فوزي سليمان
لا تزال الخطابات التحريضية تتصاعد بشكلٍ مخيف في عموم سوريا وتزداد حدة مع أي حراك أو مطلب ديمقراطي لا يتماشى والمنظومة الفكرية السائدة التي تريد تفصيل دولة ودستور وقانون على مقاس معتقدها الذي لا يتماشى وحقيقة إنسان هذا العصر وبالشكل في الحكومة المؤقتة أيضاً رغم ادعاءاتها الخجولة في نفي ومعارضة هكذا خطابات إلا أنها تتحمل المسؤولية كاملةً عنها لأن الاكتفاء بمقولة المجموعات الخارجة عن السيطرة أو المنفلتة، والتي لم تعد تنطلي على أحد ولا تبرأ ساحة الحكومة المؤقتة، فالمجازر المروعة التي اقترفت في الساحل السوري والتي لا تزال مستمرة، وكذلك المجازر التي ترتكب في حوران والسويداء وصحنايا والسليمانية في ريف دمشق مؤخراً ومدينة حمص ومدينة عفرين، تأخذ البلاد إلى متاهات ليست في مصلحة أحد، وتزامناً مع هذه الأحداث تخرج مجموعات لتطلق تهديدات مباشرة بالقتل والذبح للشعب الكردي وتكرير مقولات أضحت مقرفة ويدركها القاصي والداني وخصوصاً بعد عقد كونفرانس الوحدة الكردية مؤخراً في مدينة قامشلو، لتقوم القيامة من بعدها، والتي بدأت من تحذيرات رئيس سلطة دمشق أحمد الشرع ومن بعدها تصريحات تركيّة، لأمثال دولت بخجلي وأردوغان والتي أتت نسخة طبق الأصل وتفتح المجال للأبواق التي أضحت معروفة للجميع، هنا لابد لنا أن نضع النقاط على الحروف وطرح الأمور كما هي دون مجاملات لربما يتعظ أولي الألباب.
قبل كل شيء لا نرغب في أن نقحم أنفسنا في قوانين ومواثيق الأمم المتحدة في مسألة حقوق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها إذ بإمكان الجاهلين لها مراجعتها، وبناءً على ذلك سنتناول الأمر مباشرةً وبلا أية مقدمات.
إن مطالب الكرد المشروعة وغير قابلة للنقاش وتتمثل بحقوق شعب يتجاوز تعداده السبعين مليون إنسان يعيشون على أرضهم التاريخية منذ فجر التاريخ لم يأتوا كغزاة أو محتلين أو كمهاجرين “كما يتشدق البعض الذين لا يتجاوز قدومهم إلى المنطقة كمحتلين أكثر من الثمانمائة عام” وآخرون منذ ألف وثلاثمائة عام، فالكرد أصحاب حضارة تعتبر الخطوة الأولى نحو الحضارات الإنسانية، وليس عبثاً إن سميت هذه الجغرافية التي مازال الكرد يعيشون فيها بمهد الحضارات، فإننا هنا نتحدث عن 7000عام قبل الميلاد، نتحدث عن الهوريين والسومريين والميتانيين والميديين واللوريين، نتحدث عن شعب كردستان الذي له الفضل في جر أول قناة ماء وأول من دجن الحيوانات وأول من وضع نوتة موسيقية وأول أبجدية وكتابة أولى للملاحم “كلكامش” وأول معبد وأول محراث، إننا نتحدث عن شعب حي لا يزال يقدم للحضارة الكثير دون مقابل، فليذهب أصحاب النظريات المنفلتة والمقرفة وليقرأوا التاريخ، التاريخ الذي لا يمكن لأحد (أي أحد) تزييفه أو تشويهه كما يفعل الكثيرون، وخصوصاً القادمين من صحاري جوبي وسواها، الذين قدموا بجيوشهم وعاثوا ولا يزالون خراباً وفساداً فيها، وينكرون ويتنكرون لحقوق الشعوب الأصيلة في وطنهم، ويا لسخرية القدر، أن يأتيك إرهابياً محتلاً سافكاً للدماء ويتهمك بالانفصال والإرهاب…؟! إنه حقاً عصر التفاهة، هنا لابد لنا من إطلاق خطاب حقيقي جريء وبعيد عن المجاملات والتودد، وليكن مجرداً عارياً من أي زيف وتزلف، ومباشراً يعتمد فقط على الحقائق التاريخية والحضارية والثقافية، وتوجيهه إلى الجميع.
قدمتم إلى بلادنا محتلين مغتصبين لكل شيء، ولا تزال سيوفكم تُشهر في وجه أصحاب هذه الأرض ولا تستطيعون النيل منهم، ولن تستطيعوا، لسبب بسيط لن تدركوه، لأن هذه الأرض كردستان هي أمنا التي لا تزال تحتضننا ونقدسها، فلون بشرتنا من ترابها، وأوردتنا تسري فيها دجلة والفرات والزاب وعفرين، ونتزين بخضرة سهول حران وأوراق الزيتون، ونعانق في طقس أبدي لا يزول بزوغ الشفق الذهبي الأصفر الأول للشمس، لترخص دمائنا لها في المحن والنوائب.
عليكم قراءة التاريخ بعناية وستجدون أنفسكم غرباء عن هذه الأرض والتي لا تنتمون إليها بشيء، عرفوا بلغتكم معنى جودي وهاوار ولالش وآمد وآفرين وأورمية وهولير وآفاشين وروندوز وقنديل، لن تجدوا لها معنى في قواميس لغتكم فهي غريبة عنها كما أنتم غرباء عنها.
أياً من يشبهني بالخلق، الأرض تتسع للجميع وليكن الحد بيننا هو الإنسان فقط، فلا شأن لي بما تعتقد وتؤمن، وفي ذات الوقت لا شأن لك بكيف أعيش وبما أعتقد وأؤمن، ولا يمكنك تفصيل حياة على مقاس تفكيرك ومعتقدك لي، فإن كنت تعتقد أن الديمقراطية وحرية المرأة والعدالة والمساواة والتشاركية في الحياة السياسية والقانونية والدستورية والأمنية “كفر”، فإننا نراها “المنقذ” والدرب الذي لا حياد عنه لمستقبل شعبنا وشعوب المنطقة وهو ما نؤمن به إيماناً مطلقاً، ولتكن كلماتنا هذه للذكرى لعلها تنفع.
إن سوريا تتسع لجميع شعوبها وتتخبط في مستنقع لا تُحسد عليه، تعالوا نتعاهد على ما ينقذ الجميع إلى بر الأمان الذي ابتعدنا عنه كثيراً، ولا نفرض سياسات بائدة على أحد، لنصغي بحرص إلى مطالب أهلنا في حوران والسويداء والساحل والشمال وكل السوريين فهي محقة ومشروعة بقوانين السماء والأرض، حينها ستكون سوريا للجميع وأجمل وأبهى، لتطوي فصلاً كاملاً من الدكتاتورية والاستبداد والظلم، آن الأوان لتنعم شعوبها بالسلام والأمان، ولن يكون ذلك إلا بدولة مدنية علمانية ديمقراطية.