روناهي/ الرقة ـ في بيئة تقليدية، حيث النساء يكتفين بالأدوار الصامتة خلف جدران العادات، هناك نساء حطمن هذه القيود، من بينهن تبرز “فاطمة الشمر”، التي جعلت كلماتها وسيلة للمقاومة وصرخة حرية صقلتها بالتعمق بفكر القائد عبد الله أوجلان.
نسجت فاطمة الشمّر (57 عاماً)، أولى قصائدها من خيوط الطبيعة وأحلام الطفولة. في قريتها الصغيرة “هنيدة” الواقعة على ضفاف نهر الفرات، كتبت بيدين غضتين عن الأشجار والنسيم وغروب الشمس، وهي لم تكن قد بلغت السابعة من عمرها بعد. لم تكن تدرك آنذاك أن الكلمات التي خطّتها بحبر الطفولة ستصبح لاحقاً سلاحها الأوفى في مقاومة الظلم والمطالبة بالحرية.
نشأت فاطمة في بيئة تقليدية، حيث كانت النساء يكتفين بالأدوار الصامتة خلف جدران العادات. لكنها، على غير عادة بنات جيلها، كانت تلاحق الكتب بشغف، تفتح بها نوافذ أوسع على عالم بدا لها أرحب من قريتها الضيقة.
ومرت السنوات، وكبرت الأحلام كما كبرت خيبات الواقع. رحل زوجها قبل أربع سنوات، فوجدت نفسها مسؤولة وحدها عن إعالة أبنائها الثلاثة. فتحت محلاً صغيراً في قريتها، وواصلت حياتها بين مسؤوليات الأمومة والعمل، بينما بقي الشعر ملاذها الوحيد، تكتبه في صمت بين أعباء الحياة الثقيلة.
لقاء حاسم مع فكر القائد عبد الله أوجلان
ومع تحرير المنطقة من مرتزقة داعش، عثرت فاطمة على كتاب من كتب القائد عبد الله أوجلان. لم يكن لقاؤها الأول بالكلمة، لكنها تقول إنه كان اللقاء الأول بالمعنى الحقيقي للحرية: “شعرت أن أحداً يضع يده على كتفي ويقول لي: انهضي”.
قرأت بشغف عن “حرية المرأة”، وعن دورها في بناء المجتمعات الحرة، أدركت حينها أن ما كانت تعدُّه “قدراً أنثوياً” ما هو إلا قيد اجتماعي زرعته قرون طويلة من العبودية الذهنية.
وبعد تعرفها على فكر القائد عبد الله أوجلان، تبدلت نظرة فاطمة إلى كل شيء: “المرأة لم تعد مجرد ظل، بل صارت جوهر التغيير، الحرية لم تعد مطلباً بعيداً، بل مسؤولية شخصية وجماعية”.
ترى فاطمة، أن المجتمع لم يعد سجناً محكم الإغلاق، بل ميداناً يمكن أن يُعاد بناؤه على أسس العدالة والمساواة: “تحررت داخلياً قبل أن أتحرر اجتماعياً، وهذا منحني القوة لأكون صوتاً لا يُخمد”.
وبعد هذا التحول الفكري، لم تعد قصائد فاطمة مجرد أوصاف للطبيعة. أصبحت الكلمة عندها نداءً إلى الحرية، وصرخة للمطالبة بحقوق النساء، وأناشيد تمجّد نضال القائد عبد الله أوجلان وتدعو إلى إطلاق سراحه.
تركز فاطمة في كتاباتها اليوم على مقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي، والدعوة لحرية القائد عبد الله أوجلان كرمز لتحرر المرأة والشعوب، وبث روح الأمل والمقاومة بين النساء، خاصة الشابات، كما تركز على ترسيخ مفاهيم الصمود والكرامة في وجه أشكال القهر.
وفي إحدى قصائدها باللهجة المحلية كتبت: “شعشع شعاع الفجر من صوب الشمال، أجتني رسائل بحروف الأبجدية، مكتوبة بأيدين القائد أوجلان بها عزم وإصرار وهمة قوية”.
إصرار رغم العوائق
وشاركت فاطمة في أمسيات شعرية وفعاليات ثقافية في إقليم شمال وشرق سوريا. تقف على المسارح، تقرأ قصائدها بصوت مرتجف أحياناً، لكنه سرعان ما يشتد مع تفاعل الجمهور.
وترى أن المرأة لم تعد اليوم “حلماً مؤجلاً”، بل أصبحت “واقعاً صلباً” بفضل الفكر التحرري الذي آمنت به وسعت لنقله بكلماتها. لا تخطط فاطمة للتوقف. تحلم بأن تصل كلماتها إلى نساءٍ لم تصل إليهن كتب القائد عبد الله أوجلان بعد، إلى نساءٍ لازلن يجهلن أن الحرية ممكنة.
واختتمت “فاطمة الشمر” حديثها بإيمان عميق: “قد يصادرون أصواتنا، قد يغلقون الأبواب، لكن طالما نحن نكتب، ونحلم، ونقاوم، فالفجر قادم لا محالة”