ليلى خالد
في خضم ما مرت به المرأة السورية، من عقبات وتحديات، جعلها تمتلك رؤية عميقة وأهدافاً سامية في تطوير طاقاتها وبلوغ المبتغى دون أن تفقد قوتها وعزيمتها.
فقد أدركت تاريخها وذاتها بعناية وفق ذكائها الفطري والتجريبي، ولم تقصمها أي ضربة تلقتها في مخاضها الطويل، بل زادتها قوةً وإصراراً، وأكملت مسيرة نضالها رغم كل المعاناة، من خلال انضمامها للمنظمات النسوية التوعوية، بهدف تنظيم وتنشيط شخصيتها النضالية، وطوّرت من مستوى وعيها وفكرها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
كانت هذه المنظمات داعمة لها، للحصول على فرص عمل أو فتح ورشات تساعدها على تأمين قوتها اليومي بكرامة، ورفع الضغوطات من عائلتها التي باتت مسؤولة عنها بدور الأمومة والأبوة، مع مرور الزمن حققت المرأة السورية بعض آمالها في تخطيها لأكثر الذهنيات الدوغمائية والراديكالية، وأصبحت في مستوى عال تمثل فيه ذاتها ومجتمعها بعد اكتسابها قدرة معرفية وقوة شخصية ولدتا لديها الثقة والجرأة، لتبرز فيها كشخصية فاعلة في المجتمع.
السؤال: هل ستبقى هذه المكتسبات موجودة ما لم تطور المرأة من أسلوب نضالها وتخوض صراعها الديالكتيكي في معترك السياسة لنيل ما تستحقه من مكانة ومقام، وترفع من سقف أهدافها بحسب المرحلة وحساسيتها، والتي باتت معالمها واضحة خاصةً من جهة كثافة تنظيم ونضال المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا كنموذج واضح المعالم في راهننا؟ وبالتأكيد سيكون الجواب: تراجع، وحتى زوالها مع مرور الزمن، ومن جهة أخرى سيستمر إقصاء وتهميش المرأة من كل مفاصل الحياة، بل وفرض أعتى ستار على عقلها وجسدها، وبالطبع سيشكل هذا مؤشراً خطيراً يُفرغ المرأة من كل طاقاتها وينسف نضالها إن لم تواجهه بمخصصات التناقضات التي تواجهها بعقل منفتح وإدراك كينونتها وتاريخها العريق.
فعلى هذه الجغرافيا، ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين) انبثق عصر النيوليتك وأضاء العالم خلال مراحل عديدة، واليوم وفي المكان نفسه انطلقت شرارة ثورة المرأة، ووصلت إلى كل أصقاع العالم، لذا على المرأة أن تعي أهمية دورها في المجتمع، قبل أن يسيطر “الرجل الماكر” ذو الفكر الذكوري على مكتسباتها، وينسف وجودها، ليعيدها إلى قوقعة الظلم والقمع في المربع الأسود (عزلها في غرفة) الذي تتلاشى فيه كل حقوقها ويخدر عقلها وتُدفن إرادتها كما حصل في بداية تاريخ المدنية.
المرأة السورية، لا تزال موزعة ومشتتة في كل الأماكن لا تمتلك تنظيماً يحتضن مكتسباتها ويحافظ عليها، مجلس المرأة السورية يحاول أن يلعب دور الحضن والحاضن لكل المنظمات والحركات النسوية في سوريا، ويوحد طاقاتهن وكلمتهن ويعمل على فتح كل الأبواب الموصدة أمامها لتنخرط في كل المواقع المهمة في البلاد وتتربع على مراكز اتخاذ القرار لتكون لها كلمتها في تقرير مصيرها وترسيخ حقوقهن دستورياً وتفعيل دورهن في بناء سوريا الجديدة.
في نهاية مقالتي: من حقنا الطبيعي أن تمثلنا مجموعة من النساء في الحكومة الحالية واللاحقة، وتكون هناك رئيسة مشتركة للرئيس السوري مستقبلاً، تكون منتخبة في مؤتمر نسوي من النساء، باختلافهن وتنوعهن وانتماءاتهن، ليقودا معاً دفة الحكم ويؤديا وظيفتهما بشكل تشاركي وعادل، لتصل بذلك سوريا إلى أعلى المستويات في تطبيق براديغما العصرانية الديمقراطية، وفق أجواء الحرية والعدالة والمساواة دون تمييز جنسي عرقي طائفي أو مذهبي ونسير بخطا واثقة نحو سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية.