سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

احتلالُ جرابلس… توافقٌ أدّى لمزيدٍ من الاحتلالِ

رامان آزاد-

بالمطلق كانت غاية عملية احتلال مدينة جرابلس استهدافاً مباشراً لمشروعِ الحلِّ السياسيّ والديمقراطيّ للأزمة السوريّةِ، بعدما فشل وكلاء أنقرة بتنفيذِ الدورِ المُناطِ بهم، وكانت أولى التفاهمات وتجاوز الخلافاتِ بين موسكو وأنقرة، فيما تغاضت واشنطن عن التدخل التركيّ من قبيلِ الاستدراك، وكانتِ الخطوةَ العمليّةَ الممهّدة لإنشاءِ منصةِ أستانه التي صادرت فرصَ الحلّ السياسيّ، وجسّدت الأطماع التركيّة ومشروعها الاحتلاليّ. 
عملية خاطفة
بدأ جيش الاحتلال التركي عملية احتلال مدينة جرابلس الرابعة صباحاً، وخلال ساعات معدودة، انتهى الأمر بمشاركة 10 دبابات وقصف مدفعي وجويّ كان أقرب للمشهد التمثيليّ للإيحاء بأن العملية العسكريّة قائمة، لتنتهي بذلك فترة عامين لسيطرة مرتزقة “داعش” على المدينة، الأمر الذي أثار الأسئلة حول الانهيار السريع وتوقيت العمليّة والتعديل الذي أدخلته على خارطة الميدان في سوريا.
تقع مدينة جرابلس السوريّة على الحدودِ مع تركيا مباشرةً، وقد خرجت عن سيطر النظام السوريّ في تموز 2012، وتشكلت فيها مجموعة مسلحة أطلقت نفسها “أحرار جرابلس”، وفي أيلول 2013 سيطر عليها مرتزقة “داعش”، ووقعت مواجهاتٌ عديدةٌ مع العشائر، وتعرضتِ المدينةُ لقصفِ طيران التحالفِ.
 في 24/8/2016 تصدّرت جرابلس عناوين الأخبارِ مع العمليةِ العسكريّةِ الخاطفةِ التي قام بها الجيشُ التركيّ، وأحكمَ من خلالها سيطرته على المدينةِ، التي تكمنُ أهميتها في موقعها كأحدِ أهمِّ بوابات الحدودِ مع تركيا، والمدخل الأساسيّ لعبورِ الجهاديين، وفي الوقتِ نفسه هي منطلقُ مشروعِ أنقرة لإنشاءِ المنطقةِ الآمنةِ شمال سوريا، والتي كان من المزمعِ أن تشغلَ المسافةَ الواقعةَ ما بين جرابلس وإعزاز بطول يصل إلى 90 كم.
أطلقت أنقرة على عمليةِ احتلالِ جرابلس اسم “درع الفرات” واستخدمت فيها مرتزقةً سوريين، وزعمت أنّ دورَها اقتصر على تقديمِ الدعمِ الجويّ والغطاءِ الناريّ، وكذلك قال التحالف الدوليّ إنّه نفّذ غاراتٍ جويّةً لإتمامِ العمليّة. وجاءتِ العمليّةُ استثنائيّةً في أسلوبِ تنفيذها والنتائجِ السريعةِ التي تحققت خلال ساعات، رغم أنّ “داعش” كان معروفاً بعنادِه وتمسّكه بالجغرافيا. كما جاءت بعد معاركِ تحرير مدينتي منبج وكوباني. ولذلك كان واضحاً أنّ ما حدث لا يعدو عن كونه مسرحيّةً مفبركةً، قام خلالها مرتزقة “داعش” بنقلِ البندقيةِ من كتفٍ إلى أخرى وحلقوا لحاهم، واختفوا من المشهدِ. ومن جهة ثانية أدرك مرتزقة “داعش” المتغيرَ في الخطةِ التركيّةِ، فعمدت أعدادٌ كبيرةٌ منه إلى الانسحابِ من المدينةِ بعلمِ وموافقةِ المخابرات التركية” إلى مدينتي الباب والرقة.
كان لافتاً جداً اختيارُ تاريخِ العمليةِ ليتوافقَ مع معركة “مرج دابق” عام 1516، التي كانت مدخلاً لاحتلالِ السلطان العثمانيّ “سليم الأول” مدينة حلب، وبذلك أراد أردوغان توجيهَ رسالةٍ أبعدَ في دلالاتها، بربطِ الحاضرِ بالماضي، وتأكيدِ سعيه لإحياءِ التاريخِ العثمانيّ.
مسرحية في جرابلس
كانت أنقرة تتابعُ متغيراتِ الأحداثِ شمال سوريا، وأدركت أنّ من استخدمت من الوكلاءِ لتنفيذِ المهمةِ شمال سوريا قد فشلوا، ففي 13/9/2014 شنّ مرتزقة “داعش” هجوماً على مدينة كوباني، وفي 2/10/2014 كان المرتزقة قد سيطروا على نحو 350 قرية، ما تسبب بموجاتِ نزوحٍ كبيرة للأهالي. إلا أنّه خلافاً لتوقعاتِ أنقرة خاضت وحدات حماية الشعب مع حاضنتهم الشعبيّة معاركَ ضاريةً، استمرّت لمدة 112 يوماً، وأُعلنت المدينةُ محررةً من الإرهابِ في 26/1/2015، وتزامنت معاركُ التحرير مع الضرباتِ الجويّةِ المستمرةِ للتحالفِ الدوليّ.
المتغيّرُ الثاني كان عمليةَ تحريرِ مدينة منبج التي بدأت في 21/5/2016، واستمرّتِ المعاركُ ضاريةً لمدة 77 يوماً، وأُعلن تحريرها بالكاملِ في 15/8/2016، وقُتل أكثر من 1100 مرتزق، وإذ ضاق الخِناقُ على المرتزقةِ أخذوا نحو ألفي مواطنٍ كرهائن واستخدموهم دروعاً بشريّةً، ليتمكنوا من الخروجِ من المدينةِ في سلسلةٍ طويلةٍ من المركباتِ، وتوجّهوا إلى مدينة جرابلس، التي أضحت خزاناً للمرتزقة. ووسّعت قوات سوريا الديمقراطيّة الإطارَ الآمنَ حول مدينةِ منبج حتى وصلت إلى مسافةِ 16 كم من مدينةِ جرابلس.
وبذلك كانت جرابلس على موعدٍ وشيكٍ لانطلاقِ معارك التحرير، وطردِ المرتزقة، ومن مدينة كوباني أعلن عبد السلام الجادر أحد أبناء جرابلس في 22/8/2016 تشكيلَ مجلس جرابلس العسكريّ، الذي ينضوي ضمن مرتباتِ قوات سوريا الديمقراطيّة، ولم تمضِ ساعاتٌ على الإعلان، حتى تعرّض “الجادر” لعمليةِ اغتيالٍ، وارتقى شهيداً. وكان طبيعيّاً أنَّ الاستخباراتِ التركيّة هي المتهمُ الأولُ في العمليةِ.
وبمقارنةِ عملياتِ التحرير في كوباني ومنبج، والمدة التي استغرقتها، بما جرى في جرابلس يتضحُ أنّ ثمة مسرحية مفضوحة قد جرت، جهدت أنقرة ما في وسعها للتغطيةِ عليها إعلاميّاً. 

