الطبقة/ عبد المجيد بدر – كشف الناشط اليساري السوري، فاتح جاموس، تفاصيل وجوده السابق في سجن صيدنايا، وتعرفه على كوادر حزب العمال الكردستاني، وأكد، أن تجربة القائد عبد الله أوجلان، في سوريا، ساهمت في تعزيز العلاقات بين الأحزاب اليسارية السورية والتركية، داعياً لإطلاق سراحه كخطوة أولى وضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في تركيا والمنطقة بأسرها.
منذ تأسيسه، وعلى مر العقود، نجح حزب العمال الكردستاني، في تكوين شبكة واسعة من الكوادر التنظيمية، والسياسية، والعسكرية، تميزت بالانضباط الأيديولوجي، والعسكري، وهيكليته التنظيمية القوية والفاعلة، حتى داخل السجون في سوريا، ففي سجن صيدنايا السيئ الصيت، تمكن الحزب من نشر أفكاره وبناء علاقات قوية بين أعضائه وأنصاره، رغم ظروف الاعتقال الصعبة، التي كانوا يعانونها.
وفي خطوة تاريخية، أطلق القائد عبد الله أوجلان في 27 من شباط عام 2025، نداءً تاريخياً للعالم أجمع، دعا خلاله إلى وقف الكفاح المسلح، والانتقال إلى النضال السياسي السلمي، إن توفرت الظروف السياسية والقانونية، حيث جاءت المبادرة جزءاً من رؤية القائد عبد الله أوجلان، لإرساء السلام والتعايش بين الشعوب في تركيا والمنطقة، مستندًا إلى فلسفة “الأمة الديمقراطية” التي تدعو إلى الديمقراطية، والعيش المشترك، وأخوة الشعوب، والتعددية، وحقوق الإنسان
كيفية التعرف على كوادر الحزب
وفي هذا الصدد، كان لصحيفتنا لقاءً مع الناشط اليساري السوري، فاتح
جاموس، الذي تحدث بدايةً عن تعامله مع الحركات اليسارية التركية: “في سنوات التخفي، والتواري عن الأنظار، والملاحقة الأمنية، تعرفت على الحركات اليسارية التركية، بشكل واسع، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير تركيا ولواء إسكندرون”.
وأضاف: “إن هذه المعرفة العميقة بتلك الحركات، وفرت شعورًا بالأمان عند التعامل مع الكوادر التركية اليسارية، وأثارت لدي رغبة كبيرة في التعرف على المفكر عبد الله أوجلان، الذي كان قد بدأ بجني نتائج أفكاره بين الأوساط الكردية في تركيا، وفي سوريا أيضاً”.
وأشار: “وفي خضم ذلك، علمت أن القائد عبد الله أوجلان، قد دخل الأراضي السورية عن طريق منطقة البسيط الساحلية، حيث كان له معرفة سابقة بالصياد الذي أدخله إلى سوريا، وفي تلك الفترة، وعلى الرغم من عدم وجود الكثير من المناضلين حوله، إلا أنه، كانت لديه قدرة هائلة للتأثير على الآخرين، وتميز بكاريزما قوية جعلت الشباب والفتيات الكرد في سوريا يتبعونه، وفي فتره قصيرة”.
وحول تفاصيل حياته داخل سجن صيدنايا، قال جاموس: “عشت ستة أشهر كاملة في أحد مهاجع السجن، تعرفت فيها على العديد من كوادر حزب العمال الكردستاني، وأقمت معهم علاقات متينة، لقد كانوا مثقفين ومنظمين جداً، حتى وصل بي الحال في تعلم اللغة الكردية، ونجحت في ذلك، وفي الحقيقة، أن الحياة اليومية داخل السجن كانت تتسم بالتضامن، والنقاشات الطويلة بين السجناء، حول الكثير من القضايا الهامة، وكانت هناك حلقات نقاش ودروس لغوية وثقافية”.
وتابع: “بعد ستة أشهر من وجودي داخل سجن صيدنايا، تم نقلي إلى فرع فلسطين، أحد أسوأ الأفرع الأمنية في سوريا، حيث انقطع تواصلي مع كوادر حزب العمال الكردستاني، وهذا الانقطاع المفاجئ أثر سلبياً على قدرتي في استمرار تعلم اللغة الكردية، والحفاظ على ما كنت تعلمته في سجن صيدنايا، خاصة أن الظروف المحيطة الصعبة، والتعذيب الجسدي والنفسي، في فرع فلسطين أثر كثيراً على معنوياتي وحياتي”.
تعزيز العلاقات بين الحركات اليسارية
وأوضح: أنه “خلال فترة احتجازي في فرع فلسطين، لم يكن لدي علم بأن القائد عبد الله أوجلان قد غادر سوريا، ولا بالمؤامرة الدولية التي حيكت ضده، والتي أدت إلى اعتقاله في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999، وعندما تم إعادتي مرة أخرى إلى سجن صيدنايا، علمت من السجناء، بالمؤامرة الدولية، وأن الكاتب السوري نبيل ملحم، قد أصدر كتابًا بعنوان “سبعة أيام مع القائد”، يوثق فيه تفاصيل مهمة عن فترة إقامته في سوريا”.
