قفزة 15 آب يوم الانبعاث

كوثر مارديني –

لكل الشعوب المظلومة والمضطهدة يوم عظيم تستفيق فيه من نومها وعبوديتها لتثور ضدّ من سلب حريتها وكرامتها وإرادتها ولتبني حاضرها ومستقبلها على ذلك النضال وتلك المقاومة، وربّما لم يحظَ شعب على وجه الأرض بنضال طويلٍ وشاقٍ مثل الشعب الكردي الذي ناضل في سبيل إثبات وجوده، الذي يمتد جذوره في عمق التاريخ، لذلك كان هذا اليوم يوم 15 آب يوم الانبعاث يوم التمرد على الواقع الأليم الذي عاشه الكرد منذ آلاف السنين، فأعداؤه المحتلين لأرضه حاولوا صهره وإنهاء وجوده الطبيعي على أرضه التاريخية وحاربوه بشتى الوسائل لإنهائه وإبادته.

لقد كاد الكرد أن يُقتلعوا من جذورهم المتغلغلة في قدم التاريخ لأن الحكومات المتعاقبة كان جلّ اهتمامها منصب حول تتريك وتفريس وتعريب الكرد كي تتم صهرهم، وفي تركيا هم ليسوا سوى (أتراك الجبل) ولقد استطاعت هذه الأنظمة إضعاف الهوية الكردية، فبات القليل منهم يتحدث بلغته الأم خشية السجن والتعذيب وكادوا ينسون أصلهم ككرد أما التراث والثقافة الكردية فتحولت إلى فلكلور تركي حيث تلاعب به الأتراك كما يشاؤون، وفي جبال كردستان ووديانها يكتب (يكفي أن تكون تركياً كي تكون سعيداً).

إن قفزة الخامس عشر من آب هو يوم ميلادٍ جديد للشعب الكردي الأصيل على أرضه التاريخية، هو يوم الانبعاث من الموت المحتم يوم الكريلا العظيم الذي تفجرت فيه الروح الثورية تلك الروح التي حققت النصر، هي روح عكيد وكل الشهداء الذين ساروا على دربه هي خط المقاومة والنصر والحرية.

في هذا اليوم وضِعت اللبنة الأساسية للنضال التحرري الذي خاضه الكرد على مدى أربعة عقود متواصلة، وما زالت المقاومة مستمرة بفضل هذه الفلسفة وهذه الروح الثورية المناضلة، التي تعمل من أجل خلاص شعوب الشرق الأوسط كلها التي عانت وما زالت تعاني الظلم والاستبداد تحت أيدي الديكتاتوريات المتحكمة بمصيرها وحريتها.

لقد تجسدت تلك الفلسفة وترسخت مقاومتها في روج آفا واتخذ أبناؤها صاحب أول طلقة في 15 آب الشهيد عكيد قدوةً لهم، ومثلاً أعلى في المقاومة والبطولة، وخير من مثل روح الشهيد عكيد ورفاق دربه بالنضال والمقاومة هم وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية، التي قهرت داعش أشرس عدو للإنسانية وهي خير دليل على استمرار تلك الفلسفة التي ظهرت وتجلّت في ملحمة كوباني وعفرين وفي تحرير الرقة ومنبج والطبقة، وكل أراضي الشمال والشرق السوري من براثن داعش.

ولا تزال المقاومة، الإرادة وحب الحرية مستمرة إلى هذا اليوم، على الرغم من الهجمات الكثيرة والقوية التي تشنها الدولة التركية الفاشية ومن والاها من المرتزقة في محاولاتها في إنهاء الوجود الكردي، واحتلال أراضيه وتغيير ديمغرافية مدنه وقراه وارتكاب المجازر وسرقة ممتلكاته، ومع كل ذلك ضمن الكرد وجودهم وحقهم الطبيعي في أرضهم ووطنهم، والعدو يرى موته وفنائه في انبعاث الشعب الكردي المالك الحقيقي لهذه الأرض، فهو يعرف أنه محتل ويعيش على أرض ليست له وقد بنى دولته على جماجم وجثث الشعوب الأصيلة في المنطقة.

قفزة الخامس عشر من آب أصبحت بطاقة تعريف للشعب الكردي في وجه جميع سياسات الإبادة والاستعمار والإنكار في جميع أجزاء كوردستان، لأنها حطمت وكسرت قرار الموت الذي فرض على شعبنا الكردي، وأصبح إلهاماً للشعوب التواقة لحريتها، لذلك نبارك هذا اليوم العظيم على شعبنا الأبي في كل مكان والمجد والخلود لأرواح شهدائنا الخالدين ولأبطال الكريلا ولا بد لشمس الحق أن تظهر في النهاية.