فلسفة تعاطي الكُتّاب العرب مع التطورات في سوريا

د. محمود زايد –

رغم مرور أكثر من سبع سنوات على أحداث الصراع السوريّ وما آلت إليه من نتائج مأساويّة يعرفها القاصي والداني، فإنّ فلسفة ومعالجة العديد من الكتّاب العرب لما يدور في سوريا وفي الأروقة الإقليميّة والدوليّة لا تزال تهيم في وادٍ آخر، ولم تصل بعد إلى حقيقة الوضع وتفسيراته الواقعيّة. فعندما يفقد القلم حريته، وينصاع إلى وليّ نعمته: تحزّباً وأيديولوجيّاً وماليّاً، عادة يكتب ما تمليه عليه مصالحه الضيقة وأهدافه المحدودة دون الاهتمام بطبيعة المجتمع السوريّ المتميز بالتنوع العرقيّ والإثنيّ والدينيّ والمذهبيّ.وبما أنّ سوريا الجغرافيا والديمغرافيا والجيوسياسية أمست مجالاً خصباً تترعرع فيه اختلاف الولاءات والمصالح الداخليّة والإقليميّة والدوليّة فإنّ هذه الحالة ساعدت أكثر في انحراف أو تغيير اتجاه أسهم الواقع عن مسارها ومجراها الطبيعيّ، حتى من يثابر ويصل لخبر أو حقيقة تغاير ما ترنو إليه الولاءات فإنّ لَيَّ عنقها وتفسيرها بعيداً عن محتواها أصبح أمراً ملحوظاً في التحليلات والقراءات المرئيّة والمسموعة والمكتوبة.
ومن النتائج السلبيّة والخطيرة لهذه الحالة أنّ الكثير من الحقائق تُحجبُ عنا، ولا يُسلّط عليها الضوء، وكأنّ هؤلاء يستمتعون ويتلذذون ببقاء سوريا في ديمومة الصراع والاحتراب الدمويّ الداخليّ والتكالب الخارجيّ لفرض واقع جديد يتوقون له، لاستغلال نفوذ سياسيّ واقتصاديّ أكبر في سوريا الجريحة.
لا أقول إنّ الكلّ قد شمله هذا الوباء الضبابيّ الصخبويّ التشتتيّ، فهناك البعض يرى ويحلّل بعين الإنصاف، لكن لا مساحة له في زاوية توجيه الرأي العام أو تشكيل الحالة الذهنيّة، ولذلك فإنّ أفكاره تظلُّ حبيسة عقله أو نطاقه المحدود.ما يجب أن يعرفه الجميع ويدعمه أنّ في الحالة السوريّة الآنيّة تجارب حيويّة قائمة، تعمل بكلِّ جِديّتها على أرض الواقع نحو سوريا جديدة، سوريا لكلّ السوريين، تكون العدالة والحرية والمساوة ركائز أساسيّة لكلِّ مكوّنات الشعب السوريّ، بالعمل التشاركيّ الديمقراطيّ دون إقصاء أو تمييز؛ للخروج بسوريا إلى برِّ الأمان، ثم بعد ذلك الإنطلاق بأسس كينونيتها الجديدة؛ لتكون نموذجاً إيجابيّاً لباقي دول وبلدان الشرق الأوسط، بعيداً عن شراسة الاستبداد السياسيّ المتسلط، وقساوة التطرف الدينيّ الدموي، والاحتلال الرأسماليّ المقيت، وغيرها من ممارسات أنهكت منطقتنا ما يزيد عن قرن من الزمان.
إنّ تجربة الشمال السوريّ نموذجٌ واضحٌ أمامنا، مهمٌ أن نتعامل معها بحياديّة، تقييماً وتقويماً ودعماً، ومتابعة لما يقدّم منذ سبع سنوات على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّ بها أمام الإرهاب الداعشيّ والتناحر الفصائليّ والعداءات الإقليميّة، لاسيما من تركيا وإيران، إضافة إلى تكالب المصالح الغربيّة نحو ما أسمّوه: «الشرق الأوسط الجديد أو الكبير».إنّ مصلحتنا في الشرق الأوسط كما المصلحة السوريّة لا انقطاع فيها ولا انفصال بل حالة تكامل وتواصل عبر الجغرافيا والتاريخ، ولذلك لابد من أن تتعامل أقلامنا مع أحداثها وتطوراتها بإنصاف وموضوعيّة تامة؛ لأنّ إيجابيات ذلك تنعكس على الشرق الأوسط بالضرورة مثلما تنعكس على بناء سوريا الجديدة، فالتوجّه العالميّ للقرن الحادي والعشرين لا يقتصر على سوريا وحدها، وإلا: فبلداننا واحدة تلو الأخرى ستكرّر ما اعتادت عليه في التاريخ: «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض».