الاحتجاجات الطلابية تتصاعد في تركيا

قامشلو/ دجوار أحمد آغا ـ

تتزايد يوماً بعد يوم الاحتجاجات في المجتمع التركي ضد سياسات التحالف الفاشي الحاكم في تركيا والمؤلف من AKP وMHP هذا التحالف الذي يوجد جيل كامل في تركيا فتح عينه عليه ولا يعرف سواه ممثلاً بالطاغية اردوغان.

 تجاوز القانون

 الاحتجاجات التي طغى عليها في الآونة الاخيرة الطابع الشبابي والجامعي والتي انطلقت من جامعة البوسفور (بوغازجي) في إسطنبول، يكشفها الطلبة الذين أصبحوا محبطين من الوهم الذي عيشهم فيه أردوغان واقتنعوا بأن التحالف الحاكم لم يعد لديه ما يقدمه لهم بعد أن باع المؤسسات والمرافق العامة والبنية التحتية للدولة إلى الشركات الأجنبية.

هذه الاحتجاجات وصلت إلى جامعات ومعاهد أنقرة وأزمير وأضنة, شارك فيها أساتذة الجامعات وهم يرتدون عباءاتهم، متظاهرين في ساحات الجامعات, كما نشر أكثر من 147 مفكراً وأديباً تركياً، من بينهم (أورهان باموق – إسماعيل بيشكجي – يالجين كوجوك) بيان دعم لمطالب الطلبة، وهي مطالب تدعو إلى احترام القانون الذي خرقه أردوغان بإجراء غير قانوني أو ديمقراطي من خلال تعيينه ميليح بولو رئيساً للجامعة وهو ناشط في حزب أردوغان لأنه من حق كل جامعة أن تنتخب رئيسها لا أن يتم فرضها عليه وهو ما ألغاه أردوغان بعد مسرحية محاولة الانقلاب التي صنعها بنفسه وسهل لها في 15 تموز 2016, علماً بأنه عين 27 رئيساً لجامعات مختلفة في أنحاء متفرقة من تركيا خلال عام 2020، إضافة إلى تعيينه 12 رئيساً خلال الشهريين الأولين من العام الحالي 2021.

العنف المفرط ضد الطلبة

 مع بدء هذه الاحتجاجات في الرابع من الشهر الأول من العام الحالي, واجهت السلطات الحاكمة في تركيا هذه الحركة الطلابية بالاعتقال والملاحقة واستخدمت خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع واعتقلت منذ ذلك التاريخ أكثر من 600 شخص في مختلف مناطق البلاد.

بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية التركية فإنه قد أطلق سراح 498 شخصاً، ولا زال الباقون قيد التحقيق والاستجواب لدى الشرطة. لكن الحقيقة غير ذلك, فبتاريخ الثاني عشر من شباط الحالي وفي حي كادي كويه (الشطر الأوروبي من أسطنبول) لوحده اعتُقل 104 أشخاص إلى جانب حملة الاعتقالات المستمرة في سائر الجامعات.

واقتحمت شرطة مكافحة الشغب بوحشية التظاهرات الطلابية ووصلت إلى حد جر المتظاهرين وركلهم في أماكن متفرقة من أجسادهم والاعتداء عليهم بالهراوات. أمام هذه الممارسات التعسفية من جانب قوى السلطة الحاكمة بحق المتظاهرين, توسعت التظاهرات والاحتجاجات لتشمل نواباً في البرلمان وشخصيات فعالة ومؤثرة من المجتمع المدني.

كما أظهر المحامون والفنانون والمعارضون للتحالف الحاكم دعمهم للتظاهرات من خلال استخدام هاشتاغ “لن نغمض أعيننا”. هذه العبارة التي جاءت في أعقاب كلام صادر عن ضابط شرطة بثياب مدنية لأحد الطلبة المتظاهرين قائلاً: “اخفض عينيك” فما كان من المتظاهرين إلا أن جعلوا من هذا الكلام هتافاً بالقول “لن نخفض أعيننا, الجامعات لنا”.

التظاهرات تُطالب باستقالة بولو وإعادة العمل بالآلية القديمة لتعيين رئيس الجامعة من خلال مشاركة كافة مجالس الجامعة بالقرار, بالإضافة إلى مطالبتهم بإطلاق سراح رفاقهم المسجونين.

هذا وكان الطلاب ورابطة الطلبة السابقين وجزء من الهيئة التدريسية في الجامعة قد أداروا ظهورهم لبولو وهو يلقي خطاب تنصيبه رئيساً للجامعة بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية.. ” الجامعات لنا”, “لا نريد عميداً مظلياً” هذه كانت ولا زالت هتافات الطلبة.

