No Result
View All Result
المشاهدات 8
رامان آزاد
شهدت عموم المناطق السوريّة مساء الإثنين احتفالات جماهيريّة عارمة، لإعلان توقيع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطيّة وحكومة دمشق، وخرج الناس إلى الشوارع، يرددون شعارات تؤكد وحدة السوريين، والمشاهد الاحتفاليّة تجاوزت يوم سقوط النظام السوريّ، والفرق أنّ سقوط النظام طرح أسئلة معلقة، فيما كان الاتفاق إجابة على تلك الأسئلة، والتي زادت حرجاً بعد الأحداث الدمويّة التي شهدتها مناطق الساحل السوريّ.
اتفاق تاريخيّ
أعلن رسميّاً في دمشق مساء الاثنين 10/3/2025، التوقيع على اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطيّة ضمن مؤسساتِ الدولة السورية. ونصّ الاتفاق على دمج المؤسسات المدنيّة، والعسكريّة التابعة للإدارة الذاتيّة في إطار الدولة السورية.
وجاء ضمن بنود القرار الموقع بين رئيس المرحلة الانتقاليّة أحمد الشرع، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطيّة مظلوم عبدي، “وقف إطلاق النار على الأراضي السوريّة، وضمان حقوق السوريين في التمثيل والمشاركة. والاعتراف بالمجتمع الكرديّ كجزء أصيل من الدولة السوريّة، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستوريّة. وضمان حقوق السوريين في المشاركة في العملية السياسيّة، ومؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، دون تمييز دينيّ أو عرقيّ”.
ونصّ الاتفاق على دمج المؤسسات المدنيّة، والعسكريّة في شمال شرق سوريا ضمن الدولة بما يشمل المعابر الحدوديّة، والمطارات، وحقول النفط والغاز، وضمان عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وحمايتهم من الدولة.
وشمل الاتفاق “دعم الدولة السوريّة في مكافحة فلول الأسد والتهديدات”، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة.
الرئيسة المشتركة لدائرة لعلاقات الخارجية في الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا إلهام أحمد علقت على الاتفاق: “الاتفاق بين قواتنا قسد والإدارة الانتقاليّة السوريّة يأتي في سياق الأحداث المؤلمة، التي يشهدها أهلنا في الساحل، وهو خطوة تهدف إلى إيقافها، وإيقاف كامل العمليات العسكريّة على الأرض السوريّة نأمل أن يمهّد هذا الاتفاق الطريق لمصالحةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ، مسار عدالة انتقاليّةٍ حقيقيّة، تضمن إشراك الكرد والشعوب الأخرى في العملية السياسيّة، وتحقق العودة الآمنة للمهجرين والمغتربين. قوة سوريا تكمن في تعددها وكفاءة أبنائها وبناتها”.
وفي بيان رسميّ وصف مجلس سوريا الديمقراطيّة أن الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطيّة، وسلطة دمشق بأنه خطوة نحو الحل السياسيّ. وأشار البيان إلى أنّ الاتفاق جاء في لحظة مفصليّة من تاريخ سوريا وبروحِ المسؤوليّة الوطنيّة، ليكون خطوة أساسية نحو بناء سوريا جديدة دولية ديمقراطيّة تعددية.
وجاء الاتفاق بصيغة مكثفة، ويمكن اعتباره وثيقة مبادئ، ولم يتعرض للتفاصيل الإجرائيّة، التي تحتاج لجاناً مشتركة، والمهم في صيغته أنّه أسقط الاتهامات الموجهة إلى قسد وأكد ثوابت الوحدة الوطنيّة.
السلام لسوريا
كان الاتفاقُ بين قسد ودمشق يُطبخ على نارٍ هادئةٍ، وكلّ التصريحاتِ الرسميّة كانت تؤكد أنّ أقنية الحوار مستمرة بين الجانبين. وأكّد أحمد الشرع مجدداً أنّه براغماتيّ في تعاطيه السياسيّ، ولعله تعلم الدرسَ المهمِ من الخطيئةِ القاتلة لرئيس النظام البائد بشار الأسد، فكان مختلفاً في مقاربته للشأنِ السوريّ. وفي لحظةٍ مفصليّةٍ، وفيما كان الاتفاق مع قسد قد نضج، تم تفجير الوضع في الساحل السوريّ.
