روناهي/ الشدادي ـ
في كوباني بدأ سقوط أول حجرة لدومينو الإرهابِ، ومُزقت حُجب الظلامِ، وكانت مدينة تل أبيض/ كري سبي محطةً التحرير الثانية، فيما كان تحريرُ الشداديّ يعني فصم عروة متينة للمرتزقة تربط الميدان السوريّ بالعراقيّ، وتنفست المدينة الصعداء في التاسع عشر من شباط 2016، بعد سنتين عجاف، فقد غضب أبناء الخابور وأطلقوا حملة عسكريّة دحروا مرتزقة “داعش” الذين عاثوا فيها فساداً وتنكيلاً وإجراماً، واليوم تحتفي الشدادي بالذكرى السادسة لتحريرها.
الإرهاب يجتاح الشدادي
كان يوم الاثنين ١١ شباط ٢٠١٣، أسودَ في تاريخ مدينة الشدادي، فقد هاجم فيه المئات من مرتزقة “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” مدينة الشداديّ وسيطروا عليها، وارتكبوا الكثير من الانتهاكات بحق أهلها، وفي 4 آب 2014 هاجمت قطعان مرتزقة “داعش” مدينة الشداديّ وأحكمت سيطرتها عليها، وهو اليوم نفسه الذي صعد فيه “البغدادي” منبر “الجامع الكبير” في مدينة الموصل وأعلن خلافته المزعومة ودعا المسلمين إلى بيعته وطاعته باعتباره “الخليفة”.
ودخلت المدينة في سباتٍ عميقٍ طيلة فترة امتدت لنحو ألف ليلة، وتوشحت السواد وأضحت مركزاً لمرتزقة “داعش” ومنطلقاً لمعظمِ هجماتهم الإرهابيّة مستهدفين جميع شعوبها دون استثناء؛ نظراً لموقعها الاستراتيجيّ ووقوعها على عقدةِ طرقٍ مركزيّة تربط الموصل العراقيّة بمدينة الرقة عاصمتهم المزعومة وكذلك بمدينة دير الزور.
أحكم “داعش” قبضته على المدينة وفرض عليها أحكاماً بغاية القسوة، وشهدت المدينة الكثير من عمليات القتل والقصاص بحق الأهالي، واعتقل وزُجّ بهم في السجن، ويروي فتى كان عمره 16 سنة، قضى أربعين يوماً في السجن بتهمة السرقة، أنّ السجن كان يتألف من ثلاث غرف إحداها للنساء، وساحة خارجيّة للتنفس مدة نصف ساعة، وتعرض الرجال والنساء لأعمالِ التعذيب الوحشيّة، وانتهى الأمر بقطع يد الفتى في طقوس احتفاليّة جمع بها حشدٌ من الناس، كانت المدينة في تلك المرحلة أشبه بسجن كبيرٍ.
حكم مرتزقة داعش الأهالي بالسيفِ والنار، ونفّذوا خلال سنتين من سيطرتهم على المدينة أبشع أنواع الجرائم، من عمليات قتلٍ ممنهج لكلٍّ مخالفٍ لفكرهم وأوامرهم، وبغية إرهاب الأهالي وترويعهم وفرض هيمنتهم كانوا يجمعونهم في الساحات العامة عند تنفيذهم حكم القتل بحق الأبرياء، في إشارة منهم إلى أنَّ كلّ مخالفٍ سيلقى المصير نفسه.
حملة تحرير الشدادي
من نافلة القول إنّ أهمية مدينة الشداديّ الاستثنائيّة والاستراتيجيّة كبيرة في المنطقة بالنسبة للمرتزقة ووقوعها ضمن مثلث هام على الحدود العراقيّة شرقاً والرقة غرباً ودير الزور جنوباً، ما جعلها نقطة انطلاق عسكريّة في اتجاهات عدة، ما يعني بالمقابل أنّ استعادة المدينة وتحريرها يعني انكفاء المرتزقة وهي خطوة ضروريّة لتطهير ريف الحسكة الجنوبي، وإجبارهم على التحرك نحو الجنوب تجاه دير الزور، وتضييق المساحة التي يتحرك فيها مع قطع أهم شرايين الدعم والتواصل.
