عمالة الأطفال في تزايد وهيئة الشؤون الاجتماعية تمتنع عن الرد

تقرير/ رشا علي-

أعمارهم لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً, ويشعرون بروح المسؤولية، يعملون لأجل إعالة أسرهم، تاركين أحلامهم وراء ظهورهم مع أمنيات جديدة ربما تغير حال أسرهم، الفقر والعوز من الأسباب الرئيسية لعملهم رغم وجود قوانين تمنع عمالة الأطفال، فهل من رقيب أو حسيب؟

روناهي/ قامشلو – أفرزت الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية التي توالت على سوريا منذ عقد من الزمن الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية، ومن بين تلك الظواهر ارتفاع نسب عمالة الأطفال، ما أدى إلى تخلي البعض عن مقاعد الدراسة والبحث عن تأمين قوت عائلاتهم, فبشروق شمس يوم جديد يتوجه ملايين الأطفال لمقاعد الدراسة أو التنزه في عطلة نهاية الأسبوع، أما يوم هؤلاء يباشر بالعمل.

ممارسة العمل في المهن الصعبة

يعمل الطفل “ح.ع“، اثني عشر عاماً، في محل لتصليح المولدات بمنطقة الصناعة منذ ما يقارب الشهرين، ويتقاضى لقاء عمله اثني عشر ألف ليرة سورية أسبوعياً، ورغم صغر سنه لكنه وجد نفسه مرغماً على العمل لمساعدة والده وإعانة أسرته المقيمة في قامشلو.

فضل الطفل عدم ذكر اسمه الصريح أثناء لقائه لنا “أعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى الثالثة عصراً، إنه عمل شاق ولكن ما أتقاضاه لقاء عملي قليل ولا يسد حاجتنا اليومية بسبب ارتفاع الأسعار”، هذا طفل من بين عشرات الأطفال العاملين في المنطقة الصناعية في قامشلو وربما الآلاف مثله موزعين في أسوق المدينة وضواحيها يعملون أعمال تفوق قدراتهم الجسدية.

هنا انتهت أحلام “ح.ع ” كما هو الحال بالنسبة لمئات من أصدقائه, الذين أجبرتهم الظروف على ترك مقاعد الدراسة والتوجه للعمل، والمفارقة أن العديد من الأطفال العاملين في الصناعة، ربما يساهمون في إصلاح السيارات التابعة للجهات الإدارية التي سنت قوانين تمنع عمالة الأطفال، فمنْ سيطبق القانون؟

ضحَّى بدراسته لأجل إخوته

أما الطفل( محمد أبراهيم خليفة) البالغ من العمر ١٤ عاماً، من حي العلايا، لديه شقيق وشقيقة وهو أكبرهما، تخلى محمد عن حلمه في مواصلة التعليم من أجل الإنفاق على إخوته الصغار ومواصلة تعليمهم، يقول “أنا الآن أعمل في الصناعة، لقد ضحيت بدراستي من أجل أن يواصل إخوتي تعليمهم، وأتمنى لهم مستقبلاً مشرقاً وزاهراً”.

العمل بمهنٍ أكبر من قدراتهم الجسدية

وفرنا فرصة عمل وملجأً لبعض الأطفال، ومنحناهم فرصة لتعلم مهنة في وقت ارتفعت فيه نسب البطالة في المجتمع كثيراً، هذا ما يقوله “شيركو نبيل شيخموس” صاحب ورشة مولدات في الصناعة، ويضيف قائلاً: “إن الأطفال الذين يأتون للعمل هنا، بعضهم لا يحبون الدراسة ويتعلمون مهناً صناعية وتكون برغبتهم، فهذه المهن ستساعدهم كثيراً في المستقبل، والآن تساعدهم لإعالة أسرهم بأجورهم الأسبوعية”.

أشار شيخموس ضمن حديثه بأن العمل مفيد من جهة لهؤلاء الأطفال، مع وجود شيء من الصعوبة فيه، لكن يفيدهم لابتعادهم عن الشوارع وحمايتهم من الوقوع في الأخطاء كبيع الدخان والأشياء الممنوعة، ويقومون بتعليمهم بضمير ومهنية من أجل تأمين مستقبلهم.

وعما يتقاضاه الأطفال لقاء عملهم وعن مدى إرادتهم وعزمهم بالعمل ذكر لنا شيخموش: ” ندفع لكل طفل حسب إمكاناته وخبرته في العمل, فنحن نتعجب من قوة وإرادة هؤلاء الأطفال على العمل, فرغم صغر سنهم إلا أن رغبتهم على العمل وتعلم المهن كبيرة”.

