من ذاكرة إيزيدية شهدت على فرمان الـ 74 الذي حصل بحق الشعب الإيزيدي عام 2014 أحداث لن تُنسى، لتجهل مصير ابنتها وبعض أفراد عائلتها بعد مرور ست سنوات على الفاجعة.
المرأة الإيزيدية هي الأكثر تضرراَ من الإبادة التي تعرّض لها الشعب الإيزيدي في شنكال من قبل مرتزقة داعش بتاريخ 3 آب 2014 ليكون الفرمان 74 الذي ذاقوا منه الويل، فأصبحت ذاكرة الإيزيدية مرجع ومصدر توثيق يسرد تفاصيل تلك الفاجعة.
نجاة بابير خلف إحدى الناجيات من قبضة مرتزقة داعش لم تنسَ ما حصل ذلك الوقت وما ذاقته منهم لتنتظر تحرير ابنتها ذات ال 8 سنوات ريشان قاسم حيدر ووالدها وثلاثة من أشقائها.
تنحدر نجاة من قرية كرزرك، وكانت تعيش في منطقة دوميز بقضاء شنكال، عدا عن المأساة السوداء التي عاشتها نجاة عندما كانت أسيرة بيد مرتزقة داعش، فإنّ فقدان ابنتها وأفراد أسرتها زاد عليها محنتها.
بعد أن سيطروا مرتزقة داعش على الموصل في 10 حزيران عام 2014، سمعت نجاة الخبر مع أسرتها، فشعرت بالذعر والهلع منهم، دون أن تعلم من هم؟ أو ماذا تفعل؟ لكنّها شعرت بأنّ الخطر يقترب، وقرّرت مع 25 فردًا آخرين من أسرتها وأسرة زوجها الخروج من منزلهم، فاستقلّوا سيارتين، واتّجهوا صوب نوفه التحتاني، ولكن لزيادة حمولة السيارتين اللّتين تحملان 26 فردًا تعطّلتا، وكان ذلك كفيلًا بأن يقترب منهم مرتزقة داعش، ويطوّقوهم.
طوّق مرتزقة داعش الأسرة، وصوّبوا نحوهم البنادق للقضاء عليهم، إلّا أنّ اتّصالًا هاتفيًّا تلقّاه أحد عناصر المرتزقة أنقذهم من الإبادة في تلك اللّحظة، واكتفوا بحملهم في عربة نقل كبيرة، لتتجه بهم صوب مركز شنكال.
ظلوا 6 أيام في شنكال، وخلالها كان المرتزقة يأخذون الفتيات ليلًا، ويعيدونهنّ في صباح اليوم التالي، دون العلم ماذا يحلّ بهنّ، المرتزقة في كل مرّة يفصلون النساء الكبيرات بالعمر من الأخريات، بحسب قول نجاة.
أحداث بتفاصيل دقيقة سردتها نجاة لوكالة هاوار “جمعونا كلّنا مرّة أخرى في الموصل، ثم عادوا وأخذوا كافة الرجال بعدما أعصبوا أعينهم، سمعنا وقتها أنهم أخذوهم إلى الجامع، وبعدها انقطعت أخبارهم عنّا، وجمعوا النساء في إحدى المدارس، وعرضوا بعضهنّ للبيع، والأخريات حملوهنّ في السيارات، واتّجهوا بهن إلى مكان آخر، وكنت أنا من بينهن، دون أن نعرف إلى أين ستتجه؟ ولكن من جملة واحدة بين عناصر داعش عرفنا بأنها وصلت إلى الأراضي السورية”.
وعن أساليب مرتزقة داعش مع النساء قالت نجاة: “وصلنا إلى مكان لا أعرف أين كان، أو أي منطقة بالتحديد، فأنا لا أعرف المنطقة، ولكني أتذكّر أنّهم جمعونا في مدرسة، وبدأوا بالتقاط صورنا ليوزّعوها على العناصر، بقينا في المدرسة مدة شهرين، وفي كل ليلة كان يأتي العشرات من عناصر مرتزقة داعش ليأخذوا حصتهم من المختطفات الإيزيديّات، كان منظرًا بشعًا، فكلّ عنصر يأخذ أكثر من ثلاث نساء له”.
وتتذكّر نجاة بأنه كان في المدرسة أكثر من 53 امرأة، و129 طفلًا، إلى أن غيّروا مكانهن مرة أخرى، وسجنوهنّ في نفق تحت الأرض، أحد سجون مرتزقة داعش.
بقيت نجاة مع النساء والأطفال 11 شهرًا في السجن تحت الأرض، وهي تنتظر موتها دون أن يكون لها أمل بأن تعود وتعيش مع أطفالها وأسرتها كما وصفته.
سماع نجاة بأن هناك قوات عاهدت على القضاء على مرتزقة داعش، وتحرير كافة الإيزيديات، وخاصة بعد تشكيل قوات حماية شنكال، وبدء قوات سوريا الديمقراطية بحملة تحرير مدينة الرقة، عاد إليها الأمل بالحياة رغم مأساتها وآلامها.
في حملة تحرير مدينة الرقة، تمكّنت قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة وحدات حماية المرأة من تحرير أكثر من 3 آلاف إيزيدية وإعادتهن إلى ذويهن، ومن بينهن نجاة.
إلا أنه ما تزال ابنة نجاة، ريشان حيدر ذات ال 8 أعوام، وثلاث من أشقائها ووالدها مفقودين حتّى الآن، فيما تأمل نجاة بأنّ تعود إليها ابنتها وأفراد أسرتها من جديد.
وبعد مسيرة عذاب استمرت أكثر من عامين، عادت نجاة بابير خلف إلى أسرتها في شنكال، وتتابع حياتها في انتظار الاجتماع مع المفقودين الآخرين، فهي الآن تعمل في أحد الأفران بمنطقتها لتعيل أسرتها، بالإضافة إلى انضمامها إلى رابطة المرأة الإيزيدية.