كان طبيعيّاً عدم مشاركة الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا في مجملِ الحوارات، التي أدارها حسن الدغيم، وتلك مسألة أثارت مواقف متناقضة بين القبول والرفض، رغم أنّ ما قام به الدغيم، ولجنته كان بمنتهى الشكليّة، وقد أُنجز خلال أيام قليلة، وساد حينها لغط كبيرٍ.
وبالمجمل فإنّ الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطيّة سيفتح المجال مع السويداء قريباً. وبذلك فإنّ دمشق كانت بحاجةٍ للاتفاقِ أكثر من قسد في هذه المرحلةِ الحساسة، لأنّ ما جرى خلال الأيام الماضية كان محاولة انقلاب ضدها.
واليوم يمكن القول: لماذا لم تحضر المؤتمر الوطنيّ وحواراته؟ لأنها بالأصل لم تكن بحاجة له، ولم يمكن بالإمكان مناقشة التفاصيل في المؤتمر. والذي جاء بتلك الصيغة المعروفة. فكلّ التمنيات لسوريا وشعبها بالسلام والاستقرار. وما حدث مهمٌ جداً، ولا يقل في أهميته عن الثامن من كانون الأول 2024 يوم سقط النظام.
لا بديلَ عن السلامِ إلا الحرب، ويكفي ما عاناه السوريون من ويلات الحرب والتهجير. وبالتالي السلام ضرورة الحاضر والمستقبل، والاتفاق يعني أنّ دمشق اختارتِ المحورَ العربيّ، الذي تقوده الرياض، رغم أنّ وجود الجيش السوري أمرٌ واقعٌ في سوريا، لكن الاتفاقَ سيبقى إنجازاً يمكنُ البناءُ عليه. وهو البداية والمطلوبُ الكثير والكثير، ومن جملة ما هو مطلوب عودة أهالي عفرين وسري كانيه، وكري سبي، وهي البداية لبناء الجيش السوريّ ومؤسسات الدولة، وتفاصيل كثيرة ستأتي في حينها. والمهم البداية، لأنَّ كلّ مسارٍ يحتاجُ إلى بدايةٍ.
أحداث الساحل الدمويّة
كان من المنطقي استبعاد فرضية الانقلابِ لدى تعرضِ دوريةٍ للأمن العام لكمينٍ بريف اللاذقية، فالمجموعات التي نفذت الكمين والهجمات على قوات الأمن العام أعجز عن الانقلاب، ليس لمحدوديتها فقط بل لعدم وجود حاضنة شعبيّة لها، حتى في منطقتها. فالسوريون تواقون إلى مرحلةٍ الاستقرار والأمن، وبدء مرحلة جديدة بعد 13 من سنوات عجاف من المعاناة.
بالمجمل من نفذ هجمات على الأمن العام لا يملك إمكانيّة الانقلاب، وأقصى ما يمكن فعله السيطرة على بعض الحواجز، ومجرد مهبط للحوامات، والمعلومات التي تداولتها مواقع التواصل مبالغٌ فيها جداً. وقد تبرأ أهالي الساحل من منفذي الهجمات بالإجمال، بل أسعف بعض المواطنين عناصر الأمن العام المصابين!
ومع إعلان النفير ودعوة المساجد إلى الجهاد، وصلت مساء الخميس أرتال مسلحة غير المنضبطة إلى الساحل وجابت القرى، فارتكبت الكثير من الانتهاكات، واعتباراً من صباح الجمعة اكتسحت مواقع التواصل مقاطع مصوّرة توثق حوادث القتل والإعدامات الميدانيّة، والتباهي بالقتل، والتمثيل بالجثث، إضافة لمقاطع كثيرة من البث تحرّض على القتلِ الطائفيّ وحديث البعض على المنابر، وتبيّن أنّ الانقلاب ليس مجرد فرضيّة، بل تؤكدها حقائق الميدان. وعزز ذلك الاعتقاد تداول اتهام قسد بأنّها على علاقة بأحداث الساحل مع الكثير من الضخ الإعلاميّ، والمعلومات المضللة، التي وقع بعض الإعلام العربيّ في فخها، وهي فرضية بغاية السخافة فالمسافة بعيدة، وهناك موانع أمنيّة كثيرة على الطريق. وكانت الحربُ على مواقعِ التواصل والإعلام وصلت أقصى حدٍ، وبلغ خطاب الكراهية المدى الأقصى، ومع كلّ تهديد للعلويين كان التهديد موجهاً للكرد.