أنقرة كانت تحتاجُ الحدث

التدخلُ التركيّ في الميدانِ السوريّ كان متعددَ الأهدافِ، إلا أنّ أردوغان في تلك الفترة كان مستغرقاً في تثبيتِ حكمه، وخلقِ رأي عام تركيّ مؤيد له، فلم يكتفِ بمسرحيةِ الانقلابِ المزعوم في 15/7/2016، التي تشبهُ في أدائها ومدتها ما جرى في جرابلس، إذ لم تستغرق إلا بضعة ساعاتٍ بدأت حوالي منتصف الليل، ليخرجَ مع ساعاتِ الصباحِ “بطلاً قوميّاً”. وكان يُراد في أدنى الأهدافِ من احتلالِ جرابلس تصويره نصراً يرمّمُ شعبيّة أردوغان وحزبه.

فيما تؤكّد الشهاداتُ التي أدلى أسرى “داعش” من القياديين، أنَّ أنقرة كانتِ السببَ في توجيههم والضغطِ عليهم بفتحِ معركةِ كوباني، والتي كان تتطلعُ من خلالها إلى قطعِ التواصلِ الجغرافيّ بين مناطقِ شمال سوريا، عبر خلقِ بؤرٍ إرهابيّةٍ، ومع فشل العملية في كوباني ومنبج، ارتأت أن تتدخلَ بنفسها، لتحقيق الهدف.

إلا أن التوقيتَ التركيّ والدوليّ لم يكن متطابقاً، رغم الذريعة التركيّة التي أعلنتها زوراً والمتمثلة بمحاربة “داعش” والتصدّي للإرهابِ، وضمانِ أمنها القوميّ. واضطرّت للانتظارِ للحصول على ضوءٍ أخضرٍ أمريكيّ وروسيّ لبدءِ العملية. فعملت على ابتزازِ مراكزِ القرارِ الدوليّ.

