ليلى خالد
تسعى المرأة للوصول إلى الحقيقة الضالة منذ القدم لخدمة الإنسانية، عبر التاريخ والعصور المتعاقبة، حيث شكلت المرأة القوة الأساسية في تحقيق هذا المرام، وساهمت في تطوير هذا المبتغى، وقامت بدورها في تشكل الحضارات وتوسعها من خلال القيام بدورها في تمازج الثقافات المختلفة والمتنوعة مشكلة بذلك واقعاً جميلاً.
ومع تسابق الزمن وتطور الحضارة المدنية ووصولها الى الثورة الصناعية، للأسف، عملت الأخيرة على تدني مستوى المرأة، خاصةً بعد تراكم فائض الانتاج وتضخم رأسمال، وبناء نفوذ الحفنة السلطوية البعيدة كل البعد عن المعايير المجتمعية.
عصر الحداثة الرأسمالية جعلت المرأة في أدنى المستويات، وبمعايير خانعة توهم الناظر من خلال مفاهيم ليبرالية زائفة عن الحرية من جهة ، ويكون الإقصاء والتهميش من نصيبها من جهة أخرى، وقُيدت بالعادات والتقاليد البالية وأُبعدت عن جوهرها، وبات وجودها جسداً بلا روح، ووجوداً بلا كينونة، وكانت للنظم الشمولية أيضاً ممارساتها الأحادية والعنصرية على المجتمع عامةً وعلى المرأة بشكلٍ خاص، مما ولّد ضغطاً كبيراً أودى إلى الانفجار، مخلفاً وراءه أزمات وقضايا مجتمعية وسياسية واقتصادية، كانت للمرأة النصيب الأكبر من الظلم والألم.
رغم كل ما يخبرنا عنه التاريخ المكتوب في المظالم بحق المرأة، إلا أنها لم تستسلم لهذا الواقع المزري، ونفضت عن روحها غبار الذل والخنوع، وحطمت قيود السلطة، وواجهت التحديات التي كانت تسبب لها عقبات وانسدادات في طريق توعيتها، إضافة إلى امتلاكها إرثاً كبيراً من النضال والكفاح والمقاومة لتستند عليه وتبني ذاتها ومجتمعها من جديد.
فكانت الأم والمقاتلة والمناضلة والمكافحة على مر التاريخ، وخلال تجربة الثورة السورية على مدار السنوات الأربعة عشرة، فقد مثلت هذا الإرث النضالي بأشكاله المختلفة، وعملت كتفاً بكتف مع الرجل، وارتكزت في نشاطها على أسس ومبادئ العدالة والمساواة، وجاهدت لتثقيف ذاتها لتكون قادرة على تمثيل المرأة في المجتمع وفي المحافل الدولية والنشاطات المحلية ، لتضمن حقوقها المشروعة وتكتب عقدها الاجتماعي، وتؤسس لحياتها المجتمعية ، ويكون لها دوراً ريادياً في النهضة والتنمية لبناء سوريا الجديدة، معتمدة في ضمان حقوقها على دستور ديمقراطي يرسخ الحياة السياسية والاجتماعية وفق التعددية و مبدأ الحياة الندية بين الرجل والمرأة .
الخطوة الأولى تبدأ من ترميم العلاقات بين النساء السوريات في كل المناطق على مختلف انتمائهن القومي والمذهبي، فالنظم التوتاليتارية والعقليات المتطرفة ما زالت تجهد لتفرقة الشعوب، والعمل على إضعاف كل محاولة لتنظيم النساء لأنفسهن وفق ذواتهن الفاعلة، ما خلق فجوة كبيرة بينهن، لتكن مشتتات، ضعيفات، لا حول لهن ولا قوة.
المرأة السورية باتت على يقين وعلى قدر متقدم من الوعي والمعرفة، لذا تسعى بشكلٍ دؤوب، لبناء جسور التواصل وشبك الطاقات وتوحيد الرؤى والصف النسوي لإعلاء من شأن المرأة ورفع صوتها في مراكز اتخاذ القرار، وليكون لها دور في تشكيل الحكومة السورية الجديدة، والمشاركة في صياغة الدستور الجديد الذي سيعبر بسوريا إلى بر الأمان والسلام المستدام، وتعيد التاريخ المنحرف لمساره الطبيعي.