اتفاق ناغورنو قره باغ.. الرابح والخاسر ومصير المرتزقة السوريين هناك

إعداد/ صلاح إيبو-

---

تتعدد الأطراف الخاسرة في صراع قره باغ الذي توج باتفاق روسي تركي لصالح أذربيجان، روسيا اليوم سحبت البساط من تحت أقدام الأرمن؛ حيث يستذكر فيه تاريخ الإبادة الأرمنية على يد العثمانيين، لكن الحسابات السياسية من الاتفاق يصب بمجمله في صالح تمكين تركيا في القوقاز وحصار إيران التي لا يزال الرهان الأمريكي على لجمها مستمراً.

بعد نحو ستة أسابيع من المعارك في ناغورنو قره باغ، حرق الأرمن منازلهم بأيدهم نتيجة توقيع الجانبان، الأرميني والأذربيجاني، اتفاقاً لإنهاء النزاع وانسحاب أرميني من بعض المناطق في الإقليم المتنازع عليه. في هذا الاتفاق الذي أشرفت عليه موسكو، ظهرت أذربيجان كمنتصر، إذ سيتم وقف إطلاق النار، وبالمقابل ستحتفظ بكل الأراضي التي استحوذت عليها، لكن مصير المرتزقة السوريين المقاتلين هناك، لم يوضح بعد، لذا طالب خبراء في الأمم المتحدة بسحب المرتزقة من أذربيجان.

مصير المرتزقة السوريين بعد وقف إطلاق النار

دعت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بقضايا المرتزقة أطراف النزاع في قره باغ، إلى سحب جميع المرتزقة الأجانب من المنطقة. وكتبت المجموعة في بيان لها: “نحث الأطراف المعنية على سحب أي مرتزقة وأشخاص مرتبطين بهم على الفور ووقف تجنيدهم وتمويلهم وتنسيبهم”.

وأشار فريق الأمم المتحدة المعني بالمرتزقة، الذي يتألف من خمسة خبراء مستقلين، إلى أن الحكومة الأذربيجانية تعتمد بمساعدة تركيا على المسلحين السوريين لدعم ومواصلة العمليات العسكرية في منطقة النزاع، بما في ذلك خط المواجهة.

وتابع، أن “الدافع الأساسي للمسلحين هو تحقيق مكاسب خاصة، لأنه في حال مقتلهم، ورد أن أقاربهم يحصلون على تعويض مالي وجنسية تركية”.

وأفادت التقارير، بأن “تركيا قامت بتجنيد ونقل رجال سوريين إلى أذربيجان بالتعاون مع الجماعات المسلحة المرتبطة بالفصائل السورية المسلحة المعارضة، وبجماعات مسلحة وأفراد اتهموا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا”.

الوضع الآن على الأرض

الأراضي التي ستبقى لأذربيجان تضم مدينة شوشة التاريخية والاستراتيجية الواقعة على طريق يربط أرمينيا بعاصمة “ناغورنو” ستيباناكرت، إضافة إلى عدد من المحافظات السبع التي تشكل الخط الأمني للأرمن منذ التسعينيات، منها جبرائيل وفوزيلي. وعلى أرمينيا التخلي عن محافظات أخرى كانت قواتها تسيطر عليها في التسعينييات، هي: كلبجار، بحلول 15 نوفمبر الجاري، وأغدام، في موعد أقصاه 20 من الشهر نفسه، ولاتشين، حتى الأول من ديسمبر المقبل.

وأرسلت روسيا قوات حفظ للسلام للمنطقة، لتبقى هناك لمدة خمس سنوات، فيما قالت تركيا أنها ستشارك في قوات حفظ السلام أيضاً، لكن الجانب الروسي نفى ذلك، وبالتزامن مع ذلك فوض البرلمان التركي الجيش للمشاركة في حفظ السلام في قره باغ.

رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، قال عبر صفحته في فيسبوك إنه وقع اتفاقاً “مؤلماً”، لكن القرار فرض نفسه بسبب التقدم الذي حققته القوات الأذربيجانية إضافة إلى أن الجيش طالب بذلك، وكتب أنه “فشل كبير بالنسبة لنا، كارثة كبيرة، حزن كبير للأرواح التي فقدت”.

وساد جو من عدم الرضا في أرمنيا صحبه تظاهرات عدة طالبت الحكومة بالاستقالة في ظل خسارة معركتها مع أذربيجان، ويُشير مراقبون إلى إمكانية حدوث انقلاب عسكري في أرمينا.

مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، أولغا أليكر، قالت لوكالة فرانس برس، إن هذا الاتفاق “ليس معاهدة سلام شامل”، مشيرة إلى أن “الكثير من التفاصيل لا تزال مبهمة”.

