رؤوف كاراكوجان
شهدنا في الخامس عشر من شباط عام 1999، مؤامرة دولية غير مسبوقة على مر التاريخ، باختصار، لقد مضى على اعتقال القائد عبد الله أوجلان الذي اختُطف وجرى تسليمه للدولة التركية من قبل النظام الرأسمالي العالمي، 26 عاماً، ويستمرّ الجدل حول سبب وكيفية اعتقاله منذ 26 عاماً، وبغضّ النظر عن مدى تكرارها، يجب مراجعتها بعناية، فهذا الموضوع لا يتعلّق بشخصٍ واحد، بل يتعلق بشعبٍ كامل، كما لا يتعلق بدولة واحدة، بل بجميع دول المنطقة وحتى القوى الدولية.
لقد جعلوا القائد عبد الله أوجلان ضحيةً لمثل هذه المؤامرة التي لم تترك له مكاناً يبقى فيه في هذا العالم، فعندما كانت طائرته في الجو، أغلقت الدول الأوروبية مجالها الجوي، ورغم صدور قرار باعتقاله ومحاكمته في ألمانيا، إلا أنّه تم انتهاك هذا القرار وأعلنوه “شخصاً غير مطلوب”، لقد وقف الناتو بكل ما أوتي من قوة وقدرة في وجه شخص واحد.
لقد كان اختطاف القائد عبد الله أوجلان، خطوة لم نكن مستعدين لها ولم نتوقعها كحركة شعبية وحرية على الإطلاق، وفي ظلّ هذا الوضع المعقد، تزايدت هجمات التصفية ضد حزب العمال الكردستاني من الداخل والخارج، فقد واجه حزب العمال الكردستاني انقسامات عدّة، وإلى جانب هجمات الانقسام والتقسيم، ظهر توجّه “انتظار ما سيحدث”، وانشقَّ عدداً غير قليل عن حزب العمال الكردستاني، ففي هذه المرحلة رأى قسم كبير من الكوادر المركزية والقيادية أنفسهم يواجهون المجهول.
لقد رأوا أنّ حزب العمال الكردستاني وقائده عقبة أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأرادوا تحييده، كانوا يتوقعون هذا على أقل تقدير، وتتالت الأزمات والعقبات، واختلطت مشاعر الأمل والتشاؤم، النصر والهزيمة.
وفي الجبال، أُطلقت عمليات إبادة واسعة النطاق ضدّ الكريلا، وبالتزامن مع ذلك، أُطلقت عمليات الإبادة السياسية، وفي إطار خطط التدمير والإبادة، أطلقوا سلسلة من الهجمات العسكرية تحت مسمى “المخلب” وما زالت مستمرة، لقد استخدموا تقنيات عسكرية متقدمة، وقاموا بتجربة الطائرات المُسيّرة المسلحة وما زالوا يواصلون فعل ذلك.
لقد وقف الشعب وحركة الحرية في 15 شباط، وهو يوم اختطاف القائد عبد الله أوجلان، والذي يُعرف باليوم الأسود، مع القائد بإيثار وتمسكوا بقضيته وهذا فاجأ الجميع، أي شُكّلت حلقة من النار، ولم تستطِع وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مادلين أولبرايت، إخفاء دهشتها من مقاومة الشعب الكردي وولائه وإخلاصه للقائد عبد الله أوجلان، واضطرت إلى الإدلاء بتصريح قائلةً “لم نتوقع كل هذا”.
لقد كان ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية صحيحاً بالفعل، لم يأخذوا في الحسبان المقاومة الثورية، والإرادة العنيدة والعمل اللامتناهي والتضحية والوطنية والإصرار على النضال والشجاعة التي تجري في عروق حزب العمال الكردستاني ويتصوّروها، والأهم من ذلك أنهم لم يكونوا على علم بالقوة الكبيرة للقائد، كانوا يعتقدون أنّه بمجرد أن يعتقلوا القائد، سيتم تصفية حزب العمال الكردستاني وحلّه من خلال الخيانة الداخلية، لكنهم كانوا مخطئين جداً، ولسنا بحاجة إلى شرح ذلك، فالتاريخ الحالي يؤكد ذلك بالفعل.
هناك مقولة جميلة لأنطونيو غرامشي هي “التاريخ معلم وليس تلميذاً” لقد علّم حزب العمال الكردستاني تاريخ التغلب على المستحيل لكل من يريد أن يفهم، ومن يريد أن يتعلم هذا التاريخ سيجد كل ما يتعلق بالبشر، سيرون أن الأمل أغلى من النصر، وأنّ الاستسلام يؤدي إلى الخيانة، والمقاومة تؤدي إلى النصر، لقد كان حزب العمال الكردستاني هكذا منذ البداية وهو كذلك الآن، وخير مثال على هذا هو أنّه خرج من ظلمة 15 شباط، وأنار المستقبل المشرق وخُلق من رماده.
جاء يوم 15 شباط بمثابة كابوس للشعب الكردي وأصدقائه، فقالوا “انتهى الأمر”، لكنّهم لم يفقدوا الأمل ولم يتمكن الأعداء من إنهاء المقاومة، وأكبر مقاومة مستمرة في زنزانة ضيقة في إمرالي منذ 26 عاماً، واستمرت المقاومة الملحمية في سجن آمد ومقاومة الجبال ومقاومة الشعب بلا هوادة، ومهما بلغ وصف مقاومة الكريلا، لا يمكن للكلمات أن تفي هذه التضحية والبطولة العظيمة حقها، فعندما لم يعد من الممكن القتال فوق الأرض، حفروا أنفاقاً وحولوها إلى جبهات مقاومة، وكتبوا ملاحم بطولية في الوفاء للشعب.
لقد تمزق الآن ستار 15 شباط المظلم، وقد تحقّق هذا باتّحاد القائد والحزب والمقاتلين والشعب الوطني وأصدقائهم، لقد انطلقوا نحو مستقبل مشرق مع البشرية جمعاء، وإذا كان القائد عبد الله أوجلان يُعد المحاور ويُنظر إليه على أنه القوة والإرادة لحل المشكلات، فيجب فهم سبب ذلك جيداً.