الحسكة/ محمد حمود – يُعد الأسبوع الأدبي، الذي استمر من الثالث إلى الثامن من أيار 2025 واحتضنته مدينة الحسكة في عامه الرابع، من أبرز الفعاليات الثقافية السنوية في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث يشكل منصة للحوار وتبادل الرؤى حول القضايا الأدبية، والاجتماعية، والثقافية.
تواصلت فعاليات الأسبوع الأدبي 2025 في مدينة الحسكة بمقاطعة الجزيرة، من الثالث إلى الثامن من أيار 2025، تحت شعار “دور الأدب في تعزيز الحوار والتبادل الثقافي في سوريا: آفاق وتحديات”. نظّم الحدث ديوان الأدب في شمال وشرق سوريا، وشهد حضوراً واسعاً من أدباء، مثقفين، شعراء، وكتّاب من مختلف المناطق، إلى جانب حضور لافت من الإدارة الذاتية الديمقراطية.
الانطلاقة.. أهمية الأدب والنقد
افتُتحت الفعالية في صالة كافيتريا الخابور بحي تل حجر، حيث رحبت الإدارية في ديوان الأدب، بوطان هوشي، بالحضور، مؤكدة على أهمية الأسبوع الأدبي في تعزيز الحوار الثقافي. وأشارت إلى أن النقد يُعد الحجر الأساس في تقدم الأدب، داعية إلى تبادل الآراء والمقترحات لتطوير المشهد الأدبي. وقالت: “نسعى من خلال هذه الفعالية إلى إثراء الأدب بجميع مناحيه، وتشجيع النقاشات البناءة التي تعكس تطلعات أبناء شمال وشرق سوريا.”
في اليوم الأول، ألقى الأديب ضياء اسكندر محاضرة بعنوان “تحديات الانفتاح وآفاق التعاون الأدبي في سوريا بعد التغيير”. وصف الأدب بأنه “رسالة البشرية” و”بريق الأمل” الذي يعطي معنى للوجود.
وأشار إلى القيود التي واجهها الأدب في سوريا، موضحاً: “تعرض الأدب لضغوط سياسية جعلته يخدم مصالح السلطة، لكن التغيير السياسي فتح المجال أمام التعبير الحر عن الأفكار دون رقابة.” واقترح الاستفادة من التكنولوجيا والإنترنت لتعزيز التواصل الثقافي عالمياً، معتبراً أن اللغة لم تعد حاجزاً. أعقب ذلك نقاش مفتوح مع الحضور، ثم فقرة شعرية باللغتين الكردية والعربية شارك فيها شعراء مثل داوود إبراهيم وأحمد عبد الرؤوف.
مواجهة الاستهلاك الثقافي
في اليوم الثاني، تحت شعار “كيف نعيد بناء المشهد الثقافي بعد سنوات القمع؟”، استهل النشاط بندوة بعنوان “الأدب في مواجهة الاستهلاك الثقافي”. تحدث الباحث بشير ملا نواف عن القمع الذي طال الأدب الكردي، مشيراً إلى إجبار الكتّاب على استخدام اللغة العربية أو الأجنبية لنشر أعمالهم: “اضطر العديد من الكتّاب الكرد إلى التخلي عن لغتهم الأم لإيصال صوتهم، مما شكل تحدياً كبيراً”.
من جانبه، استعرض الأديب محمد الجزاع الحراك الثقافي الوطني الذي رافق تأسيس الدولة السورية عام 1920، مشيراً إلى دور رابطة الكتّاب السوريين في مقاومة الاستعمار. بينما تناول محمد باقي محمد تهميش الأصوات اليسارية في عهد البعث، موضحاً: “أفرزت السياسات القمعية جيلاً من المثقفين الموالين للسلطة، بينما ظل الكاتب الحر تحت الملاحقة”.
أعقبت الندوة قراءات قصصية للكاتبة ميديا بركات ومحمد درويش، لاقت تفاعلاً كبيراً من الجمهور.
قضايا المرأة في الأدب
خصص اليوم الثالث لمناقشة “قضايا المرأة والأدب في سوريا”. قدمت الكاتبة نجاح إبراهيم محاضرة عن العقبات التي تواجه الكاتبات، مثل صعوبات النشر وعدم المساواة في الاعتراف الأدبي. وأكدت: “في ظل نظام البعث، واجهت المرأة تحديات مضاعفة، ولا تزال بحاجة إلى تكافؤ فرص حقيقي”, تضمن اليوم الثالث جلسة شعرية شاركت فيها شاعرات مثل ليلى دين وسامية إبراهيم، قدمن نصوصاً تعكس قضايا اجتماعية وإنسانية.
