رامان آزاد_
عبر عنوان العشائر أخذت الأزمة مساراً جديداً، يتوافق مع هدف أنقرة بضرب الكرد والإدارة الذاتيّة، في جغرافيا أوسع تبدأ من ضفة الفرات الشرقية وحتى منبج وتضم تل تمر شمالاً وعين عيسى. كما أنّ العنوان فضفاض لتعاونٍ ــ تركيّ إيرانيّ ــ سوريّ. وتستمدّ الأحداث الحالية أساسها من البيان الختاميّ لاجتماع أستانة 20، فقد كان إعلاناً مبطناً للحربِ، والأدوارُ فيها مقسّمة بدقةٍ، باستثمار تفاصيل المشهدِ الميداني بما في ذلك التهديد الإرهابيّ ليخدم الهدف لا أن يكون عبئاً عليه.
أستانة وبيان الحرب
جاء البيانٍ الختاميّ للجولة العشرين لاجتماع أستانة الذي انعقد على مستوى نواب وزراء الخارجيّة في 20/6/2023، بتركيز عالٍ على استهدافِ الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق وسوريا، وأشاد البيان بالدور البنّاء للمشاورات ومناقشة تحضير خريطة الطريق لإعادة العلاقات بين تركيا وسوريا بالتنسيق مع وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات للدول الأربع وأشير إلى اجتماع وزراء الخارجية في 10/6/2023 وبين وزراء الدفاع في 25/4/2023. ورغم الإشارة الصريحة إلى في اجتماعات عسكريّة وأمنيّة، إلا أنّه لم تُعلن صيغة خريطة الطريق وعلى حساب من.
ورغم أنّ المنطقة التي يقصدها بيان أستانة لا تتوفر فيها مقومات الانفصال إلا أنّ تعبيرَ “الانفصاليّة” ذُكر أربع مرات في البيان، ووردت عبارة “مجابهة الأجندات الانفصاليّة” مرتين. فيما الإشارة إلى الاعتداءاتِ الإسرائيليّة مرة واحدة، وكان لابد من التطرق إلى إدلب باعتبارها ذات حساسيّة بالغة بالنسبة لموسكو ووجود “جهاديين” من الجنسية الروسيّة فيها.
وفيما أُشير إلى مكافحة الإرهابِ، فلم يُحدد المقصودُ بهذا التوصيف، بل أُسقطت العبارة وتم نسخها، عندما تكررت في سياق عبارة أخرى، أشارت إلى رفضِ المجتمعين “جميع المحاولات الرامية لخلق وقائع جديدة على الأرض، بما في ذلك عن طريق المبادرات الغير شرعيّة للحكم الذاتيّ تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. فقد اُعتبرت مكافحة الإرهاب مجرد “ذريعة” لإيجاد صيغة حكم ذاتيّ غير شرعيّة، وليست خطراً حقيقيّاً مستمراً عابراً للحدود.
لا معيارَ واضحاً لمعنى الشرعيّة! الي تفتقرها الإدارة الذاتيّة. وهل السوريون الذي حاربوا الإرهاب على مدى سنوات حتى جيب الباغوز في 23/3/2019، يحتاجون جهة تمنحهم شرعيّة أن يكون سوريين؟ والمسألة الأهم، أنّه من حق السوريين الذي ارتقى من بين صفوفهم أكثر من 12 ألف شهيد توظيفُ انتصارهم على الإرهاب وطنيّاً، بل إنّ تحرير الأرضِ والإنسان من سيطرة مرتزقة داعش، هو منطلقُ الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وليس العكس.
وجاء في البيان عزم الدول “على مواصلة العمل المشترك في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ومجابهة الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها والتي تهدد الأمن القوميّ لدول الإقليم المجاورة”، في ظاهر العبارات ذات توصيف سياسيّ فضفاض، ولكن الأكثر أهمية يتعلق كيفية تفسير العبارات، وهي تنطوي مغالطة كبيرة، لأنّ الأمن القومي التركيّ لم يتعرض لأدنى درجة من التهديد.
ولم يذكر بيان أستانة كما سابقاته أدنى إشارة إلى الاحتلال التركيّ لمناطق سورية وحجم الانتهاكات المروع فيها، ولا نقل سوريين إلى الأراضي التركي وسجنهم ومحاكمتهم وفق قوانين تركيّة، ولا فرض التتريك وإجراءات الربط الاقتصاديّ والأمنيّ.
وتنبى بيان أستانة أقصى درجة العدائيّة، وكان قراراً مبطناً بالحربِ بانتظارِ التوقيت، رغم أنّه جاء م بعد شهرين من طرح الإدارة الذاتيّة مبادرة سياسيّة لحلّ الأزمةِ السوريّة في 18/4/2023، وتضمنت تسع بنود في مقدمها “التأكيد على وحدة الأراضي السوريّة وضرورة حلّ المشاكل التي تعيشها سوريا في إطار وحدة البلاد، والاستعداد للقاء حكومة دمشق والحوار معها ومع جميع الأطراف”. وأكدت المبادرة على أنَّ الثروات والموارد الاقتصادية الحالية يجب أن توزع بشكل عادل بين كل المناطق السوريّة، ورغم ذلك جدد بيان أستانة اتهاماته للإدارة الذاتيّة، وكأن الخارجية التركيّة هي التي قامت بصياغته.