كان يُراد الإطاحة بأيّ مسعى للتوافق السوريّ، ولم يكن مستغرباً أن يكون ميدان تفجير الوضع في الساحل لأنه الخاصرة الرخوة وتوفر عدة عوامل، منها احتقان بعض عناصر النظام والدعم من وراء الكواليس، وإمكانيّة التجييش الطائفيّ، بعد ثلاثة أشهر من الصمود في مواجهة الهجمات على سد تشرين والتلاحم الشعبيّ مع مقاتلي قوات سوريا الديمقراطيّة. والحلقة الأخيرة كانت في مدينة حلب.
دفع العلويون في سوريا فاتورةً كبيرةً خلال سنوات الأزمة، والمقصود الأغلبيّة فيهم، وليس أركان النظام البائد، وعبر كثيرون منهم طيلة السنوات الماضية أكدوا أنّهم ضاقوا ذرعاً بالنظام، وأنّه بات عبئاً أثقل كواهلهم، والقصة معروفة على مدى عقود من القبضة الأمنيّة للنظام، وقد لا يعلم البعض أو يتجاهل أنّ النظام بدأ من السبعينات بالانقلاب على شخصيات علويّة. واستخدم بعضهم درعاً له مستغلاً الفقر والحاجة.
ما يعزز حقيقة الانقلاب عدد من الأخبار المفبركة على مواقع التواصل، منها خبر يفيد باعتقال أحمد الشرع وإخفائه، تم نقله عن المدعو عمر رحمون. كما نشر شخص يدعى “صالح الحربيّ”، يعرّف نفسه بأنّه مستشار أمني وحائز على دكتوراه في الإرشاد النفسي، الخبر التالي مصادر سوريّة: “وصول أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى غرفة العمليات لقيادة المعركة بنفسه”.
ونُشرت تغريدة مضمونها كما يلي: “أحمد الشرع معلقاً على الأحداث في الساحل السوريّ: انتهى زمن العفو. والآن مرحلة التطهير والتحرير”. والناشر شخص يدعى أحمد الجاسم، يعرّف نفسه بأنّه ناشط عراقيّ.
ومع تداول منشور مفبرك تضمن تصريحاً منسوباً إلى أنس خطاب، رئيس الاستخبارات تضمن “تهديدات ووعيداً” وأول من نشره شخص يدعى أحمد الزعبيّ يصف نفسه ناشطاً!!
فصلٌ انقلابيّ في حلب
يوم الإثنين حدث متغيّر مفاجئ، وتم التركيز على مدينة حلب، والتحريض على الكرد بشكلٍ كبير، وتعرضت حواجز قوى الأمن الداخليّ في حي الشيخ مقصود ذي الأغلبية الكرديّة للاستهداف ثلاث مرات، ومساءً ضجّت مواقع التواصل الافتراضي بمقاطع مصورة لأرتالٍ عسكريّة لمجموعات مرتزقة الاحتلال التركيّ، وقالوا، إنّها تحركت من مدن مارع، وإعزاز بريف حلب الشمالي باتجاه مدينة حلب، ومعلوم أنّ المجموعات لا تتحرك إلا بأوامر تركيّة، وهي التي شاركت في العدوان على عفرين، وكري سبي، وسري كانيه.
كما تم تداول خبر حدوث توتر أمنيّ بين مجموعات مرتزقة الاحتلال التركيّ، وقوات الأمن العام بسبب محاولة استهداف الحيين الكرديين في مدينة حلب، وعلى إثر ذلك تم تداول معلومات مضللة تم فيها قلب الحدث، مفادها أنّ “مجموعات كرديّة في مدينة حلب ـ حسب توصيفها ـ، هي التي هاجمت”، والمفارقة أنّ العديد من المقاطع المصورة وثقت استهداف سيارة لقوى الأمن الداخليّ (الأسايش) في حي الشيخ مقصود، ما يؤكد تعرضِ الحي للهجوم.
ومساء الأحد تعرض حاجزٌ للأمن العام في حي المزة بدمشق لهجوم مسلحين مجهولين، أي بعد يوم من إلقاء أحمد الشرع كلمةٍ قصيرة في مسجد الأكرم في حي المزة تحدث فيها عن التحديات دون تسميتها بالاسم، ودعا خلالها للوحدة.
