منبج/ آزاد كردي ـ
تأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج ليس حدثاً عابراً في حياة الأهالي ولا مجرد حلم يتراءى للنائم، بل هو حقيقة واقعة استمرت سنوات من المخاض حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وكرست الإدارة المدنية في منبج ذلك النظام الحيوي الفاعل الذي يعيد للبلد قدرتها على النهوض وتضيء شمعة جديدة لإعادة إحياء الإنسان السوري الذي فقد الثقة التامة بهويته وانتمائه وحريته وبات خالٍ من أي دور حقيقي في الحياة العامة.
شراكة مع الشعب
لقد فقد الشعب أي أمل للخروج من النفق المظلم الذي كبّل الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري بسبب عناد النظام السوري الحاكم المستبد وممارساته القائمة على القمع والإذلال وسياسة كم الأفواه والشوفينية المطلقة، حيث تعطش الأهالي في منبج أن يشاركوا الإدارة المدنية الديمقراطية في الحاكمية وفق مشروع سياسي واضح لا يُقصي أحداً ولا يهمش شعباً بناءً على أسس الأمة الديمقراطية، وبات مفهوم الحرية في مدينة منبج حقيقة تاريخية لا تقبل الجدال وتحقق التوازن الديموغرافي لكل الشعوب وتحتوي القوميات والأعراق في بوتقة واحدة لا تفضيل لأحد على أحد، وتعيد الحكم للأبناء الحقيقين وهي رغبة طالما طالب بها الأهالي في السابق دون أي اعتبار. إن فشل التعصب والأوليغارشية في كل الفترات الماضية برهنت على عدم وجود شريك حقيقي للسلطة بمعناها الحقيقي الذي كان يجسد من خلال النفوذ والسطوة والترهيب. في المقابل حقق الارتكاز على مبادئ الأمة الديمقراطية وتفعيل نظام الكومين بدءاً من القاعدة وصولاً للهرم فسحة للمشاركة لكل فئات الشعب، ووفق ميثاق العقد الاجتماعي القديم أو المنتظر تنفيذه خلال فترة وجيزة.
قاعدة الأثلاث
في مقال للكاتب ياسر عبد العزيز، بعنوان “لن تكون سوريا أوكرانيا الجديدة.. لماذا؟” على موقع الجزيرة، تحدث فيه إلى ما يسميه قاعدة الأثلاث، وهي تلك القاعدة التي يستخدمها مخرجو السينما لرسم كادر المشهد لنقل المشاعر المقصودة من صانع الفيلم إلى المشاهد، وعليه فيمكن من خلال تقسيم كادر المشهد تحديد نقاط القوة في المشهد، لجذب عين المشاهد إليه ومن ثم التأثير على المتلقي بتلك النقاط التي أراد بها المخرج نقل ما يريد، ويستمد قوة المشهد من دقة اختيار المخرج لنقاط قوته ومدى تأثيرها على المتلقي.
ما حدث أن تأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج مثّل حالة نادرة في تركيبة المجتمع، ولم يسبق للأهالي في منبج أن يعيشوا هذه التجربة الديمقراطية نظراً لما مر عليها من تهميش وإهمال شأنها شأن غيرها من مناطق شمال وشرق سوريا. هذه التجربة أدت إلى اختراق حالة التذبذب وانسداد أفق الحل السياسي السوري وتؤسس لكسر الثالوث الذي كان يُعتبر طوطماً لا يمكن مخالفته على الإطلاق، تشكل العشائرية والعُرف والتعصب ثالوثاً متماسكاً وهاجساً مرعباً لدى كل الأطياف وشرائح المجتمع الذي اقتنع بأن هذا الواقع المتزمت لا يمكن تغييره ولا يجوز حشر الأنف أمام منظومته أو منافستها أو محاربتها أو تبديلها بأي حال، وهكذا وجد البديل الحقيقي الذي تمكن من استقطاب العشائرية إلى المشروع الديمقراطي، فأتاح لها القوة لا الضعف، وبات التعصب يتثلم أمام مبادئ الحوار البنّاء الذي تطلقه الإدارة المدنية الديمقراطية بين الحين والآخر مع الشعب فيما استبدل العرف بالقانون الذي حل محل الرشوة والفساد الإداري.
