No Result
View All Result
المشاهدات 1
د. سالم حميد/ صحيفة العرب –
يتخبط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سلوكه السياسي بعد أن تلقى صفعة داخلية مزدوجة، تتمثل في السقوط المدوي في الانتخابات وفقدان البريق الذي اعتاد عليه حزبه، إلى جانب الانهيارات الاقتصادية التي لم تتوقف، بدءً بتدهور الليرة التركية وحتى طوابير الأتراك في المدن الكبرى بحثاً عن سلع صار الحصول عليها صعباً للغاية.
وهكذا تنهار وعود أردوغان بعد أن تحولت إلى أكاذيب، لذلك لم يخطئ الشارع التركي عندما قام بتوجيه تحذير للنظام التركي، من خلال سحب الناخبين تصويتهم لحزب أردوغان في كبرى المدن التركية، لكن جنون العظمة يقود أردوغان إلى التنفيس عن عجزه وفشله الداخلي في ساحات أخرى، غالباً ما تكون ساحات خارجية، لأن أوراقه داخل تركيا أصبحت محروقة. فيلجأ إلى تحالفات خارجية لا تقدم ولا تؤخر، بقدر ما تصور السياسة التركية وكأنها هروب إلى الأمام ومحاولة للسير مع فاشلين آخرين، مثل النظام الإيراني وحليفه القطري، وربما تمنحه أموال قطر جرعة قليلة لكنها لن تكفي ولا يمكنها وقف التداعيات الاقتصادية. ويعرف المراقبون للمشهد التركي أن الفقاعات التي يخترعها مستشارو أردوغان على مستوى الإعلام، تهدف إلى التغطية على فشل يزداد استفحالا في بنية النظام التركي، ويكشف أن دورة حياة النظام في طريقها إلى الاكتمال ليبدأ الانكماش والذبول، وهذه قاعدة تسري على المؤسسات وكذلك على الدول التي لا تتعلم من الدروس. ويتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى أردوغان نفسه، الذي أراد أن يستنسخ حالة دكتاتورية تمنحه فترة أطول في الحكم، وتمنح عائلته ومن يقومون بتبييض الأموال والمتاجرة مع أعتى التنظيمات المتطرفة مساحة من الوقت للتغطية على ما يتم تسريبه من قبل جهات لم تعد راضية عن سياسة أردوغان النرجسية.
وكانت ملامح النرجسية عند أردوغان قد ظهرت عندما قام بإقصاء أسماء كبيرة وذات شعبية داخل حزب العدالة والتنمية، لأنه أراد أن يكون النجم الوحيد الذي تُسلط عليه الأضواء، لكن خطوة الإقصاء تحولت إلى لعنة ضده، لأن الأسماء التي دخلت مرحلة الاعتكاف السياسي والصمت مثل عبدالله غول وغيره، تجد من يحرضها على العودة إلى المشهد من جديد، وهذا ما يصيب أردوغان بالجنون، ويدفعه إلى اختراع معارك خارجية وبطولات وهمية، لكنها لن تنقذه من انهيار شعبيته، بعد أن سئم الأتراك خطاباته المتعالية، وخصوصاً بعد أن حول نظام تركيا إلى النظام الرئاسي بصلاحيات تمنحه الشعور بعظمة السلطان المطلق. ولعله لم يستوعب درس السقوط المتكرر لدكتاتوريات في بلدان جمهورية سعت قبل أردوغان إلى تحقيق أطماع شخصية من خلال التمسك بالسلطة في أنظمة سياسية لا تحتمل الاستبداد، لكن أردوغان يعتقد أن احتسابه على الإسلام السياسي يؤجل نهايته. من المهم أن تبقى تركيا آمنة ومستقرة لأنها سوف تتحول إلى دولة فاشلة وإلى عبء على العالم، لكن القيادة التركية الحالية لا تصغي إلى الأصوات المحذرة التي تنبه إلى عواقب العبث والفوضى والمواقف السياسية التي تهدف من ورائها إلى صناعة بطل من ورق، وذلك البطل الوهمي انتهى مشروعه وبدأ منذ فترة يدخل مرحلة الانكماش، لكنه بحاجة إلى وقت أو إلى صدمة أكبر من نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، لكي يستوعب العد التنازلي الذي يحيط به.
