هيفيدار خالد
أبدت شعوب شمال وشرق سوريا بكردها وعربها وسريانها وآشورها مقاومةً عظيمة لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية، وسطَّرت أسمى آياتِ التضحية بالذات والصبر، والصمود والولاء والانتماء للوطن والأرض والقضية؛ لتحقيق النصر المؤكد في وجهِ هجمات دولة الاحتلال التركي التي تسعى إلى قضم المزيد من التراب السوري، وارتكاب انتهاكاتٍ ومجازرَ بحق السوريين الساعين إلى تحقيق سورية تعددية ديمقراطية لا مركزية. خلال 118 يوماً من المقاومة على سد تشرين، الذي أصبح فيما بعد سدَّ الشهداء، تكريما للشهداء الذين قدَّموا أرواحَهم الغالية في سبيل حماية المنطقة والمكتسبات التي حققتها تلك الشعوب، نعم، تضحيات كبيرة لا يمكن وصفها بالكلمات، وذلك بعد أن وُصفت مقاومة سكان المنطقة بالتاريخية والأسطورية، هذه المقاومة أصبحت سداً منيعاً في وجه الهجمات التركية والمرتزقة الذين يعملون خدمةً لأجندات أردوغان في سوريا والمنطقة، وشكَّلت حاجزاً قوياً في وجه أطماع تركيا اللامحدودة.
شاركت في هذه المقاومة الأسطورية والمعركة المهيبة كافة فئات المجتمع. من النساء والشبيبة والصحافيين والطواقم الطبية وصولاً إلى كافة الفعاليات الاجتماعية، بذلك أضفوا بروحهم وعطائهم طابعاً ورونقاً خاصّاً للفعاليات المنظمة على سد المقاومة وبعثوا برسالةٍ واضحةٍ للعالم أجمع بأن مقاومة الشعوب تستطيع أن تصنع فارقاً واضحاً في وجه هجمات الإبادة الجماعية التي تستهدف إرادتهم ووجودهم. شعوب شمال شرق سوريا وجَّهت رسالة قاطبة للجميع بأنَّ نهجَ المقاومة هو القادر على تغيير كافة الموازين والحسابات والمعادلات غير العادلة وإلحاق هزيمة كبرى ونكراء ومدوية بالقوى التي تستهدف نضالهم الديمقراطي من أجل الحياة الحرة والكريمة.
لقد سُطّرت مقاومة أبناء شمال شرق سوريا في صفحات التاريخ بأحرف من ذهب، حيث أصبح من المستحيل لأحد أن يتجاهلها بسهولة؛ لأنها مليئة بالدروس والتجارب التي تعلّمنا الكثير عن الحياة الحرة والعيش الكريم، وكيف يمكن لأساليب الدفاع الذاتي الشعبي أن تساهمَ في الحفاظ على مكتسبات ثورة مشرِّفة قادتْها النساءُ الطليعيات وساهمْنَ في الرفع من شأنها دوماً وتطويرها ونقل تجربتهنَّ الفريدة إلى جميع النساء السوريات اللواتي عانيْنَ الكثير من الويلات.
وتبقى قصصُ المقاومة في سد تشرين تاريخ مشرِّق يتحدث عن نضال شعبٍ ضحَّى بكل ما هو غالٍ ونفيس من أجل تحقيق حريته الأبدية. ولا يمكن لأحدٍ أن ينسى قصةَ الطفلة تالا التي فقدت والديها في القصف التركي على السد أثناءَ توجُّههم معاً لحماية السد، وكيف بقيت يتيمةّ، بدون أب أو أم، وقصة بافي طيار الفنان الكردي المسرحي ذاعِ الصيت بين الجميع، ومنيجة المرأة المناضلة والمكافحة التي ناضلت لسنوات طويلة من أجل قضيتها، والصحفي عكيد روج والعشرات الذين لم نذكر أسماءهم وبذلوا جهود جبارة من أجل حماية المنطقة وشعوبها، هذه المقاومة التي لاقتْ صدىً كبيراً في العالم أجمع بعثتْ في الكثير من السوريين أملاً كبيراً بأن المقاومة هي السبيل الوحيد للعيش بحرية وكرامة على هذه الأرض.