بجمع مفردات الأحداث، اعتباراً مما حصل في قرى وبلدات الساحل من تجاوزاتٍ كبيرةٍ بعد وصول أرتالِ المجموعات من مناطقَ مختلفةٍ، والتي لا يمكن ضبط عملها، والانتقال المفاجئ إلى مدينةِ حلب، بالتوازي مع قصف تركيّ جويّ في محيط سد تشرين يتضح أنّ الانقلابَ جاء بتدبيرٍ تركيّ. وكان المطلوبُ فتح جبهة في حلب بعد الساحل. ولتكون سلطات دمشق أمام واقع ميدانيّ بغايةِ التوتر والتعقيد، ويتم نقل كل ذلك إعلاميّاً لتغيّر مختلف دول العالم مواقفها وتنتقل من موقفِ المراقبةِ إلى التنديدِ. وكان لافتاً تبني وكالة سانا لخبر ما حدث بحلب بصيغته غير الصحيحة، وكذلك فعلت جهات أخرى ووسائل إعلام عربيّة معروفة.
وأعلن الشرع مساء الأحد 9/3/2025، تشكيلَ لجنة وطنيّة مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوريّ، والانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وكذلك الاعتداءات على المؤسسات العامة والعناصر الأمنيّة والعسكريّة، ووفق منحى الأحداث فالمرجح أنّ الشرع نفسه يبحث عن الحقيقة ويحتاجها، بصرفِ النظرِ عن أيّ اعتبارات أخرى من موقع المسؤوليّة!
إسقاط ذرائع أنقرة
دمشق خلال الفترة الماضية أبدت تقارباً جدّياً مع الموقف العربيّ، وتحديداً الرياض، وهذا ما أغضب أنقرة، لتصدرَ الأوامر بإضافة مزيدٍ من التعقيد على الموقف، لإلزامها دمشق ملزمة بالعودة إلى أنقرة، والرضوخ لمطالبها، والثمن هو الدم السوريّ!
من المتوقع أن يخرج مسؤولو حكومة الاحتلال التركيّ بتصريحاتٍ تؤيد الاتفاق بين قسد ودمشق، وسيتحدثون عن وحدةِ سوريا وقد يزعمون دوراً لهم في إنجازِ الاتفاق، وقد فعلوا ذلك سابقاً، فبعدما سعت أنقرة بكلِّ الوسائل للمصالحة مع النظام السوريّ، وكانت على وشكِ عقد صفقة على حسابِ مرتزقتها برعاية موسكو، انقلبت فجأة لتركب موجة التغيير في السوريّ، وتدّعي بدورها في إسقاط النظام، والحقيقة أنّها أوقفت الجبهات ضد النظام منذ لقاء بوتين ــ أردوغان في 9/8/2016، وبعدها بأسبوعين شنّت العدوان، واحتلت مدينة جرابلس في 24/8/2016، ثم عقدت اتفاقاً صيغته حلب مقابل الباب، والذي أدّى إلى إعلان حلب خالية من المسلحين في 22/12/2016، وكان ذلك مدخلاً إلى إنشاء منصة أستانا، وعمليات العدوان لاحتلال عفرين في آذار في 2018، وسري كانيه وكري سبي في تشرين الأول 2019.
اليوم لا ذرائع تركيّة، وقسد جزءٌ من منظومة الدفاع الوطنيّة السوريّة، وسلاحها اكتسب مزيداً من الشرعيّة. ودمشق أكثر من قسد بحاجة للاتفاق في هذا التوقيت مع هذا الحجم الكبير من التحديات الأمنيّة والاقتصاديّة. وإذا كانت إدلب تجربة في الإدارة المناطقيّة الذاتيّة؛ فإنّ تجربة قسد أكبر ولديها إمكانات أكبر.
حديث أنقرة اليوم عن وحدة سوريا صحيح، ولكنها ما عادت تكتفي بالشريط الحدوديّ، بل سعت للوصاية على كلّ سوريا، والرسائل السياسيّة التي تتبادلها أنقرة ضد تل أبيب هذا فحواها.
بالمجمل أيّ اتفاق يضمن السلم الأهليّ هو مسار صحيح، ويكفي أنّ الاتفاق تم توقيعه في سوريا، وما شهدته مدن سوريا مساء الإثنين من مظاهر احتفاليّة أعاد تصويب البوصلة السوريّة، ليؤكد أنّ قوات سوريا الديمقراطيّة هي رافعة حلّ الأزمة السوريّة، واعتباراً من لحظة إعلان الاتفاق اكتسحت مواقع التواصل نبرة مختلفة استثنائيّة لم نشهدها طيلة سنوات الأزمة، فالاحتفال والمباركات اكتسحتِ الصفحات الزرقاء، لترسم ملامح مستقبل جديد.
No Result
View All Result