وعندما ننظر إلى السياسة التركية والمواقف والاصطفافات غير الحريصة على مصالح تركيا، لا نجد أننا أمام سياسة دولة، بل هناك عبث يمارسه شخص يحتل منصب الرئاسة. فكل ما يقوم به أردوغان يجلب المزيد من الكوارث على الاقتصاد التركي وعلى الدور المنتظر أن تلعبه تركيا، بدلاً من التحول إلى ذيل تابع لكل من إيران وقطر، ومع دور مشبوه يتمثل في احتضان كافة أطياف المجموعات المتطرفة التي لديها كيانات عسكرية وتحركات إرهابية في المنطقة. يبدو أن أردوغان أراد أن يمضي على النهج الإيراني، فطهران تتبنى حماية ودعم وتسليح مجموعات شيعية متطرفة في المنطقة، مثل حزب الله والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، وأردوغان بدوره قام باحتضان ورعاية وإيواء مجموعات واتجاهات تابعة للإسلام السياسي، بل وراهن عليها وأصغى للمنظرين الذين يهللون له وينادونه بالخليفة. ولم تعد في خانة الأسرار تلك الرحلات المكوكية التي كان يقطعها عناصر تنظيم داعش، وعندما يصلون إلى أقرب مطار في تركيا كانوا يشعرون بالأمان، نظرا للتعاون الوثيق الذي بناه النظام التركي مع عصابات القتل والنهب، بمبرر دعم التحول الدموي في سوريا.
ومما لم يعد في خانة الأسرار أيضاً لكثرة ما تم تداوله، قيام النظام التركي بتسهيل دخول الإرهابيين عبر الحدود التركية إلى الداخل السوري، وسبق أن تحدثت وسائل إعلام دولية عن قوافل شاحنات تركية تحمل الأسلحة لدعم مجموعات إرهابية على الساحة السورية، ناهيك عن دور مشبوه لبلال نجل أردوغان الذي فاحت روائح فساده ومتاجرته في بداية الأزمة السورية بالنفط بالشراكة مع المجموعات الإرهابية. وتعرف النخبة السياسية في تركيا منذ فترة أن بإمكان الوضع الاقتصادي أن يكون أفضل حالاً، لولا وجود عائق أردوغان حيث أصبحت إدارته كارثية ومدمرة داخلياً وخارجياً، وأكبر دليل على ذلك أن النقد الذي يوجه له لم يعد من المعارضة العلمانية فقط بل من أنصار الإسلام السياسي في تركيا، ومن الأشخاص الذين كانوا على قائمة أصدقائه، ثم تخلص منهم حتى لا يتم استبداله بعد الفشل المتكرر والطموح المتزايد إلى تلميع شخصيته على حساب الجميع.
من جهة أخرى تحاول تركيا التناغم مع الدوحة والسير على نهجها، وكذلك تقوم بتقديم خدمات وفقاعات إعلامية لوسائلها، بعد أن فقدت بريقها وانتهت من سرد كل أكاذيبها، فجاء دور الشريك التركي الخبير بصناعة المسلسلات، ومن ضمن إشكاليات تركيا أنها لم تعد تعرف الفرق بين اتخاذ مواقف سياسية إقليمية تليق بوزن تركيا القديم، وبين ارتجال مواقف هدفها الوحيد تلميع رئيس يعاني أزمات داخلية حادة. وأمام الفشل الداخلي لا يبقى أمام أردوغان سوى التركيز على خلق صراعات خارجية، لعلها تمنحه مبررات لإلقاء خطابات جديدة اعتاد أن يواجه من خلالها الشارع التركي بقضايا بعيدة عن أولوياته. إذ لا يمكن لمعارك أردوغان الخارجية وأكاذيبه بحق الآخرين أن توفر فرص عمل للأتراك للحد من نسبة البطالة، كما لا يمكن للأكاذيب التي يسمعها أردوغان من مستشاريه أن توقف انخفاض قيمة الليرة وما يتبعها من تدهور اقتصادي شامل.
No Result
View All Result