ملايين الأطفال مضطرون لمساعدة ذويهم في سوريا

لم نستطع التواصل مع كافة الاطفال، فالبعض لم يرغب بالحديث معنا والبعض تهرب، وحتى أن بعض أرباب العمل منعنا من التصوير أو اللقاء بالأطفال العاملين، لذا لا يمكننا تحديد نسبة عمالة الأطفال في مناطق إقليم الجزيرة، والذي بات واضحاً أن أعدادهم ازدادت كثيراً، نتيجة نزوح الكثير من العوائل إثر هجمات الاحتلال التركي على مناطق شمال وشرق سوريا، فمعظم تلك العوائل النازحة تواجه مشاكل في تأمين السكن والاحتياجات اليومية للأسرة، مما أجبرهم على الدفع بأبنائهم للعمل ومواجهة ظروف الحياة القاسية.

وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة نشر في آب العام المنصرم أوضح معاناة حوالي 20 ألف طفلٍ دون سن الخمس سنوات من سوء التغذية الحاد والشديد في سوريا، وأن 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يدفع بأطفال لا تتجاوز أعمارهم الثلاثة أعوام إلى العمل أو التسوّل بحثاً عمّا يسدّ رمق العائلة.

لا تملك العديد من المنظمات المعنية بشؤون الطفل أية مشاريع لإيجاد حلول ولو جزئية لهذه الظاهرة، بل يقتصر نشاطها على أطفال المخيمات، مما أدى إلى حرمان أطفال كثيرين خارج المخيمات من الحلول الممكنة. لكن وعلى الرغم من أن معظم الأطفال باتوا في سوق العمل لأسباب خارجة عن إرادتهم، إلا أن هناك شريحة محددة من الأطفال لا يمكن تجاهلها وهي الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة برضاهم، أي أنهم لم يرغموا على ترك المدرسة.

وقوف العمل في وجه تعليمه

و في السياق نفسه التقينا مع طفل من سكان مدينة حلب نزح إلى مدينة قامشلو، (ف. س)؛ البالغ من العمر١٤ عاماً، وهو أكبر إخوته ويعمل في بيع المحارم في شوارع السوق بمدينة قامشلو، يعمل لمساعدة أهله في تأمين احتياجات المنزل من غذاء ومواد وغيرها من المستلزمات، إضافة إلى دفع اجار المنزل الذي يسكنون فيه، فبين لنا قائلاً: أتمنى أن أذهب إلى المدرسة وأن أواصل تعليمي مثل بقية الأطفال ولكن الظروف غير مساعدة، درست حتى الصف الثالث عندما كنا في مدينة حلب.

حلمه أن يصبح تاجراً

وبمتابعة جولتنا في مدينة قامشلو وإذا بطفل يبيع المحارم والسيف والليف، إنه من مدينة إدلب ونزح إلى مدينة قامشلو منذ ثلاث سنوات، لديه ثلاث أخوات وهو أكبرهم، “ع. ك” ذو الثلاثة عشر ربيعاً، حيث كانت أكبر أمانيه أن يصبح تاجراً، بحسرة نابعة من القلب يقول: “أنا لا استطيع الذهاب إلى المدرسة لأنني أعمل، وأتمنى من جميع الأطفال تكميل تعليمهم ليصبحوا أطباء ومهندسين، لكن الدراسة ليست للفقراء”.

لوضع حد ومعرفة قوانين تخص هؤلاء الأطفال

ولمعرفة قوانين عمالة الأطفال والإجراءات التي تتخذ للحد منها في مدينة قامشلو ونسبة العمالة في صفوف الأطفال, وبالأخص الأطفال النازحين؛ توجهنا إلى هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل ولكن لم نحصل على تصريح بهذا الخصوص وامتنعوا عن إعطاء المعلومات المطلوبة بدون إبداء عذرٍ مقنع أو حجة.

لا يخفى على أحد ما للإعلام من دور لنشر الوعي لدى الأسرة والمجتمع معاً, ولبيان اهمية الطفولة وضرورة الاهتمام بقضاياها وبيان احتياجاتها ومشاكلها, والتأثير على الرأي العام فيجب استثمار هذا التأثير من أجل القضاء أو تقليص مساحة عمالة الأطفال.

ويُشار إلى أن مصطلح عمل الأطفال هو حرمان للأطفال من الطفولة والكرامة والإمكانيات الحياتية , ويلحق ذلك ضرراً جسيماً بنموهم البدني والعقلي على حد سواء بالإضافة الى انطواء ذلك على استرقاقهم وإبعادهم عن أسرهم , وبالتالي زيادة فرص إصابتهم بأمراض خطيرة وأخطار تحف حياتهم, كما ينجم عن ذلك تركهم للاعتماد على ذاتهم في ضجيج شوارع المدن لإعالة أنفسهم في وقت مبكر جداً من الطفولة.