وما بين الخسارة السياسية والعسكرية، التي راح ضحيتها قرابة أربعة آلاف شخص؛ يقول هاكوب مقديس، المحاضر الجامعي في أكاديمية “الإدارة العامة” في أرمينيا، إن الاتفاق لم يكن مفاجئاً.

ويقول مقديس، الذي يقيم في العاصمة يريفان، في تصريحات لـ “موقع الحرة” إن السلطات الأرمينية أشارت في الخامس من تشرين الثاني إلى أن القوات الأذربيجانية بدأت بهجومٍ عنيف، وكان على أكثر من خط جبهة، على طول خط التماس في “قره باغ”.

ويشير إلى أن “الطرف الأذربيجاني لا يقاتل وحيداً، وتوجد وقائع على الأرض … الطرف الأذربيجاني يقاتل بكامل عتاده وماله، وتسانده مرتزقة”، وجميع هذه العوامل دفعت إلى خروج سيطرة أرمينيا على الأرض”.

تفاهمات تركية – روسية

ولم يرد في وثيقة الاتفاق، الذي وقعته أذربيجان وأرمينيا وجود لدور تركي في المرحلة اللاحقة، ولكن وفق مصادر أذربيجانية وتركية، فإن أنقرة سيكون لها دور في الشراكة مع روسيا فيما يتعلق بحفظ السلام.

وقال الرئيس التركي إن قوات بلاده ستتواجد في أذربيجان، فيما كتب وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، على تويتر “حققت أذربيجان مكاسب كبيرة على الأرض وعلى طاولة المفاوضات. أهنئها بكل صدق على هذا النجاح”.

إن التفاهمات ما بين أنقرة وموسكو في ساحة جديدة، مثل القوقاز، ستعزز من التعاون بين الطرفين في ساحات أخرى، مثل سوريا وليبيا.

وأشار تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” إلى أن هناك تفاهمات بين الرئيسين الروسي والتركي، فيما يتعلق بالطرق الاستراتيجية للنقل عبر أراضي أرمينيا وأذربيجان، وأضاف التقرير أنه لا يوجد أي سبب يدعو تركيا لأن يكون لها دور في الصراع في القوقاز، وما تقوم به هناك يكافئ “العدوان”.

ماذا بقي لأرمينيا؟

ورغم عدم نجاح أذربيجان باستعادة كافة الأراضي التي خسرتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا أنها أعادت السيطرة على جزء منها.

وسيكون، ممر لاتشين، الصلة الوحيدة لأذربيجان مع أرمينيا والنقطة الأساسية لتموين إقليم ناغورنو قره باغ من أرمينيا.

ويُشير بعض الأرمن المتواجدون في سوريا إلى أن الموقف الروسي كان ضبابياً، رغم وجود اتفاقيات دفاع مشترك بين روسيا وارمينيا، وقيام الجيش الأذربيجان بإسقاط مروحية روسية على الأراضي الأرمنية خلال المعارك، إلا أن الاتفاق الذي رعته روسيا لا يصب في صالح أرمينيا.

وقال العديد منهم بأن الإبادة التي عانها الأرمن في تركيا على يد العثمانيين قبل قرن تجدد اليوم، ولروسيا دور كبير في دعم الإبادة هذه.

الدور الروسي

بدأت روسيا، الثلاثاء، نشر نحو ألفي جندي لحفظ السلام في ناغورنو قره باغ، للتحقق من احترام وقف المعارك وتضم 90 ناقلة جند مدرعة و380 آلية ومعدات متخصصة على طول “خط التماس” أي على طول الجبهة الأرمينية – الأذربيجانية.

وكشفت وزارة الدفاع الروسية يوم الأربعاء أنه سيتم إنشاء 16 نقطة مراقبة على طول خط التماس في إقليم قره باغ، مؤكدة وصول الدفعة الأولى من عناصر قوات حفظ السلام الروسية إلى المنطقة.

فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو وأنقرة وقعتا مذكرة لإطلاق مركز مشترك لمراقبة وقف إطلاق النار في قره باغ.

الخاسر الإقليمي

تُشير كافة المعطيات السياسية والعسكرية على الأرض، أن الخاسر الأكبر هي أرمينيا، إلا أن إيران لا تقل خسارة عنها، إذ بعد ضمان تركيا تبعية أذربيجان الشيعية إلى جانبها، سيشكل ذلك طوقاً حول إيران، وبالتالي زيادة عزلتها وحصارها، وهو ما يتفق عليه كلٌّ من تركيا وأمريكا رغم الخلافات الظاهرية.

ويرى مراقبون أن تركيا التي تقيم علاقات حسن جوار مع إيران، تحاول استثمار المتغيرات السياسية مستقبلاً لصالح تمددها في المنطقة وبهذا لن تتردد في دعم الجهود الأمريكية الرامية لإضعاف إيران وربما يكون صراع قره باغ بداية التنفيذ.