استثمرت أنقرة التفجيرَ الانتحاريّ الذي وقع في ديلوك (غازي عينتاب) خلال حفلِ زفافٍ كرديّ في 20/8/2016، وأودى بحياة نحو 45 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، ورغم أنّ منفّذَ التفجيرِ ينتمي إلِى “داعش”، إلا أنَّ البيئة التي وقع فيها التفجير كان سببها سياسةُ الحكومةِ التركيّة، التي فتحت الحدودَ أمام المرتزقة، وسهّلت دخولهم إلى سوريا وأمّنت الدعم اللوجيستيّ لهم. فأخذت بعد التفجير دورَ الدولةِ المُعتدى عليها والمستهدفِ أمنُها.
التصالح مع موسكو
 كانتِ العلاقاتُ التركيّةُ ــ الروسيّةُ في بداية تعافيها، بعد أزمةِ إسقاطِ تركيا للطائرةِ الروسيّة سوــ 24، في 24/11/2015، والتي تلتها مرحلةٌ من التصريحاتِ الساخنةِ جداً، ثارت ثائرةُ موسكو، ووجّهت اتهاماتٍ لأنقرة، بعلاقتها مع “داعش” وعقدِ صفقات البترول معها، وطالبتها بالاعتذار والتعويضِ.
في 27/11/2015 حذّر أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين من “اللعب بالنار”، واعتبر تصريحاته الأخيرة غير مقبولة. وقال: “إننا على درايةٍ بمكرها الكامنِ وراء تعزيزِ وجودها العسكريّ في سوريا بذريعةِ إسقاطِ الطائرةِ الروسيّة”. وتابع “لسنا عديمي كرامةٍ لنشتري النفط من منظمةٍ إرهابيّة (وقصد داعش)، وعلى الذين قذفونا بهذا الافتراء أن يعوا أنّهم مُفترون”
ووصف بوتين إسقاط الطائرة بأنّه “طعنة في الظهر”. ووجّه إهانةً للقيادةِ التركيّة في خطابٍ ألقاه في أوائل كانون الأول عام 2015 وقال “إنَّ الله قد قرّر معاقبةَ الزمرةَ الحاكمةَ في تركيا فأفقدها صوابها”.
بدأت أنقرة بالنزولِ من الشجرة، بعدما أدركت أنّها بحاجةٍ إلى موسكو لتتدخلَ في سوريا، وبدأ التنازل، وفي 12/6/2016، بعث أردوغان رسالةً الى الرئيس الروسيّ بوتين بمناسبةِ العيدِ الوطنيّ الروسيّ، في بادرةٍ تصالحيّةٍ، وقال في رسالته بحسب شبكة “إن تي في”: “آملُ أن تصلَ علاقاتنا الى المستوى الذي تستحقه”. وقدّم العزاءَ والاعتذارَ.
وفي 29/6/2016 جرى اتصالٌ هاتفي بين الرئيس الروسيّ بوتين والتركيّ أردوغان واتفقا على استئنافِ التعاونِ بين بلديهما، وأمر بوتين حكومته برفعِ العقوباتِ عن تركيا في مجالِ السياحة وبدء آليّة تطبيعِ العلاقاتِ التجاريّةِ والاقتصاديّةِ مع تركيا. وفي 9/8/2016 أي قبل أسبوعين فقط من العمليةِ العسكريّةِ، التقى أردوغان بالرئيس بوتين في سانت بطرسبرغ، ولتكونَ أولى محطاته بعد محاولةِ الانقلابِ، فيما تحدثت موسكو عن موقفِ الدعمِ لأنقرة في تلك الظروف.
واشنطن تُبادرُ للاستدراك
مع تدويرِ زوايا الخلاف بين موسكو وأنقرة، وجدت واشنطن أنّ الأمورَ تمضي بسرعةٍ أكثر مما هو متوقعٌ، ولذلك بادرت إلى الضغطِ على أنقرة عبر مسألتين هما “داعش” والعلاقةِ مع الإدارة الذاتيّة ودعم قوات سوريا الديمقراطيّة، فقد بدا لها أنَّ أنقرة هي الشريكُ المشاغبُ في الناتو.
وكانت واشنطن تقرأ احتمالات التقارب التركي ــ الروسيّ ــ الإيرانيّ، وبذلك حضر نائب الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، إلى أنقرة في 24/8/2016، أي في اليومِ نفسه الذي بدأت فيه أنقرة العمليةَ العسكريّةَ في جرابلس، وأبدى تفهمَ واشنطن للدواعي الأمنيّة التركيّة. رغم أنَّ أنقرة كانت قد اتهمت واشنطن بضلوعها بمحاولةِ الانقلابِ، وأنّها تأخرت في الإعرابِ عن موقفِ التضامنِ معها. وسعى بايدن في تلك الزيارة لتبديدِ أيّ شكوكٍ حولَ علاقاتِ الولايات المتحدة مع حليفتها في الناتو، وذلك عبر مشاركة طائرات من التحالفِ، الذي تقوده الولايات المتحدةِ في معركة جرابلس.