ولفت: أن “تجربة القائد عبد الله أوجلان، في سوريا، ساهمت بشكل كبير في تعزيز العلاقات بين الحركات اليسارية السورية والتركية، حيث كانت هناك تقاطعات أيديولوجية وسياسية عديدة بين الجانبين، كما أن وجوده في سوريا، بتلك الفترة شكّل عامل جذب للعديد من الناشطين اليساريين، الذين كانوا يبحثون عن بدائل ثورية للتغيير في المنطقة”.
وبين: “القائد عبد الله أوجلان، يمتلك رؤية سياسية عميقة في إيجاد الحلول لقضايا المنطقة، والتحولات التي شهدها حزب العمال الكردستاني، خلال العقود الماضية تعكس قدرته على التكيف مع المتغيرات السياسية والإقليمية، وبشكل كبير، وعلى الرغم من ظروف اعتقاله الصعبة للغاية، قام بتغييرات فكرية مهمة داخل الحزب، حيث انتقل من الخطاب المسلح إلى الدعوة إلى السلام والمصالحة، مقدمًا نموذجًا حديثًا لسياسة الشعوب الديمقراطية”.
وأكمل: إن “الفكر الذي طُرح في تركيا، والذي يقوم على مبادئ الديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، كان نتيجة لانتشار فكر الأمة الديمقراطية، للقائد عبد الله أوجلان، وقد ساهم هذا الطرح في تعزيز مكانة حزب الشعوب الديمقراطية، كقوة سياسية شرعية تعمل سياسياً داخل الإطار الديمقراطي التركي، وفتح الباب أمام الكرد، للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية بعيدًا عن العنف”.
وقف القتال خطوة نحو السلام
وبخصوص المبادرة التاريخية التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان، حول تحقيق السلام، وحل القضية الكردية بالطرق السلمية، قال جاموس: “هذه الدعوة مثلت تحولًا استراتيجيًا نحو الحلول السلمية في تركيا والمنطقة بشكل عام، وجاءت في وقت حساس كانت فيه تركيا والمنطقة بحاجة ماسة إلى الاستقرار، لأنه يدرك جيدًا أن استمرار الصراع والحرب، لن يجلب سوى المزيد من المعاناة والدمار لتركيا وشعوبها، ومن هنا نحن نؤكد أن مبادرته لوقف القتال لم تكن ضعفًا، بل خطوة شجاعة نحو مستقبل جديد لتركيا والمنطقة، حيث وضع مصلحة الشعوب فوق كل اعتبار”.
واستطرد: “إن إتمام عملية السلام بشكل حقيقي يتطلب من الحكومة التركية، خطوات جادة، وأولها إطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان ليقود بنفسه هذا المسار، لأنه الشخصية الوحيدة القادرة على لعب الدور الأساسي في الحلول الممكنة، لما له من تأثير كبير على كوادر حزب العمال الكردستاني، وأيضاً على الحركة الكردية بشكل عام، وهو يتمتع باحترام القوى السياسية الكردية، والشعب الكردي في الآن ذاته”.
وأضاف: “إن إطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان، في هذه الأوقات الحساسة، له أهمية بالغة ليس فقط لصالح الكرد، بل يمثل فرصة ذهبية للسلطات التركية، لإنهاء النزاع الطويل مع حزب العمال الكردستاني؛ ما يساهم في تحسين الاستقرار الداخلي، وتعزيز مكانة تركيا الدولية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المعقدة التي تواجهها أنقرة، لا سيما في سوريا والعراق”.
وزاد: إن “وجود القائد عبد الله أوجلان، كطرف أساسي وفاعل في المفاوضات، سيسهم بكل تأكيد في تقليل التوتر بين أنقرة، والمناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال وشرق سوريا؛ ما يعزز فرص الحل بالحوار، بدلاً من المواجهة العسكرية والهجمات التي تستمر على تلك المناطق، ومن هنا، نناشد الدولة التركية، بإطلاق سراحه، لأن هذه الفترة الحساسة تتطلب السعي الحثيث لإنهاء لغة السلاح، والخوض في لغة السلام، والسلام بات من الضروريات التي يجب أن يتوصل إليه الكرد والأتراك، ليبنوا معاً مستقبلا مشرقاً، في تركيا والمنطقة بأسرها”.
واختتم، الناشط اليساري السوري، فاتح جاموس: “القائد عبد الله أوجلان، هو المفتاح الحقيقي لإنهاء الصراع والحرب في تركيا، وبدء مرحلة جديدة من السلام والتعايش المشترك، واليوم، تركيا أمام فرصة تاريخية لإثبات جديتها في تحقيق السلام، وإن استغلتها بحكمة، ستدخل تركيا في مرحة جديدة من الإنعاش الاقتصادي، والاستقرار السياسي، ما سيؤثر إيجابياً على الاستقرار الإقليمي والدولي أيضاً”.