في اليوم الرابع، ناقشت ندوة بعنوان “أدب المرأة بين دمشق وشمال سوريا” السياقات الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على الكاتبات. أشارت أناهيتا سينو إلى القمع المزدوج الذي تتعرض له المرأة الكردية بسبب هويتها ولغتها، وقالت: “لم يقتصر التهميش على الدولة، بل امتد إلى مثقفي الشرق الأوسط الذين تجاهلوا الثقافة الكردية”.
وأضافت ليندا سليمان: “بعد الثورة، شهدنا نهضة الأدب الكردي بفضل جهود الكتّاب في المنطقة”، وأكدت الباحثات على تقدم أدب المرأة في شمال وشرق سوريا مقارنة بمناطق أخرى.
النقد الأدبي.. أكاديمي وشعبي
في اليوم الخامس، تناولت محاضرة بعنوان “التقاطعات بين النقد الأكاديمي والنقد الشعبي” العلاقة بين المدرستين النقديتين. أوضح الباحث عبد الوهاب بيراني أن “النقد الأدبي أداة لفهم النصوص وتحليلها، بينما يرتبط النقد الشعبي بالثقافة المحلية ويعكس قيم المجتمع”.
وأكد على ضرورة التفاعل بينهما لتحقيق توازن ثقافي. أعقب ذلك نقاش مع الحضور وقراءات شعرية لـ ديالا علي وسعيد السراج.
أسئلة في النقد الأدبي
اختتم الأسبوع بندوة بعنوان “أسئلة في النقد الأدبي”، ناقشت موقع النقد في الحركة الأدبية وغياب المنابر النقدية المنظمة. أشار المشاركون، مثل الدكتور بسام مجدل، إلى ضعف الدراسات النقدية المتخصصة، داعين إلى تأسيس منصات نقدية مؤسساتية.
وتضمن قراءات قصصية لروجا محمد وجوان زكي سلو، وقصيدة ارتجالية لفرهاد مردي عن الوطن والحب.
آراء حول الفعالية
أكد عضو اللجنة التحضيرية، كمال نجم، أن التحضير للفعالية يبدأ مطلع كل عام، حيث يتم اختيار قضايا تعكس هموم المنطقة. وقال: “نسعى إلى خلق مناخ من الانفتاح الأدبي والحوار البناء، خاصة بعد عقود من القمع الذي طال الأدب الكردي”.
وأضاف: “الأسبوع الأدبي فرصة لإعادة بناء الحقل الأدبي بعيداً عن قيود النظام السابق، وتعزيز الوعي الجماعي”.
من جانبها، أعربت الشاعرة فيروز رشك عن سعادتها بالمشاركة في الفعالية، مشيدة بتخصيص جلسات لمناقشة دور المرأة في الأدب. وقالت: “إن إدراج قضايا المرأة ضمن النقاشات يعكس وعياً متقدماً بأهمية تمكين الكاتبات وتجاوز العقبات التي تحد من إبداعهن”.
وأردفت: “لقد كانت الجلسات فرصة لتسليط الضوء على التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها المرأة، مثل التمييز الجنسي والعنصرية، وضرورة خلق فضاء ثقافي يدعم حرية التعبير”.
ونوهت فيروز رشك: “الأسبوع الأدبي ليس مجرد فعالية، بل منصة لبناء جسور بين الأجيال، حيث يمكن للشابات أن يجدن فيه إلهاماً للتعبير عن أنفسهن دون خوف أو قيود. أتمنى أن تستمر مثل هذه المبادرات في تعزيز دور المرأة وتمكينها من قيادة التغيير الثقافي”.
وأكدت فيروز على أهمية التنوع اللغوي والثقافي في الفعالية، مشيرة إلى أن “التفاعل بين اللغتين الكردية والعربية يعزز التفاهم المشترك ويثري المشهد الأدبي.”
البيان الختامي والتوصيات
أصدر ديوان الأدب بياناً ختامياً أكد على أهمية دعم المشهد الثقافي وتعزيز الحوار بين شعوب المنطقة. تضمنت التوصيات دعم النقد الأكاديمي، بناء شراكات ثقافية بين مناطق سوريا، تسليط الضوء على آداب المكونات السريانية والأرمنية، وتعزيز التواصل بين الكاتبات.
وعبر الديوان عن شكره لأهالي الحسكة والمشاركين، معرباً عن أمله في أن تكون الفعالية خطوة نحو بناء مجتمع ثقافي متكامل.
ومن الجدير بالذكر أن الأسبوع الأدبي 2025 شكّل منصة حيوية للحوار الثقافي، مع التركيز على قضايا الأدب، المرأة، والنقد. عكست الآراء، خاصة تلك التي عبرت عنها فيروز رشك، التزاماً بتمكين المرأة وتجاوز إرث القمع، مما يجعل هذه الفعالية خطوة هامة نحو بناء مستقبل ثقافي مزدهر في سوريا.