الإدارة الفتية
يقول ابن خلدون، في المقدمة بأن: “العمران كله من بداوةٍ وحضارةٍ وملك وسوقة له عمر محسوس كما إن للشخص الواحد من أشخاص المكونات عمراً محسوساً”. إن نزعة ابن خلدون التطويرية تدفعه إلى أن يرى في حركة المجتمع البشري حركة قائمة على أساس بيولوجي شبيه بالحركة الحياتية للكائن الحي، ويمكن تشبيه هذا الحال بتأسيس الإدارات في شمال وشرق سوريا ومنها بطبيعة الحال الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج التي تعتبر حديثة العهد بالنشوء والتطور. ولما تنعت الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج بالفتية، فهي لا تزال في طور النمو والارتقاء وبحاجة إلى وقت مقبول إلى النضج والثمر، ولا يعني ذلك بأنها ليست على قدر من القابلية على التمدن واستيعاب المخزون البشري الحضاري والتاريخي والاجتماعي بل من الواجب الوقوف إلى جانبها ومساندتها حتى تتخطى العقبات بكل يُسر، ولا يتأتى هذا الشيء إلا بالالتفاف حولها وتقديم يد العون من خلال العمل على زيادة وتيرة الإنتاجية والمشاركة الحقيقية من كل النخب الثقافية أو السياسية في دعم عجلة الدوران في كافة المجالات.
استحقاقات وثوابت
تتميز الفترة القادمة بالنسبة للإدارة المدنية الديمقراطية بالمزيد من الإنجازات التي سيكون لها أثر بالغ في التنمية والبناء، لكن ينبغي عليها انطلاقاً من رؤية حديثة في التطوير والتحديث على كافة المستويات من خلال اتباع ما يلي:
1-نشطت الإدارة المدنية الديمقراطية خلال الفترة الماضية، بإيلاء الجانب الخدمي والإداري والتنظيمي أهمية كبرى؛ بسبب ما مر على منبج من ضنك معيشي شديد في فترات سابقة إبان سيطرة ما يسمى بالجيش الوطني، ومرتزقة داعش الإرهابي، ساهم إلى حد بعيد بإرساء استقرار وظيفي متميز، لكن ما يؤخذ الإدارة المدنية الديمقراطية جوانب أخرى، تباينت بين الضعف والركود في الأطر والمستويات الإدارية إلا أنها بحاجة إلى إداريين ذوي خبرة وكفاءة من ذوي الاختصاص الذي من شأنه رفع مستوى الأداء وزيادة الإنتاجية.
2-لا يمكن لأي إدارة ما التغاضي عن الاقتصاد لما له من أهمية كبرى في كافة المجالات والذي يتأثر ويؤثر في حياة الناس، وبالتالي، فأن الإدارة المدنية الديمقراطية، مطالبة من أي وقت مضى في الاهتمام بالمجال الزراعي. يعاني هذا القطاع في المواسم الماضية بسبب الجفاف وقلة الأمطار وحرب المياه من الدولة التركية، وهكذا فيمكن الاستفادة من توافر المقومات الرئيسية لها من خلال افتتاح مشاريع إنتاجية زراعية تعتمد على مشتقات الثروة الزراعية والحيوانية، ودعمه بافتتاح إرشاديات زراعية تتوفر فيها الطبابة البيطرية والأدوية والأسمدة مما يُسهم في الاستقرار الزراعي الذي يُعد العماد الأساسي للسكان من جهة إلى جانب توفير فرص عمل وحركة تجارية من جهة أخرى.
3-توسيع نطاق الفعاليات الثقافية والاقتصادية والسياحية خلال الفترة القادمة بل تكثيفها؛ كإقامة مهرجانات مختلفة للفلكلور والقطع التراثية ومعرض لتسويق الفستق الحلبي مثلاً وغيرها من المهرجانات المتنوعة.
4-مع مواكبة التكنولوجيا والتقانة وأنظمة المعلومات لا تزال الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج ضعيفة إلى حد كبير في الجانب، ومن المهم تسيير العمل بالمنظومة التقنية الحديثة، الأمر الذي يجعلها تعتمد على التوثيق الكتابي في المراسلات والمعاملات في كافة الأمور الأخرى حيث ينعكس على ما يسمى بالبيروقراطية وتباطؤ العمل الإداري وربما الفساد أيضاً.
5-يعتبر النشاط السياسي بالدرجة الأولى من مقومات تقدم الدول لكن مع الظروف الراهنة كان على الإدارة المدنية فتح منصات سياسية مدنية وتنشيط الحراك السياسي، وهذا ينبغي أن يصحبه إقامة محاضرات وندوات وفتح دورات تدريبية تثقيفية، كما ويتطلب من القائمين في المجلس المدني في منبج مواكبة كل الفعاليات وليس الإشراف عليها فقط.
