أهالي جل آغا يشتكون من غلاء معاينات الأطباء

جل آغا/ أمل محمد –

يشتكي معظم أهالي ناحية جل آغا التابعة لمقاطعة قامشلو من ارتفاعِ أسعارِ المعايناتِ لدى الأطباءِ، والتي تتفاوت بين طبيبٍ وآخر، وترتفعُ من فترةٍ لأخرى، دون مجيب عن سبب الارتفاع خصوصاً في ضل الوضع الاقتصادي التي تشهده البلاد.

قبل نحو 2500 عاماً يردد الأطباء قبل بدئهم مزاولة مهنة الطب قسم أبي قراط المعروف بلقب “أبو الطب” ومما جاء في القسم “أقسم أن أحافظ على هذا العهد.. سأتخذ من العلاج سبيلاً لمعاونةِ المرضى، وفقاً لما أتمتع به من بصيرةٍ وإحكام، غير متجهٍ قط إلى ضررٍ أو إساءة”، وكان ذلك القسمُ ثمرةَ تحريرِ مهنة الطب من يد الكهنة ليكون في خدمة المجتمع والناس، وأن تكون صحّة الإنسان فوق كلِّ اعتبارٍ، واليوم ما زال كثيرٌ من الأطباء يعلقون نص القسم في عياداتهم الخاصة، والسؤال كم يعملون وفق مقتضيات هذا القسم، بل إنّ بعضهم يعمل خلافاً له مستغلاً أوجاع المرضى، متاجراً بها.

ثمانية آلاف ليرة في ثلاث دقائق 

أهالي جل آغا يتذمرون من أجور المعاينة الغالية لقسم كبير من الأطباء واصفين إياهم بالتجار الذين يتاجرون بأرواحِ البشرِ. وبهذا الصدد؛ حدثنا فيصل العمر من أهالي الناحية وهو أب لخمسة أطفال والمعيل الوحيد لعائلته قائلاً: “قبل مدة من الآن أخذت طفلي البالغ عمره خمس سنوات إلى طبيب للهضم بسبب شكواه من وجع في معدته كانت المعاينة حينها ثمانية آلاف ليرة، ولم يستغرق فحصُ الطبيبِ لابني سوى ثلاثة دقائق ووصف له الدواء، والذي كلفني شراؤه 35 ألف ليرة”.

وتساءل العمر قائلاً: “هل يجوزُ ذلك، ثلاث دقائق بـ 8000 ليرة؟ أصبح جشع الأطباء أمراً غير منطقيّ، ويجب المحاسبة ووضع قوانين تمنعهم من استغلالِ الوضعِ الصحيّ الاضطراريّ للمرضى”.

فيما ذكرت الشابة شيرين ياسر أنّها تُعاني من آلامٍ في الرأسِ بسببِ مرضِ الشقيقة، وفي كلِّ مرةٍ تزورُ الطبيبَ المختصَّ تصلُ المعاينة مع الدواء إلى نحو أربعين ألف أو تتجاوزه”، وبعد الانتظار لساعاتٍ في عيادةِ الطبيبِ تستغرقُ المعاينة بضعَ دقائق مع الكثير من المال ولا جدوى من الدواء”.

وتابعت شيرين قولها: “أحياناً أضطر لتحملِ الوجع لكيلا أزورَ الأطباء الذي أصبحوا يستغلون أمراضنا لبناءِ ثروة”.

حتى الأطباء يشكون الغلاء!

يعد أبناء ناحية جل آغا من ذوي الدخل الحدود والعيادات الطبية الموجودة في الناحية قليلة ناهيك عن عدم توفر مستشفى، لذا يلجأ أهالي الناحية إلى لمدن المجاورة خصوصاً مدينة قامشلو، وهذا الأمر يكلفهم دفعَ المزيد من المال في التنقل ووسائل المواصلات، وبذلك تكلف زيارة اعتيادية لطبيب مع تكلفة الأدوية والتحاليل مع العمليات إن تطلّب الأمر، مجهوداً وعملاً لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر.

ويتساءل محمود فرحان وهو مواطنٌ في الخمسينات من عمره، من أين يأتي الفقير بتكلفةِ المعاينةِ في ظل هذه الظروفِ المعيشيّة الصعبة “لا يأبه الأطباء بوجعِ المرضى فهم أصبحوا آلة لجمع النقود لا يسمعون أنينَ المرضى في عياداتهم ولا يكترثون لملابسِ الفقراءِ المهترئة التي يرتدونها، وكأنّهم لا يُبصرون سوى ذاك الجيب الذي يضعُ فيه المريض يده لإخراجِ ثمن المعاينةِ”.

كما وحدثتنا شمسة علاء الدين بصوتٍ يغصُّ بالوجع، فهي تعيشُ لوحدها بعد وفاة زوجها ولا معيلَ لها، واليوم استدانت بعض المال وزارت الطبيب الذي بدوره حوّلها إلى المشفى لإجراءِ عمليةِ قلب مفتوح، وتسأل: من أين سآتي بتكلفةِ العمليّةِ؟ لا أدري، من تكلفةِ المعاينة إلى الفحوصاتِ الطبيّة والتحاليل، إلى العملية كل هذا يغفل عنه الأطباء”.

زوزان أوسي وهي طبيبة أمراض نسائيّة وتوليد، بررت غلاء المعاينةِ بالغلاء، وقالت: “الجميعُ يتهم الأطباءَ بالجشع ويتساءلون عن سببِ ارتفاعِ المعاينات ولكن أليس الطب مهنةً كباقي المهن؟ هو باب رزق لنا، إن نظرنا إلى كلِّ شيءٍ حولنا، فكلُّ شيء غالٍ، الطعامُ، الملابس، إذاً الأمر لا يقتصر فقط على معاينة الطبيبِ، بل الأمرُ متعلق بالأزمة الاقتصادية التي تأثر بها الجميع ومنهم الأطباء”.

وتابعت: “نعم هناك الكثير من الأطباء يستغلون المرضى ويجب محاسبتهم من قبل المعنيين بالأمر ولكن هذا لا يعني بأن جميع الأطباء يُقدمون على هذا الأمر”.

تفتقر مناطقنا لوجود عيادات طبية متنقلة، وبحال انتشرت هذه العيادات وتجولت من منطقة لأخرى فهذا سيخففُ عبء التكلفة الباهظة للأطباء عن كاهلِ المواطنين كما يتوجب وجودُ عياداتٍ مجانية في المناطق تقومُ بكشوفٍ طبيّة مع توزيعِ أدوية مجانية، في سبيلِ تخفيف الأعباء الماليّة، هي مقترحات بحلولٍ غير كاملة، ولكنها مطالبٌ محقّة من المواطنين فالصحة السليمة أحد أهم الحقوق الواردة في الإعلان العالميّ لحقوقِ الإنسان، وينبغي تحرير مهنة الطبِ من السِجالِ والمتاجرةِ، وتنظيمُ المهنةِ بما يحفظُ حقوقَ الأطباء على ألا تكونَ على آلامِ الناس وأوجاعهم، ولكن هل من مجيب؟