روناهي/ الطبقة – المرأة الريفية عنصر أساسي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع لما تلعبه في الحياة العامة والخاصة، إلاّ أنها عايشت التهميش والذهنية والعادات، لكنها حطمت القيود وأعادت تعريف نفسها، وتميزت بما حققته في الطبقة خلال السنوات الأخيرة بجهود مجلس تجمع نساء زنوبيا.
في قرى مدينة المنصورة في ريف الطبقة الشرقي، كانت “نجاح الأحمد” تمضي يومها بجلب الماء ورعاية أطفالها في منزل طيني. لم تكن تعرف شيئاً عن التنظيم المجتمعي، ولم تتخيل أن تقف يوماً لتتحدث أمام جمع من الناس عن مشاكل قريتها. قالت نجاح: “كنت أعتقد أن الكلام في الاجتماعات يخص الرجال أو نساء المدينة فقط”. وتابعت: “لكن بعد مشاركتي في ورشة توعوية نظّمها مجلس نساء زنوبيا في الطبقة، تغيرت نظرتي كلياً. أصبحت أرى نفسي قادرة على التغيير”.
ولم تعد “نجاح” مشاركة في تلك الورشات، بل أصبحت ناطقة باسم مجلس تجمع نساء زنوبيا في مدينة المنصورة، وتعمل على إيصال أصوات نساء الريف، وتنظيم المبادرات، التي تنمي طبيعة المرأة، وتعيد حضورها في مجتمعاتها.
من الغياب للحضور الفعّال
تجربة المرأة الريفية في مدينة الطبقة، باتت نموذجاً لتحول مجتمعي واسع تقوده النساء في إقليم شمال وشرق سوريا. فبعدما كنّ مغيبات عن أي دور سياسي أو مجتمعي، أصبحت كثير من نساء الريف اليوم يشاركن في صنع القرار، ورسم السياسات المحلية، وإدارة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية. ويعود هذا التغيير إلى نهج مجلس تجمع نساء زنوبيا، الذي اعتمد التمكين المباشر من القاعدة بتنظيم النساء في قراهن، وتأهيلهن سياسياً واجتماعياً، وربطهن بمراكز القرار داخل المدينة.
وعن هذا، تحدثت إدارية لجنة التدريب في مجلس تجمع نساء زنوبيا بمدينة الجرنية في ريف الطبقة الشمالي علا الخليل: “كنا نعيش عزلة مضاعفة، عزلة الريف، وعزلة الثقافة النسائية، والمجلس أعاد تعريف دورنا أصبحنا نلتقي أسبوعياً، ونتبادل الآراء، وننظّم حملات توعية”.
وأضافت: “اليوم لدينا مشاريع صغيرة تديرها النساء، ونرفع تقارير عن حاجات القرى هذا التغيير منحنا ثقة بالنفس لم نعهدها من قبل، وفتح باباً لأجيال جديدة من الفتيات ليرين مستقبلهن مختلفاً”.
خمسون امرأة في المجلس
خلال العقود الماضية، خضعت المرأة الريفية السورية، خصوصاً في مناطق مثل مدينة الطبقة، لنظام اجتماعي واقتصادي شديد التقييد، حرَمها من التعليم والمشاركة المجتمعية. ومع سيطرة مرتزقة داعش، تعمّقت هذه المعاناة أكثر، حيث فرضت قوانين تمنع خروج المرأة وحدها، وتفرض عليها اللباس القسري، وتحظر أي شكل من أشكال التنظيم النسوي.
لكن مع تحرير الطبقة عام 2017، انطلقت جهود حثيثة لإعادة بناء البنية المجتمعية على أسس ديمقراطية ومساواة، فكان تأسيس مجلس تجمع نساء زنوبيا استجابة عملية لتمكين النساء، لا سيما في الأرياف، حيث كان التهميش أكثر حدّة.
فبلغ عدد المنتسبات إلى مجلس تجمع نساء زنوبيا في مقاطعة الطبقة خمسين امرأة من مختلف القرى والبلدات التابعة لمقاطعة الطبقة، معظمهن من خلفيات ريفية. وشاركت هؤلاء النساء في برامج تدريبية ولجان محلية ومبادرات مجتمعية تهدف إلى تعزيز دور المرأة وتمكينها في الحياة العامة.
المرأة أساس التغيير الإيجابي
من جانب آخر، أشارت الإدارية في مجلس تجمع نساء زنوبيا بمدينة الطبقة مريم العبد: “من أكبر التحديات التي واجهتنا الذهنية الذكورية المتجذرة في الريف، لكننا لم نواجهها بالصدام، بل بالحوار والعمل التدريجي. فبدأنا بتنظيم جلسات توعية داخل القرى، وتقديم دعم اقتصادي صغير للنساء، ومع الوقت بدأنا نلمس التغيير”.
وأضافت: “اليوم لدينا عضوات ريفيات يشاركن في صياغة المقترحات داخل المجلس، وأخريات يشرفن على مشاريع مدرّة للدخل، بل إن بعض النساء أصبحن وسيطات لحل النزاعات داخل مجتمعاتهن. هذا يعكس قدرة المرأة الريفية على التغيير”.
المرأة الريفية في الطبقة اليوم ليست فقط جزءاً من المجتمع، بل أصبحت ركيزة أساسية في صنع القرار وبناء المستقبل. رغم الصعوبات والتقاليد الراسخة، أثبتت نساء الريف أن التغيير ممكن عندما تتحد الإرادة مع الدعم والتنظيم. مجلس تجمع نساء زنوبيا فتح لهن الأبواب نحو الفرص والتمكين، لتكون قصصهن مصدر إلهام لكل من يسعى لمجتمع أكثر عدلاً ومساواة.