زكي بدران
كما هو معلوم؛ لقد أنهى حزب العمال الكردستاني كفاحه المسلح ضد تركيا، وبقراره هذا، جردها من سلاح ما تُسميه “مكافحة الإرهاب” وذلك كونها كانت تواصل سياسات الإنكار والإبادة والاستغلال والإرهاب ضد الشعب الكردي، متخفيةً بحجج من قُبيل “مكافحة الإرهاب”. وبعد إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء مرحلة الكفاح المسلح ضد تركيا، لا بد من وقف العداء والحد منه. كما ينبغي بناء البنية التحتية السياسية والقانونية لفسح المجال للكرد لأخذ مكانهم داخل النظام. لذلك؛ يجب أن يعمل القائد عبد الله أوجلان بحرية من أجل إدارة المرحلة، إلا إن حكومة العدالة والتنمية لم تقدم أي خطواتٍ ملموسة في هذا الاتجاه.
من الناحية القانونية، ليس هناك أي مبادرة أو تقدّم بعد. بدأت الدولة التركية باحتلال مناطق من سوريا باسم مكافحة الإرهاب، حيث احتلت مناطق مثل عفرين وسري كانيه، ومارست الإبادة الإثنية ضد الكرد. على الرغم من مرور شهور على انهيار النظام البعثي في سوريا، إلا إنه ما زال غير مسموح للمهجرين بالعودة إلى منازلهم، ومازالت تركيا مستمرة بالتهديدات والأعمال العدائية التي تستهدف الإدارة الذاتية. لا أحد يستطيع تأكيد كيف ستكون سوريا المستقبل. لا أحد يثق بشكل الحكم والدستور الذي أصدرته سلطة دمشق، حتى وهي في أضعف حالاتها وأكثرها صعوبة، سلطة دمشق، لم تتوانَ في ارتكاب مجزرة ضد العلويين، ولا يجوز القول إن الهجمات على الدروز قد توقفت بشكلٍ كامل وإنه قد حلَّ الأمن. حتى إنه لم يعد معروفاً كيف سيتم تطبيق الاتفاقية الموقّعة مع الإدارة الذاتية وكيف سيتم تنفيذها؟
لم تنتهِ بعد مخاطر التهديدات والمجازر على الكرد. قوات سوريا الديمقراطية، في الوضع الراهن هي الحامي والضامن الوحيد للأمن والنظام الديمقراطي القائم، ولا يوجد حتى الآن أية تأكيدات بشأن الدستور، وأكدت الإدارة الذاتية إنها تريد سوريا ديمقراطية وسوف تكون جزءاً منها، وتُعتبر الاتفاقية الموقّعة، أوضح تعريف لذلك قبلت سلطة دمشق انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار إنه لا يجوز أن يكون هناك جيشين في دولة واحدة، ولكن لم يكن هذا الانضمام بهدف التشتت، بل كان من أجل الحفاظ على بنيتها الأساسية، ونظراً للوضع السوري، قوات سوريا الديمقراطية قادرة حالياً على البقاء كقوة لحماية شعوب المنطقة، فهذا البناء يحمي الحدود ويضمن أمن الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية ليست انفصالية أيضاً، وبحسب الوضع الخاص لإقليم شمال وشرق سوريا، تستطيع قوات سوريا الديمقراطية حماية مناطق تواجدها، وهذا لا يعني جيشاً جديداً، بل سيسمح لها بالعمل كجزء من الجيش الذي ترتبط به، ومن المحتمل أن تتوصل هيئة سلطة دمشق لاتفاق من هذا القبيل مع الإدارة الذاتية، ولكن ما يعيق ذلك ويقف ضده، هو الدولة التركية، فهي تقف ضد كل مكاسب الكرد في المنطقة والعالم وتُعيقها.
يقولون الآن في تركيا بأنهم جاهزون للاتحاد تحت اسم الأخوّة الكردية ـ التركية وبناء جبهة داخلية قوية وعلى هذا الأساس توجهوا إلى إمرالي، وتحمّل القائد عبد الله أوجلان مسؤولية تاريخية ليمنح الفرصة لهذه المبادرة، وقرر إنهاء الكفاح المسلح، وطالما انتهت مرحلة الكفاح المسلح، لماذا يعادون الكرد في سوريا، وتستمر محاولات تقويضهم وتفكيكهم؟ لا يمكن اعتبار منطقة الشرق الأوسط منطقة آمنة ومستقرة للغاية. ما حدث للفلسطينيين واضح للعيان، ولماذا ما زالت الدولة التركية تختار هيئة تحرير الشام بدلاً من الكرد؟ هل هم قريبون من تركيا أم إنهم أكثر تأييداً للنظام الديمقراطي؟
ما زالت هيئة تحرير الشام على قوائم المنظمات الإرهابية لأمريكا وأوروبا والأمم المتحدة. لم يرفعوا هيئة تحرير الشام من قوائم المنظمات الإرهابية لأنهم لا يثقون بها. بالمقابل؛ لا أحد في العالم يعتبر قوات سوريا الديمقراطية إرهابية. تم تشكيل هذه القوة من أجل محاربة داعش وعملت مع التحالف الدولي. لم تقُم قوات سوريا الديمقراطية بفعل سوى حماية نفسها وشعوب المنطقة. تركيا تستهدف كل الشعوب والإنجازات، والكرد جزء منهم. الأخوّة داخل تركيا والعداء في الخارج واضحان، ولا يمكن للكرد تقبّل ذلك. لا ينبغي للدولة التركية أن تتدخّل في الشؤون الداخلية السوريّة، أو تضغط على هيئة تحرير الشام، أو تقول إنها ستقضي على الإدارة الذاتية. لا يمكن التنبؤ بالتطورات في الشرق الأوسط. اضطر ترامب للقاء أحمد الشرع في المملكة العربية السعودية، وأعلن عن رفع الحظر عن سوريا. أبعد هذا الإعلان القوى الأوروبية وشركائها في التحالف عن نفسه عبر القيام بمثل هذا العمل. ما هو موقف هيئة تحرير الشام المستمر والمتنامي تجاه مناطق الإدارة الذاتية؟ هذا غير واضح. المعروف هو محاولات أردوغان لتحييد الكرد وتفكيكهم؛ ما يعني أن الكرد يتعرضون لتهديد الإبادة. يجب على الشعب الكردي وشعوب شمال وشرق سوريا، والقوى الديمقراطية أن يكونوا فاعلين ومستعدين لمواجهة المخاطر والتطورات المحتملة.