قامشلو/ سلافا عثمان – في زاوية صغيرة في حي من أحياء مدينة قامشلو، تتناثر الخيوط على طاولة خشبية، وتحكي ماكينة بإيقاع ثابت، فصول حكاية مهجّر، لم يتخلَ عن مهنته رغم الصعاب.
“حمزة محمد”، من ناحية بلبله في عفرين، لم يكن يعلم أن الإبرة التي أمسك بها في سن الرابعة عشرة من عمره، ستكون رفيقة دربه في الرحلة الطويلة بين التهجير والصمود، وبينما تدور عجلة الخياطة في ورشته الصغيرة في قامشلو، يدور في ذهنه حلم واحد “أن تعود الإبرة إلى موطنها الأول في عفرين”، ليخيط هناك فصلاً جديداً من حياته، ولكن هذه المرة، بدون تهجير.
تهجير لا ينتهي
وبدأ “حمزة محمد” مسيرة مهنة الخياطة، منذ سن الرابعة عشرة من عمره، وخلال عامين فقط من العمل في الخياطة، أصبح يمتلك خبرة مميزة، مكنته من افتتاح ورشة صغيرة، لتتحول في وقتٍ قصير إلى مشغلٍ كبير، وعلى مدى سبع سنوات، غزل مستقبله بخيوط الأقمشة الملونة، واضعاً كل طاقته في مهنته، قبل أن تغير الحرب مسار حياته وتقلب كل ما بناه رأساً على عقب.
وفي عام 2018، بدأت موجة التهجير من عفرين بعد التدهور الأمني في المنطقة، حيث أُجبر محمد على ترك بيته ومشغله، وكل ما بناه خلال سنوات شبابه: “هُجّرنا قسراً إلى منطقة الشهباء، وهناك لم أستسلم، فقد قررت فتح محل جديد للخياطة رغم الصعوبات”، عبر محمد بصوتٍ يحمل من الحنين ما يفوق الكلمات.
ثماني سنوات قضاها في الشهباء، لم تكن كافية لتكون مستقراً أخيراً له، مجدداً اضطر إلى ترك المكان الذي بدأ فيه، بعد اشتداد الأوضاع الأمنية في المنطقة: “كنا نأمل أن تكون الشهباء محطة استقرار، لكن الظروف الأمنية أجبرتنا مرة أخرى على التهجير، وهذه المرة كانت الوجهة مدينة قامشلو”.
خيط النجاح
خمسة أشهر مضت على وجود محمد في قامشلو، حيث افتتح محله الجديد خلال ثلاثة أشهر فقط منذ استقراره، موضحاً: “عندما افتتحت محلي أول مرة، لم يكن لدي زبائن، حينها شعرت بغربة مهنية، لكن مع الوقت بدأ الزبائن يتدفقون إليّ من جديد، بعضهم من عفرين والشهباء، وآخرون من سكان قامشلو”، مضيفاً: “وكأن مهنتي تسبقني إلى كل مكان أذهب إليه”.
محمد لا يرى في الخياطة مجرد مهنة، فهي رفيقة دربه، ووسيلة المقاومة في وجه التهجير القسري: “لم أترك مهنتي رغم الظروف، لأنها ليست مجرد عمل بل هي شغف، هي ما تبقيني على قيد الأمل”.
من عفرين إلى الشهباء، إلى قامشلو، يتنقل محمد حاملاً معه ماكينته الخاصة بالخياطة وحلمه بالعودة: “نطالب بالعودة إلى عفرين تحت راية الإدارة الذاتية، نريد أن نعود إلى بيوتنا، إلى أرضنا، إلى الأماكن التي شهدت بداياتنا”، بهذه الكلمات اختتم “حمزة محمد” حديثه.
قصة الخياط “حمزة محمد” تشبه قصص آلاف المهجّرين قسراً من مناطقهم، لكن ما يميّزها هو هذا الإصرار على الحفاظ على الهوية والمهنة، رغم التحولات التي عصفت بحياته، ماكينة خياطة حمزة محمد ليست مجرد أداة عمل، بل شاهد حي على الألم، وعلى الأمل في آنٍ معاً.