صلاح الدين مسلم
تعدُّ القضية الكردية أحد أكثر الملفات تعقيداً في الشرق الأوسط، فالكرد موزعين بين أربع دول رئيسية: تركيا، إيران، العراق، وسوريا، ولكل دولة استراتيجيتها الخاصة في التعامل مع المسألة الكردية.
ومنذ أكثر من قرن، والشرق الأوسط يشهد عمليات إعادة تشكيل متواصلة، حيث تتحكم القوى الكبرى في رسم الخرائط وتحديد مصائر الشعوب وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، ومع أن اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 كانت المحطة الأبرز في تقسيم المنطقة بين القوى الاستعمارية، إلا أن الحدود التي رسمتها لم تكن ثابتة، بل كانت وما زالت عُرضة للمراجعة وإعادة التخطيط. واليوم، لم تعد هناك خرائط جاهزة تُفرض بالقوة كما حدث في الماضي، بل أصبح القلم والممحاة في يد القوى العظمى، تمسح وتعيد التخطيط بشكلٍ يومي، مستندةً إلى نتائج ما يُعرف بـ”الفوضى الخلّاقة”، حيث لم تعد هذه الفوضى محصورة في تأثيراتها على الشعوب، بل باتت تؤثر حتى على المخططين أنفسهم.
تعاملت تركيا مع المسألة الكردية بطريقة العصور الوسطى، من خلال ذهنية الإقصاء والإمحاء والصهر والإبادة، عبر قرن كامل من ترسيخ فكرة العدوّ الأوحد للدولة التركية، وسبب هدم هذه الدولة، معتبرةً القضية الكردية تهديداً وجودياً لوحدة أراضيها. ومع بروز القوى الكردية في سوريا والعراق، باتت أنقرة تخشى امتداد التأثير الكردي إلى الداخل التركي، مما جعلها تتبنى سياسة عدوانية تجاه مناطق النفوذ الكردي في كل من شمال العراق وشمال شرق سوريا.
رغم ذلك، لم يستطِع القمع التركي كسر إرادة الكرد، بل إن التطورات الأخيرة تشير إلى بروز خطاب كردي موحد، يتمحور حول المطالبة بالحقوق القومية بعيداً عن الانقسامات الحزبية أو الأيديولوجية، ولم يعد من السهل على تركيا أن تتعامل مع الكرد بأساليبها التقليدية، خاصةً مع دخول العامل الدولي في الملف الكردي، سواء من خلال الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية أو التقارب بين الكرد والاتحاد الأوروبي في إطار قضايا حقوق الإنسان.
رغم كل هذه التغيرات والتحولات، فإن مصير الشرق الأوسط لا يزال مرهونًا بإرادة الشعوب، والكرد على وجه الخصوص، فقد أثبت الكرد أنهم ليسوا مجرد أداة في يد القوى الكبرى، بل قوة سياسية وعسكرية قادرة على التأثير في مسار الأحداث، فسواء في العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران، بات الكرد رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية أو دولية.
