No Result
View All Result
المشاهدات 0
آزاد كردي –
أود أن أُشير أنه كلما قرأت له، أكاد لا أجد مفراً أن أقف على نفسي متحملاً سيل القذائف المتهاوية من الشتائم والسباب الذي سوف ينهال علي، لمجرد قيامي بذلك، ربما لأني تطاولت أكثر على رقاب منتقديه وآثرت النأي بالنفس عن عباءة الجماعة، وتجاوزت حدودي عن المسموح بها في الخطوط الحمراء باللغة، لاسيما إني اجترأت على انتقاد عروش وممالك أدبية وفكرية في الشرق الأوسط والعالم بأجمعه لم ينبغِ لها أن تكون كذلك.
كما أود أن أشير مرة أخرى، وحسبي العديد من الشواهد والقرائن، تثبت إنه وقف أمام أعظم إمبراطورية؛ وهي الرأسمالية، في مناظرة كان عنوان خاسرها السقوط في الحضيض وملعب فضاءاتها؛ الأسئلة المفتوحة المبعثرة.
وبقي وحيداً، يناهض الطغمة الأشرار؛ كما فعل سرفنتس أمام الطواحين الهوائية. وحجم المؤامرة ليس بحجم الجرم – كما يزعمون- الذي اقترفه بيديه، وليس بقدر حرمة الموبقات الدينية حتى يصبح هو إلى ما آل إليه، ويلقى بالطبع شر ما صنع. وكيف لرجل مثله أن تكون ثقافته؟، هي ثمرة إدانة بحقه على هامش الجريمة النكراء، كي يلاقي جزاء من جنس العمل، ويدان بجرمه المشهود. ومن يا ترى نصب شراكه للإيقاع به غيلة وغدراً؟، وحاول قتل شعبه معه، ومن يا ترى خطط لتصفية ثقافته؟.
أعتقد أن من قام بذلك، أراد الانتقام من حكمته وبصيرته، ومرآتها وظلها الوارف مع العلم أنه كسب الرهان، وربح المعركة قبل خوضها، وخسر السلطان الملك، وما ملكت إيمانه إلا أن غروره ما يمنعه؛ كالفرعون يجهر بذلك، وتقبل حفلة لقاء حتفه. ربما كنا بحاجة كي نتخلص من هذا المأزق مع هؤلاء، وحتى نفرّ من حلبة النزال أولاً، ومن ثم تفرض على ثقافتنا ما يشبه الإقصاء، وحتى يصبح الأمر جلياً لهذا التوصيف، فمن المفترض أن نرجع خطوتين للوراء، ونكشف التفاصيل الأولى لهذا الرجل الذي أدانوه بهذا الجرم البشع.
كتبي المبعثرة؛ كأفكاري لهذا الرجل كلما استحضرتني صوره الحزينة، أجد ملجأ إلا إليه بالعودة إلى ما كتب من الفلسفة كالذين سبقوه في ذلك لكتابة المجد. وأخالني أنه كتب تاريخ السلام أكثر ممن هو أفصح لساناً وتبياناً عن العالم ونيابة عن البشر. فلماذا أخرجوه من حلبة النزال قبل إعلان الفوز؟، وكيف سقط السلطان بضربة منه في أول امتحان بينهما، وجهزت له على أثرها، تهماً قبل ارتكاب جريرته، وأغرق بالتفاصيل المثيرة قبل أن تكون هناك أصلاً تفاصيل. هنالك ثقافة جديدة لا تختلف عن أصحابها في شيء سوى أنها وجه آخر؛ لذات الثقافة الشوفينية التي ترى من منظورها، أن أعداءها صغار أمام مساحة العصبية وجنون العظمة، ووظف الانصهار للأضعف، والبقاء للأقوى حيث ترى نفسها على حق في محاسبة أي أحد لم يقدم الولاء لها طواعية، ولم يرد إليها الجميل معروفاً، فهو باعتبارهم معاق، وسيبقى كذلك حتى ترضى عنه تلك الثقافة.
الثقافة القاتلة، هي التي هزت عرش السلطان من تحت أقدامه، وأصم آذانه عن سماع الأخطاء والعثرات، لأنه ما حوله من الخدم والحشم، قد فقدوا القدرة على الاعتراف بقذارتهم الفظيعة، ولم ينظروا للمرآة كي يروا مباذلهم أمام جبروت شجاعته مقابل ضعفهم المقذع؛ لأنه امتلك فقط يقيناً صادقاً، أنه أقوى من كل المؤامرات التي أحيكت ضده، ووقف ذات مرة عقبة أمام مغامراتهم الشريرة. إن من رصد له الفخ؛ للإيقاع به على حين غرة، يدرك أنه فعل جرماً خطيراً لا يغتفر، ونسى فعل نرسيس في أسطورة النرجسية الإغريقية، وكيف هلك أمام ذاته هو، الثقافة التي قتلت نفسها والآخرين، وقبلت الإملاءات كيفما كانت، وكأنها صادرة من البطريركية الأبوية؛ كما تحدث عنها هشام شرابي في كتاباته قبل نحو ثلاثين عاماً من الآن.
الثقافة التي قتلت نفسها قبل أن يقتل الحلاج على يد من حاولوا أن يُخرسوه بأمر من بلاط أمير المؤمنين، والآمر بأمر الله. لا فرق أن قبضوا عليه، وأودعوه غياهب السجون أو صلبوه، فثقافتهم لا تميز بين صوت الرصاصة والرصاصة، وبين من يقتل النفس وبين من يقتل الفكر. الثقافة التي قتلت الشعوب على أرضها؛ تحت ادعاءات التخوين والتبعية والولائية، وكان مصير من دافع عن قيمه وشعبه؛ الاعتقال؛ كما حدث للحلاج، فلاقى حتفه، ورمي بجثمانه في نهر دجلة، وهم أيضاً من جلدوا أحمد بن حنبل؛ لأنه لم يوافق الخليفة المأمون على اعترافه بالقرآن مخلوقاً، وهم أيضاً من أحرقوا ابن المقفع؛ لأنه لم يعترفوا بثقافته التي انبثق منها. ثقافة الإقصاء والنبذ والقتل ميتاً أو حياً، هي من اختارت من الجاهلية؛ أسوأ ما فيها من السفه والعصبية، وأخذت من الرأسمالية؛ أقبح ما فيها من رأس المال، تاركة للفقراء والمساكين والدراويش، صوت العملة وجرسها على الأرض، وهي ذاتها الثقافة التي قادته منفياً عشرين عاماً في جزيرة إيمرالي.
No Result
View All Result