قامشلو/ ملاك علي – يُنظم مهرجان الثقافة الكردية في باريس، كل عام في شهر أيار، ليجمع بين الكرد والفرنسيين وغيرهم في فضاء واحد، حيث تتلاقى الرواية الشفهية مع السينما، ويتعانق الرقص الشعبي مع الفكر، وتتحول الأطباق التقليدية إلى رسائل ذوقية تروي تاريخاً طويلاً من التنوع والمقاومة.
في قلب العاصمة الفرنسية باريس، المدينة التي لطالما مثّلت ملتقى الثقافات ومساحة للتعبير الحر، يتردد منذ أربعة أعوام صدى أصوات موسيقا كردية، وحكايات تُروى بلغات الشرق، ووجوه تُطلّ من بين لوحات فنية وأزياء تقليدية، تحكي عن شعب عريق وجغرافيا منسية وأمل لا ينطفئ.
هنا، لا يُقدَّم المهرجان الكردي كاحتفال فولكلوري معزول، بل كحدث ثقافي سنوي يحمل في طياته رسالة تتجاوز حدود الفن والموسيقا، لتلامس قضايا الهوية، والاعتراف، والاندماج، والحفاظ على التراث في زمن العولمة والتهميش.
وفي هذا الصدد؛ أوضح لنا عضو من اللجنة التحضيرية للمهرجان الفنان “فارقين آزاد” من إقامة هكذا مهرجان: “أصبح مهرجان الثقافة الكردية في باريس حدثًا سنوياً ثابتاً يُنظم كل عام في شهر أيار، ويعكس استمراريته التزام المنظمين بتسليط الضوء على الثقافة الكردية، وتعزيز التفاهم بين الشعوب”، وأضاف: “أُقيم المهرجان حتى الآن أربع مرات، في الأعوام 2022، 2023، 2024، و2025، مما يؤكد حضوره المنتظم وتطوره المستمر”.
إن هكذا مهرجان يهدف إلى تعريف الجمهور الفرنسي والدولي بالثقافة الكردية الغنية والمتنوعة: يساهم المهرجان في الحفاظ على التراث الثقافي الكردي المُهدد بالاندثار، إضافة إلى تعزيز التبادل الثقافي بين الكرد والمجتمع الفرنسي، وتسليط الضوء على قضايا الشعب الكردي وتاريخه، بل إنه يُعد منصة مهمة للتعريف بأحد أقدم شعوب ميزوبوتاميا، ويبرز أهمية التنوع الثقافي في العالم المعاصر.
بالنسبة إلى مواعيد ومدة المهرجان بين آزاد بأن تنظَّم فعاليات المهرجان في شهر أيار من كل عام، وتمتد لثمانية أيام، وفق ما يلي، حيث الدورة الثانية (2023): من 6 إلى 12 أيار، والدورة الثالثة (2024): من 25 أيار إلى الأول من حزيران، وأما الدورة الرابعة (2025): من 17 إلى 23 أيار، مشيراً إلى أن هذا التفاوت الطفيف في التواريخ لا يغيّر من الطابع السنوي المنتظم للمهرجان.
تُقام الفعاليات في عدد من أبرز المواقع الباريسية، منها مركز أحمد كايا الثقافي الكردي (16 شارع د إنغيين، الدائرة العاشرة)، وقاعة “Carreau du Temple” في الدائرة الثالثة، مبنى بلدية الدائرة العاشرة، ومدن أخرى في منطقة إيل- دو- فرانس، مثل مونتروي.
كما أن الدورة الرابعة لعام 2025 استُهلّت بموكب فلكلوري ملون انطلق من مركز أحمد كايا إلى مبنى بلدية الدائرة العاشرة، حيث أُقيمت مراسم الافتتاح الرسمية، بحضور جماهيري لافت.
تضمن المهرجان مجموعة غنية من الفعاليات التي تعكس تنوع الثقافة الكردية، منها عروض موسيقية ورقصات فلكلورية، أبرزها رقصة “Govend”، إضافة إلى معارض فنية وحرفية، ورش عمل للأطفال لتعليم اللغة والموسيقا والرقص الكردي، وندوات ومناقشات حول الثقافة والتاريخ الكردي، وتجارب تذوق للمأكولات الكردية التقليدية.
آزاد؛ نوه كذلك إلى إن المهرجان يسعى إلى تقديم تجربة ثقافية شاملة تتجاوز حدود الموسيقا والرقص لتشمل الفن، التراث، الفكر، والمطبخ.
أما دورة 2025 فقد شهدت مجموعة من الفعاليات النوعية التي أضافت طابعًا غنيًا ومتنوعًا، منها مشاركة فرقة “Mà Musik” من آمد؛ ما أضفى ذلك بُعداً دولياً على المهرجان، وتقديم عرض كوميدي للفنان الكردي مورات باتغي بعنوان “Matruşka”، حظي بتفاعل كبير، كما تم عرض فيلم “Roj Baş” الذي تناول قضايا الممثلين الكرد في تركيا بسبب استخدامهم اللغة الكردية وتناولهم موضوعات سياسية في أعمالهم المسرحية.
كان اللافت أيضا في هذا العام تخصيص يوم خاص لفن Dengbêj، أحد أعرق أشكال التعبير الشفهي الكردي، أتاح للجمهور الاستماع لهذا الفن الأصيل، ومشاركة شيف كردي حاصل على نجمة ميشلان في فرنسا، قدّم أطباقاً تقليدية أبهرت الحضور.
بالإضافة إلى وجود تنظيم معرض فني لرسومات تُجسد جوانب مختلفة من الحياة والثقافة الكردية، ويوم للأطفال تخصيص شمل، وورشات رسم، وموسيقا، ورقص، لتعزيز الهوية الثقافية من الصغر.
وكان هناك أيضاً مشاركة فرقة Mà Musik في حملة “مليون كتاب، مليون طفل”، من خلال بيع كتب موسيقية موجهة للأطفال بهدف تشجيع تعلم الموسيقا باللغة الكردية.
من جانب آخر أشار آزاد أن المهرجان يستقطب جمهوراً واسعاً من خلفيات متعددة، من بينهم، فرنسيون مهتمون بالثقافة الكردية، وممثلون عن الجاليات الأرمنية والكبكلية، وشخصيات سياسية فرنسية، من نواب وسيناتورات.
هذا التنوع يعكس الطابع الشامل للمهرجان، ويعزز رسالته في التفاهم والانفتاح الثقافي. وقد أبدى الزوار إعجابهم بالتنظيم والمحتوى الثقافي الغني، وأشادوا بتنوع الفعاليات التي قدمت لهم نافذة فريدة للتعرف على الثقافة الكردية من زوايا متعددة.
ويلعب مهرجان الثقافة الكردية دوراً محورياً في تعريف المجتمع الفرنسي بالثقافة الكردية، وتعزيز التبادل الثقافي والتفاهم بين الكرد والفرنسيين، إضافة إلى تسليط الضوء على قضايا الشعب الكردي، ودعم جهود الحفاظ على التراث الثقافي الكردي في المهجر، من خلال تنوع برامجه وشموليته، “يُسهم المهرجان في بناء جسور ثقافية راسخة، ويعزز قيم التعددية والانفتاح في المجتمع الفرنسي”.