وبالمجمل فقد أدركت واشنطن أنَّ أنقرة ما كان لها أن تبدأ العملية لولا التوافق الإقليميّ، وبخاصة مع الحديث عن إمكانيةِ فتحِ المساراتِ الأمنيّةِ وفق اتفاق أضنة 1998 وملاحقه السريّة. فأرادت استدراكَ الأمر، خشيةَ أن تخسرَ الدورَ التركيّ. وقد دلّت تصريحاتُ بايدن في أنقرة على ذلك، وقال المتحدثُ باسم البيت الأبيض جوش إيرنست عشية بدء العمليةِ العسكريّةِ التركيّةِ: إنّ بلاده “تشجعُ الأتراكَ على القيامِ بعملٍ حاسمٍ لإغلاقِ الحدودِ التركيّةِ السوريّةِ، خاصّةً هذا القسم من الحدود”.
العملية ميدانيّاً
أعلن أنقرة عن اسم العملية “درع الفرات”، وبدأتها في ساعات الفجر، واشتركت فيها المدرعات التركيّة وتأمين ناريّ عبر سلاح المدفعية والطيران المقاتل، واشتركت فيها، ودخلت قوات تركيّة خاصة يرافقها المئاتُ من المرتزقة السوريين ينتمون إلى فصائل مختلفة، مثل (الجبهة الشامية، وحركة نور الدين زنكي، وفيلق الشام، وجيش التحرير، وصقور الجبل، والسلطان مراد، واللواء 51). وزعم وزير الخارجية التركيّ مولود جاويش أوغلو أن هدف العملية محاربة “داعش” والحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة”. وروجت في وسائل الإعلام أنّ ما يسمّى “الجيش السوريّ الحر” هو الذي اقتحمها واحتلها، بالتعاون مع مسلحين تمَّ تدريبهم وتأهيلهم في معسكراتٍ تابعةٍ للجيشِ التركيّ.
كان لافتاً أنَّ الجانبَ التركيّ عمد إلى فرزِ المرتزقة السوريين المشتركين بالعملية، إلى قسمين، فالمرتزقة المنحدرون من أصول تركمانيّة تم إعطاؤهم الشارةَ الزرقاءَ، مثل السلطان مراد، فيما تمَّ تمييزُ البقيةِ بالشارة الحمراء.
مع احتلالِ المدينةِ بدأت عمليةُ إضفاءِ الطابعِ التركيّ عليها وربطها خدميّاً بتركيا وفصلها عن إطارها الوطنيّ السوريّ، وأضحت أولى المناطقِ التي تحتضنُ فلولَ “داعش” بحماية تركيا، والذين أعيدت صياغتهم وضمّهم إلى صفوفِ ما يُسمّى “الجيش الوطنيّ”، وفي صباح 28/3/2019 أفاق أهالي جرابلس على شعاراتٍ تناصرُ “داعش”، كُتبت في الليلة السابقة على جدارِ المصرف الزراعيّ. مثل “هبوا يا أنصار”، و”تحسسوا رقابكم يا صحوات”، و”الدولة الإسلامية باقية” و”سيف الخلافة باقي”.
بالمجملِ لم يكن لأنقرة أن تتجاوزَ الحدودَ، وتتدخل عسكريّاً في الأراضي السوريّة وتحتل بعض المناطق، إلا بعد ضماناتٍ من مراكز القرار الدوليّ، بغضِّ النظر، وقد كان احتلال مدينة جرابلس بداية الحصار الموسّع حول عفرين، وفصلها عن شمال سوريا، وتلته الخطوة الثانية عبر احتلال مدينة الباب، وفي 22/7/2017، والتي شهدت أيضاً فصلاً آخر من الصفقاتِ، مقابلَ أن تتعهدَ أنقرة بإخراجِ المرتزقة من مدينة حلب، وتمَّ إعلان حلب خاليةً من الإرهابِ في 22/12/2016. وهذا ما وضع الأرضيّة لإنشاء منصة أستانة، لتكونَ وسيلةَ مصادرةِ اتفاقِ جنيف والقرار الأممي 2254. فيما كان العدوانُ على عفرين واحتلالها المرحلة التالية في سياق الاتفاق الروسيّ ــ التركيّ، وفي 9/10/2019 كان العدوان على سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض.
واستمراراً لتلك التفاهمات يواصل جيش الاحتلال التركيّ القصف على مناطق الشهباء وناحية شيراوا، وريف تل أبيض وتل تمر وسري كانيه، بانتظار موافقةٍ جديدةٍ لمزيدٍ من الاحتلالِ ويمعنُ في التغييرِ الديمغرافيّ في المناطق المحتلة.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle