صراع الجبابرة على الأرض السورية

دلال جان –

بعد مضي أكثر من سبع سنوات على الثورة السوريّة أو الحراك السوريّ الذي تحوّلت فيه الأرض السوريّة إلى مركز صراع عالميّ وإقليميّ حاول خلالها الجميع تنفيذ مصالحه بتبني مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» ليكون السوريون الضحيةَ الأولى بالنتيجة، ودون أن يكونَ لهم أيُّ دورٍ في هذه الأزمة سوى القتل والدمار والتهجير، حيث قُتِل من قُتِل وهُجِّر من هُجِّر، والمعاناة لازالت مستمرّة بالنسبة للملايين المتبقية.
باتتِ الحواراتُ والمؤتمراتُ التي عُقدت ولا زالت تُعقد باسم الشعب السوريّ وحلّ أزمته، تشكّل أزمة بحدِّ ذاتها، فالشعب السوريّ أدرك أنّ مؤتمرات أستانة التي تُعقد بين الحين والآخر ليس لها سوى هدف واحد هو القضاء على ما تبقى من بقايا المناهضين للنظام وبعضهم هم الثائرون من أجل الحرية والكرامة، فيما الآخرون يُسمّون بالمعارضة ويحضرون المؤتمرات رغم أنّهم مجرّد دمى تتلاعب بها الدول الإقليميّة والقوى المعادية للحرية والديمقراطيّة بالمنطقة، وقد أثبتت نتائج جميع هذه المؤتمرات أنّ اللاعب الروسيّ تمكَّن من القضاء على بقية الثورة السوريّة وتصفية القوى الإرهابيّة بوقت واحد، حيث عمدت إلى عقد الاتفاقيات التكتيكيّة مع تركيا وإيران للسير قدُماً عبرهما بتطبيق سياساتها بالمنطقة بينما كان التنسيقُ جارياً على قدم وساق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة وإسرائيل وإن بدت عكس ذلك خلال السنوات السبع من الأزمة.
وصلت الأزمة إلى مفترق طرق في الوقت الراهن حيث تمّ القضاء على قوى الإرهاب العالميّ ودكِّ معاقله في سوريا بقيادة قوات سوريا الديمقراطيّة وبالتعاون مع التحالف الدوليّ، كما تمكّن الروس من القضاء على كلّ من كان يناهض النظام السوريّ، وبات لزاماً إيجاد سبيل وطريق لوضع نهاية للأزمة بعد أن حقَّق الطرفان الأساسيان مبتغاهما، ويظهر للعلن الاجتماع الروسيّ الأمريكيّ في هلسنكي قد حسم الأمر وكشف أنّ القوتين الأساسيّتين هما فقط من سيقرّر مصير سوريا وأنّ دورهما بدأ من الآن وأنّ الدور الإقليميّ انتهى وبخاصةٍ الدور التركيّ والإيرانيّ في الأزمة السوريّة وأنّهما يشكّلان عقبة أمام إنهاء الأزمة السوريّة وتكشف الأحداث والتطوّرات أنّ الخارطة السوريّة الجديدة بدت ملامحها تظهر للعيان شيئاً فشيئاً، حيث سيتمُّ القضاءُ بشكلٍ كاملٍ على القوى الإرهابيّة المتواجدة بإدلب من قبل قوات النظام وروسيا، مع حديث عن إمكانية مشاركة التحالف الدوليّ في هذه الجولة، وبالتالي ستكون إدلب مقبرة للإرهاب العالميّ وهذا ما تسعى إليه معظم الدول في الشرق والغرب حيث تخلَّصت من الإرهابيين المتواجدين على أراضيها بنقلهم إلى سوريا عبر تركيا التي تغضّ الطرف عنهم، ومن جانب آخر بقي على الأرض السوريّة قوة وحيدة هي التي حاربت الإرهاب بكلّ قوتها وتمكّنت من القضاء عليه قوات سوريا الديمقراطيّة التي حرّرت الكثير من المناطق وتدير أكثر من 30% من الجغرافيا السوريّة والغنية بالثروات الطبيعيّة وتملك قوة سياسيّة وعسكريّة من المستحيل القضاء عليها وشكّلت نظامها السياسيّ والاجتماعيّ الخاص بها والذي اتخذ أخوة الشعوب ومبدأ التعايش السلميّ بين المكوّنات أساساً له فأصبحت نموذجاً للديمقراطيّة بالمنطقة، وهذا ما كانت تخشاه الدول الإقليميّة وبخاصةٍ تركيا التي حاربته بكلِّ الأشكال، لهذا لم يتبقَ أمام القوى الكبرى سوى الضغط على النظام السوريّ للوصول إلى حلّ للأزمة يؤدّي إلى الاعتراف بهذه القوة والتفاوض معها لأنّها تمثل شرائح وأطياف المجتمع برمته في الشمال السوريّ، علماً أنّ التفاوض لن يكون سهلاً بل شاقاً إلى درجةٍ كبيرةٍ، ويمكن أن يؤدّي بنهاية المطاف إلى تحقيق نتائج إيجابيّة، فالطرف المفاوض في الشمال السوريّ لن يتنازل عن مشروعه لدمقرطة سوريا وإنشاء دستور سوريّ يضمن حقوق جميع المكوّنات والأطياف فيه والتحوّل نحو النظام اللامركزيّ في سوريا ديمقراطية تعدّدية لامركزيّة.