يرصد الناظر والمتأمل في لوحات الشاب نبيل ناصرو، ارتباطه بجذوره الثقافية، ورغم أنه عانى ظروفاً صعبة حتى وصل لمرحلة الإتقان دون أن يستسلم للواقع المفروض عليه، بقي متمسكاً بهوايته مع سعيه لوضع اسمه ضمن قائمة أبرز الرسامين العالميين لينقل قضية شعبه.
لم يدرس الفن أكاديمياً وبالرغم من الظروف الصعبة التي واجهت طريقه بقي متمسكاً بالرسم ومن خلال لوحاته حاول إبراز التعبيرات الكردية لينقل الثقافة والتاريخ الكردي للعالم أجمع.
الشاب نبيل ناصرو من قرية كوردو التابعة لمدينة جندريسه في مقاطعة عفرين والشهباء المحتلة ويبلغ من العمر 20 عاماً، منذ صغره ظهرت ملامح شغفه بالرسم من خلال قضاء معظم أوقاته في الإمساك بقلم الرصاص والتخطيط على دفاتره.
اكتشفت عائلة نبيل ناصرو موهبته كونه كان يملأ معظم أوقات فراغه برسم شخصيات كرتونية متناسبة مع عمره الصغير على أي دفتر يجده أمامه، وفي حال انقطاع الكهرباء كان يكمل رسمته على ضوء الشمعة لتحفزه والدته على تطوير مهارته.
الحالة الاقتصادية لعائلته لم تساعده لشراء مستلزمات الرسم، لذا كان يرافق والده للعمل في الفلاحة والزراعة لجني المال وتأمين معدات الرسم وليخفف عن والده نفقات أسرته بعد عودته من المدرسة.
في عام 2018 تعرضت عفرين لهجوم بري وجوي من دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها وانتهى باحتلال المنطقة وتهجير معظم أهاليها، منهم عائلة الشاب ناصرو ليختاروا الشهباء مكاناً للإقامة لتخفيف معاناة الاغتراب لقربها من مدينتهم.
أكمل الشاب ناصرو دراسته في مناطق الشهباء وحصل على الشهادة الإعدادية لكن مع تعرض والده لنوبة قلبية وفقدان قدرته على العمل اضطر نبيل لترك مقاعد الدراسة والعمل ليلاً ونهاراً كونه الأكبر بين إخوته لإعالة عائلته مع استمراره في ممارسة موهبته.
انتقلت عائلة الشاب نبيل ناصرو إلى حي الشيخ مقصود في حلب في عام 2023، واستطاع أن ينظم أوقاته ما بين ممارسة هوايته وعمله دون أي نقص.
مواضيع لوحاته
ويتخذ الشاب نبيل ناصرو دار القراءة الواقعة في القسم الشرقي من حي الشيخ مقصود في حلب مكاناً لرسم لوحاته نظراً للهدوء الذي يخيم على الجو هناك، كون الرسم يتطلب جواً هادئاً ليتمكن الرسام من خلاله من نقل الخيال المنسوج في فكره إلى لوحة تعكس المشاعر التي خالجته أثناء قيامه بالرسم.
ويستحضر الشاب ناصرو مواضيع لوحاته من قوميته وقضيته برسم وجوه الشخصيات الريادية والقيادية والمؤثرة في المجتمع الكردي مع عنايته بالتعبيرات والتفاصيل بدقة وتركيز.
يصف نبيل ناصرو الظروف التي مرّ بها الكرد “بالصعبة” ويقول: “تعرض أهل منطقتي للتهجير قسراً مرتين، لذا قررت تجسيد معاناتهم في لوحاتي إلى جانب رسمي شخصيات كردية بارزة منهم قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي تعبيراً عن امتناني وحبي لهم”.
يريد نبيل ناصرو من خلال اللوحات التي يرسمها ونشرها على مواقع التواصل الافتراضي إيصال رسالة للعالم أجمع مفادها، “بأن الكرد موجودون وباقون”، وللشباب الكرد “عليهم إظهار كرديتهم وفق الإمكانية المتوفرة لديهم، ليس شرطاً بالسلاح إنما بالفن بمختلف أنواعه سنساهم في تصدير قضيتنا للعالم أجمع ونغيّر نظرة الرأي العام تجاهنا”.
لم يتلق دورات لتعلم الرسم بل اتكأ على ذاته في تطوير مهارته بنسج الصورة في مخيلته وتخطيطها على اللوحة ويقول: “أريد أن أصل لمرحلة الاحترافية وأن أبرز تفاصيل وملامح الشخصية التي أرسمها بدقة وسأحقق ذلك بالرغم من التحديات التي أواجهها، لن استسلم بسهولة”.
وتحظى لوحات الشاب نبيل ناصرو بدعم وإعجاب متابعيه ويؤكد “فلو لم نقدم شيئاً في مرحلة شبابنا لقضيتنا لن ننال شيئاً عند كبرنا، المطلوب منّا اليوم هو إثبات ذاتنا، وأنا من خلال رسماتي أحاول أن أعبّر عن اعتزازي بقوميتي وأبرز كرديتي”.
الفن إبداع لا يباع
على خلاف فنانين آخرين لم يفكر ناصرو بتحويل هوايته إلى تجارة والاستفادة منها: “الفن لا يباع وهو عبارة عن مشاعر ناطقة على لوحة صامتة، ووسيلة لإبراز ما يجول في الفكر والخاطر”، لذا لم يبع حتى الآن أياً من لوحاته.
ويستغرق إنهاء كل رسمة لدى نبيل أربع ساعات ما لم ينشغل بأمور أخرى، بينما يفضل استخدام الفحم على أنواع الألوان الأخرى موضحاً سبب اختياره للفحم “أعتقد بأن وجود اللونين الأبيض والأسود في لوحة واحدة يبرز التناقضات الجمالية ويعبر عن التوازن والعدالة، أما الألوان الخشبية فتبرز الرسمة وكأنها واقعية وشيء من الطبيعة”.
لم يشارك نبيل ناصرو في المهرجانات والمعارض حتى اليوم لكثرة انشغاله أما عن تطلعاته وطموحاته المستقبلة فأوضح “أريد أن أحظى بمكانة ضمن قوائم أشهر الرسامين في العالم”.
وكالة هاوار