في الأول من شباط 2016 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدوليّ حملة لتحرير مدينة الشداديّ من المرتزقة، قوامها أبناء الخابور الغاضبين من الجرائم التي نفذها المرتزقة بحق أهاليهم في الجنوب الحسكاوي، وسُميت الحملة باسمهم “غضب الخابور”، ومع توقيت ساعة الصفر انطلقت حملة التحرير، وكانت المعارك ضارية، ومع تضييق الخناق على المرتزقة تحت وقع ضربات المقاتلين الأشاوس من أبناء الخابور والفرات بدأت مجموعاتهم بالهروب الواحدة تلو الأخرى، نفذت قوات سوريا الديمقراطيّة الهجومَ على محورين أساسيين هما: ريف الهول، بقطع خط الإمداد الرئيسي لعناصر “داعش” من العراق من منطقة البعاج تحديداً باتجاه الريف الجنوبي للحسكة، ومحور جبل عبد العزيز بريف الحسكة الجنوبي الغربي، وترافقت المعارك العنيفة مع ضرباتٍ جويّة لطيرانِ التحالف الدوليّ.
واستمرتِ الحملة 18 يوماً، وجاء الخبر الذي أثلج الصدور “الشدادي حرة وخالية من الإرهاب”، وانتهى الكابوس مع وصول آخر مقاتل من قوات سوريا الديمقراطيّة إلى ساحات المدينة وقراها ورفع رايتها فيها وشهدت المدينة نهاية مخاضٍ جديد أنجب الأمل من رحمِ الألمِ واليأس. كان تحرير الشداديّ “ضربة معنويّة” لمرتزقة “داعش”، وتقطيع أوصاله، وتثبيت فكرة هزيمته، وهم الذين رفعوا شعار “باقية وتتمدد”، وبالتوازي مع تحرير المدينة كانت ملاحقة فلول المرتزقة مستمرة وتم تحرير قرية 47 على بعد 5 كم شمال غرب الشداديّ، واندحر داعش من المدينة وقد زرع عدداً كبيراً من العبواتِ الناسفة في أنحاء مختلفة من المدينة، ومساء 21/2/2016 انفجرت سيارات مفخخة في مدينة الشداديّ.
لم تكن أنقرة راضية عن نتائج الحملة وهزيمة داعش، فتبنت حملة تشويش على التحرير، وقالت وكالة الأناضول التركيّة الحكوميّة، في تقرير نشرته في 22/2/2016 أنَّ قوات “سوريا الديمقراطية” انسحبت من مدينة الشداديّ تحت وطأة تفجيرات “داعش”، التي نفذها بسياراتٍ مفخخة في الليلةَ الماضية.
عودة الحياة للمدينة وتشكيل المؤسسات الخدمية
وبعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية تحرير المدينة في التاسع عشر من شباط 2016 بدأت الروح تدبُّ في المدينةِ المهجورةِ من جديد، وفُتحتِ الطرقاتُ وبدأت معها العودةُ التدريجيّةُ للأهالي الذين غادروها خوفاً من عملياتٍ انتقاميّةٍ لداعش أو استخدامهم دروعاً بشريّة لإطالة أمد الحرب، وما هي إلا بضع ليالي حتى عادت المدينة إلى سابق عهدها، وفتحت الأسواق وعاد كلُّ المُهجرين النازحين ومشاعر الفرح تعلو وجوههم، بعد خلاصهم من أعتى تنظيم إرهابيّ عرفته البشريّة.
مع عودة الأهالي بدأ العمل على إعادة الخدمات الأساسيّة، وافتتاح المدارس، وترحيل الركام، وإزالة الألغام، وتوصيل المياه، وإعادة تأهيل القطاع الزراعيّ والاقتصاديّ لتعود الحياة إلى المدينة تدريجيّاً”، من خلال تشكيل مجلس محليّ يديرُ أمور المدينة ويعمل على توفير الخدمات للأهالي، وتم تشكيل الكومينات في الأحياء والقرى لتسهيلِ العمل، وليكون رئيس الكومين بمثابة اللسان الناطق لقطاعه، وتم تشكيل 69 كومين في أحياء المدينة وقراها، إضافة إلى تشكيل مجلسي عبدان والعريشة يقوم على إدارتهما أبناء البلدتين.
افتتحت بلدية الشعب في ناحية الشدادي لتعطي الإشارة ببدء عجلة الإصلاح وتوفير الخدمات للمنطقة وإزالة الأنقاض ومخلفات الحروب والبدء بإعادة تأهيل البنية التحتية للمنطقة التي دمرتها الحروب على مدار سنين الحرب، حيث قامت بإعادة تأهيل جسور استراتيجية فضلاً عن تأهيل أكثر من 90% من الصرف الصحي في المدينة وشق الطرق وتعبيد الطرق الرئيسية وإنارة الشوارع وتأهيل حديقتين كانتا قد تضررتا بشكلٍ كلي، وتأهيل محطتي مياه بطاقة 90م³/سا ، والبدء بمشروع استجرار مياه نهر الفرات لمناطق جنوب الحسكة والذي من المفترض أن يؤمن المياه لأكثر من 52 ألف عائلة في جنوب الحسكة، بالإضافة إلى عشرات المشاريع الخدمية الأخرى.
