 طالبا وطالبة.

وأدانت المحاكم 724 شخصاً بحجة أن لهم صلة بالأنشطة، وحكم على 11721 شخصاً بالسجن، وتم شنق أربعة متظاهرين، وذكرت وكالة هرانا أنه في الفترة من 17 أيلول 2022 إلى السابع من كانون الأول 2022، تم تنظيم احتجاجات لمدة 82 يوماً في أنحاء البلاد، وتم تنظيم الاحتجاجات في 31 محافظة، و160 مدينة، و143 جامعة كبرى.

كذلك، وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية، أعدم النظام الإيراني ما لا يقل عن 199 شخصاً في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023، منهم 51 كردياً و42 مواطناً من البلوش، وحسب هذه الإحصائيات، فإنه في كل ست ساعات كان يتم شنق شخص ما من قبل النظام الإيراني.

وحتى الآن، ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة “المرأة، والحياة، والحرية”، بدأ النظام الإيراني باعتقال الصحفيين والناشطين وكافة شرائح المجتمع، وقد لجأت القوات الأمنية منذ شهر إلى تهديد أهالي شهداء الانتفاضة بعدم إقامة مراسم تذكارية لشهداء الانتفاضة، كما قام النظام الإيراني بتطويق المدن بجنوده ودباباته وقواته في حالة استنفار دائم.

وإضافة إلى ذلك، فإن ما يسمى بالمؤسسات القانونية مثل “البرلمان” تزيد من الضغوط على المرأة والمجتمع بقوانينها غير القانونية، وتبرر جرائمها ضد الإنسانية.

وفي المقابل فإن نساء ومواطني روجهلات كردستان وإيران يهتفون باستمرار في الذكرى الأولى لشهادة جينا ولجميع الشهداء، ويعيدون مجد الانتفاضة، ويواصلون النضال من أجل نيل الحقوق، والحريات.

وكالة روج نيوز