محمد حمود
يُمثّل نداء السلام المُرتقب الذي سيطلقه القائد عبد الله أوجلان فرصة تاريخية لإنهاء عقود من الصراع وإحلال السلام بين الكرد والأتراك؛ إذا تم التعامل معه بجدية من قبل الدولة التركية التي جهدت خلال المئة عام الأخيرة لطمس الهوية الكردية العصيّة على الاندثار.
في خطوة تاريخية يُتوقع أن تُحدث تغييرًا جذريًا في المشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة، يطلق القائد عبد الله أوجلان نداءً للسلام مع تركيا، داعيًا إلى إنهاء الصراع الذي استمر لعقود بين حركة التحرر والدولة التركية.
يأتي هذا النداء في وقتٍ تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبيرة، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة للحوار والمصالحة بين كافة شعوب المنطقة.
يعتبر القائد عبد الله أوجلان، شخصية محورية في النضال الكردي من أجل الحقوق الثقافية والسياسية، وعلى الرغم من سنوات الاعتقال الطويلة، ظل القائد أوجلان يُصدِر الرسائل والكتب التي تدعو إلى حلٍّ سلمي للقضية الكردية، مؤكدًا على أهمية الحوار والتفاهم المتبادل بدلًا من العنف.
في ندائه الأخير، يُتوقع أن يركز القائد أوجلان على ضرورة إنهاء الصراع المسلح، والبدء في عملية سلام شاملة تُعترف فيها تركيا بالحقوق الثقافية والسياسية للكرد.
كما سيُسلط الضوء على الممارسات التركية التي تُعتبر طمساً لهوية الكرد الثقافية واللغوية، والتي تشمل حظر استخدام اللغة الكردية في المؤسسات الرسمية، وتقييد التعبير الثقافي الكردي، وتغيير الأسماء الجغرافية الكردية إلى أسماء تركيّة.
ممارسات طمس الهوية الكرديّة.. تاريخ من القمع
منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923، اتبعت الدولة سياسة صارمة تجاه الشعوب وخاصةً الكرد. تم حظر استخدام اللغة الكردية في المجال العام، ومنع التعبير عن الهوية الكردية في وسائل الإعلام والمدارس. كما تم تغيير أسماء القرى والمدن الكردية إلى أسماء تركية، في محاولة لإنكار الوجود الكردي في المنطقة.
في العقود الأخيرة، وعلى الرغم من بعض الخطوات الرمزية نحو الانفتاح، مثل السماح ببثٍ إذاعي محدود باللغة الكردية، إلا أن الممارسات القمعية استمرت، ففي عام 2016، بعد محاولة الانقلاب المزعومة، شهدت تركيا حملة قمع واسعة النطاق شملت إغلاق الصحف الكردية، واعتقال النشطاء السياسيين الكُرد، وحتى عزل رؤساء البلديات المنتخبين من قبل الأحزاب الكردية.
نداء السلام المُرتقب.. فرصة للتغيير
نداء القائد عبد الله أوجلان للسلام يأتي في وقتٍ حرِج، حيث تواجه تركيا تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، بالإضافة إلى الضغوط الدولية المتزايدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. إذا تمت الاستجابة لهذا النداء بشكلٍ إيجابي، فقد يُمثّل بداية لعصر جديد من التعايش السلمي بين الكرد والترك. لكن؛ تحقيق السلام يتطلب أكثر من مجرد كلمات. يجب على تركيا أن تعترف رسميًا بالهوية الكردية، وأن تسمح بالتعبير الحر عن الثقافة واللغة الكردية، وأن تشرّع في إصلاحات سياسية تضمن تمثيلًا عادلًا للكرد في مؤسسات الدولة.