قامشلو/ دعاء يوسف – “ذاكرتنا مقاومة… وصوتنا لن يُدفن تحت تراب النسيان”، بهذه الكلمات عبرت نساء الأرمن عن مشاعرهن في ذكرى إبادة الأرمن، مؤكدات أن إبادة الأرمن ليست صفحة طُويت، بل جرح مفتوح في جسد الإنسانية، يعيد التاريخ نزف المأساة كل عام.
في فجر الرابع والعشرين من نيسان عام 1915، كتب التاريخ واحدة من أحلك صفحاته، وارتجفت الإنسانية أمام جريمة لا يمحوها الزمن، إنه اليوم الذي بدأت فيه الإبادة الجماعية بحق الشعب الأرمني على يد الدولة العثمانية، حيث تحوّلت الأرواح إلى أرقام، والبيوت إلى أطلال، والقلوب إلى مقابر.
ماضٍ يتردد صداه
لم يكن الشعب الأرمني يعلم أن شمس ذلك اليوم ستسطع على مدنه للمرة الأخيرة، وأن أنفاس أطفاله ستمتزج مع غبار الطرقات، وأن صرخات الأمهات لن تجد صدىً إلا في الصمت الرهيب للموت الجماعي، ففي تلك الليلة المشؤومة، تم اعتقال مئات المثقفين والقادة الأرمن في إسطنبول، ليكونوا الشرارة الأولى لمحرقة امتدت عبر الأناضول وسوريا، وابتلعت أرواح ما يقارب المليون ونصف المليون أرمني.
إذ سيرت قوافل الموت تحت سياط الجنود، لا تحمل سوى الألم، والموت المؤجل، نساء يُجبرن على الرحيل حفاة في الصحارى، أطفال يموتون من العطش قبل أن يفهموا ما يعنيه الخوف، وشيوخ يودعون الحياة بلا جنازة ولا دعاء، قُطِعَت الألسنة التي نطقت بـ “لماذا؟”، وسُدَّت العيون التي كانت تبحث عن وجه الوطن في المدى.
لم يكن تلك مجرد إبادة جسدية، بل كانت محاولة لقتل ثقافة، ولغة، وتاريخ. أُحرقت الكنائس، وهُدمت القرى، وتحوّل الشعب الأرمني من أصحاب أرض إلى غرباء يبحثون عن مكان يحتضن ذاكرتهم المنفية.
ورغم مرور أكثر من قرن، لا يزال الألم حياً، يقطر من قلوب أحفاد الضحايا، ولا يزالون يصرخون في وجه الدول الرأسمالية محاولين أحياء ضمير العالم، بحثاً عن اعتراف ومحاسبة للمرتكبين.
“كفى صمتاً” رسالة مباشرة للأمم المتحدة
وفي الذكرى الـ 110 للإبادة الأرمنية أكدت نساء الأرمن، أن الذكرى ليست مناسبة للحزن فقط، بل لتجديد العهد بالمطالبة بالحقوق ومواجهة التهميش التاريخي لقضيتهم، فالإبادة ليست حدثاً تاريخياً فقط، بل قضية حية، تنبض في الذاكرة اليومية، وتدفعهم إلى النضال المشترك مع باقي شعوب المنطقة السريان، الآشوريين، والكرد، والعرب، الذين ذاقوا ويلات الإبادة والتهجير من أنظمة استبدادية مختلفة، آخرها مرتزقة داعش، والدولة التركية.
قالت الرئيسة المشتركة لحركة الشباب الأرمني الديمقراطي لوسناك كافوريان: “نحن نطالب بحقوق الشعب الأرمني، في وجه محاولات طمس الحقيقة عن الإبادة التي مر عليها أكثر من قرن، وأبناء الشعب الأرمني في إقليم شمال وشرق سوريا يواجهون الظلم بإرادة قوية، ويصرّون على إيصال صوتهم إلى العالم”.
وطالبت الأمم المتحدة بحقوق عادلة تتعلق بالهوية والأرض والكرامة، وليس الشفقة المزعمة فقط، مؤكدة: “كفى صمتاً، كفى تجاهلاً، نحن اليوم جزء من الوحدة الوطنية الجامعة، ومطالبنا ستُستعاد بقوة وإرادة شبابنا”.
فيما اختتمت الرئيسة المشتركة لحركة الشباب الأرمني الديمقراطي “لوسناك كافوريان” حديثها: “إننا شعوب الأرمن والسريان والعرب والأشور والكرد بنضالنا الذي وصل لأنحاء العالم سنحاسب المرتكبين على من تواطأ في مجازرنا ولم تكن الإبادة الأرمنية فقط بل كانت إبادة سيفو، وحلبجة، والإيزيديين في شنكال على يد داعش هذه القضايا جميعها عدوها واحد وسنكون وحدة وطنية متكاتفة لأخذ ثأرنا من الدولة العثمانية التي سفكت دماءنا من أجل مصالحها”.
الشفقة… لا تكفي
من جهتها، صرّحت منسقة اتحاد المرأة الأرمنية أناهيتا قصبيان: “نحن لا نطلب الشفقة، بل نأخذ حقوقنا. الأرض الأرمنية مغتصبة، وقضية المليون ونصف شهيد لا تسقط بالتقادم، نطالب الأمم المتحدة بموقف واضح وحاسم تجاه هذه الجريمة، التي وثقها المؤرخون، وبدأت بإعدام 260 مثقفاً أرمنياً في 24 نيسان 1915”.
واستذكرت آناهيتا القرى الأرمنية والشعب الأرمني في المناطق المحتلة والقلق المتصاعد من تكرار السيناريو الدموي، خاصةً في ظل ما تصفه بـ الطموحات التوسعية التركية: “الخطر لم ينتهِ، ونشعر بوجوده اليوم كما شعر به أجدادنا قبل 110 أعوام، القرى الأرمنية في مناطق الاحتلال التركي تعاني القتل والتهجير على يد مجموعات مدعومة من أنقرة”.