الاعتراضات على هذا التعيين

 تنطلق الاعتراضات على قرار تعيين بولو ليس فقط من كونه مقرباً وتابعاً لأردوغان فحسب, بل حتى وفق المعايير والمقاييس الأكاديمية نجد اعتراضات عليه من قبل الوسط الأكاديمي، وخصوصاً من هيئة تدريس وإدارة جامعة البوسفور، على اعتبار أن ثمة من هم أحق منه وأجدر بتولي هذا المنصب الأكاديمي المرموق، خاصة وأنه تعيين حزبي ومن خارج إطار الجامعة وإرادة كادرها التعليمي وطلبتها، ما يطعن في حرية واستقلالية الجامعات، ويؤثر سلباً على نزاهتها وجدارتها العلمية والبحثية.

أجمعت مختلف أحزاب وقوى المعارضة على رفض هذا التعيين والسياسة القمعية بحق طلبة الجامعة وأساتذتها الرافضين الخنوع لمصادرة حرية واستقلالية جامعتهم، حيث قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري: “لم نطلق عن عبث وفراغ على هذا النظام وصف نظام وصاية الرجل الواحد”.

أما رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، فأكد، في رسالة للجامعة، وقوفه مع نضال الطلاب والأكاديميين ضد التدخل السلطوي في شؤونها.

وصرح العديد من مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطية بتصريحات مؤيدة لتظاهرات الطلبة المحقة، كما بعث رئيس الحزب السابق صلاح الدين دميرتاش، المسجون تعسفياً منذ نحو خمسة أعوام بقرار من نظام أردوغان، برسالة تضامن مع الطلاب والأكاديميين المنتفضين ضد الاستبداد وتسييس الفضاء الأكاديمي.

من جانبه، انتقد زعيم حزب المستقبل التركي أحمد داوود أوغلو، تعيين أردوغان شخصاً من حزبه ومرشحاً سابقاً في البرلمان رئيساً لجامعة؛ بالقول: “الجامعات ليست أمكنة بلا أرواح، هي إقليم للعقول التي تتغذى من الحرية”.

وبدوره صرّح علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم: “ينبغي أن تتمتع الجامعات بإدارة ذاتية، فبلادنا بحاجة إلى أكاديميين وعلماء أحرار وإلى طلاب منتجين. الحرية والإنتاج لا يتحققان في ظل تعيين رؤساء الجامعات عبر الوصاية. لا نريد عمداء بالوصاية بل نريد أكاديميين أحرارا”.

من هو ميليح بولو؟

 من مواليد 1970 خريج كلية الهندسة بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة, عمل مهندسًا لفترة في مجال الصناعات الدفاعية، في شركات لإنتاج حاملات أفراد مدرعة، ومنصات جوية، كما قدم الاستشارات الاستراتيجية والإدارية لشركات مختلفة في قطاع الإنتاج والخدمات.

انخرط بولو مبكراً في العمل السياسي وهو لا يزال طالبًا بجامعة الشرق الأوسط التقنية، فانضم للحزب الديمقراطي الليبرالي ومن ثم ترأس أمانة الشباب فيه, بعدها انتقل إلى صفوف حزب العدالة والتنمية سنة 2002 واستلم شعبة الحزب في منطقة “ساري ير” بإسطنبول أثناء فترة رئاسة أردوغان لبلدية إسطنبول والذي رشحه فيما بعد لرئاسة بلدية “آتاشهير” في إسطنبول وأصبح تابعاً مخلصاً لأردوغان.

ما هي أهمية جامعة البوسفور؟

 يُذكر بأن جامعة البوسفور (بوجازيجي) تأسست عام 1863، وهي واحدة من أعرق المؤسسات التعليمية العامة في البلاد, حيث تُعرف بـ”هارفرد التركية” التدريس فيها يكون باللغة الإنجليزية، ويأتي ترتيبها العالمي في تصنيف الجامعات بالمرتبة 625 وعدد أعضاء هيئة التدريس فيها 850 دكتوراً ومعيداً جامعياً ويبلغ عدد طلابها 17 ألف طالب وطالبة، يدرسون في خمس كليات هي (الفنون والعلوم – الاقتصاد والعلوم الإدارية – اللغات الأجنبية – الهندسة – التعليم) وستة معاهد متنوعة.

وخرجت الجامعة قسماً كبيراً من النخب السياسية الحاكمة وحتى المعارضة على حد سواء. موقعها الجغرافي المتميز يعزز مكانتها, مبانيها التاريخية التي تقع في قلب حديقة ضخمة مشجرة تطل على مضيق البوسفور في حي بيبيك الراقي على الجانب الأوروبي من إسطنبول يجعل منها وجهة وقبلة الطلبة المتفوقين والمتميزين على مستوى عموم تركيا.