ليلى خالد
عاشت المرأة تاريخياً في ظل أنظمة استبدادية وظالمة، وضمن مجتمع ذي مفاهيم ذكورية متشددة، تسوده عادات وتقاليد قمعية ومذلة بحقها، هُمِّشت وأُقصيت، واقتصر دورها على عملية الإنجاب وتربية الأطفال فقط، محصورةً بين أربعة جدران لا حقاً تملكه، وقد تُطرَد منها في أي لحظة لتجد نفسها بين مطرقة العائلة وسندان المجتمع، هذا الواقع ترك في وجدانها وفكرها آثاراً عميقة وندوباً نفسية وانفعالية أدت بها إلى العزلة والانتحار أو الانحراف لدى الكثير من النسوة.
أُبقيت المرأة عموماً في بوتقة الجهل بشكل كبير، وعانت من القوانين العنصرية والاقصائية، ولم تضمن لها حقوقها المشروعة أو تُفتح لها سبل الاعتماد على ذاتها والعيش حياة كريمة. وُصِمَت بالعورة والقصور، ووُصِفَت ببلوغها سن اليأس وهي في قمة الوعي والحكمة عند بلوغها الأربعينات من عمرها.
وبذلك امتدت مسيرتها من ضلع قاصر مروراً بالمكتومة وناقصة عقل ودين، أي من الموت الروحي إلى الموت الجسدي، دون أن تتمكن من تمثيل ذاتها أو أداء دورها المنوط بها منذ بدء الإنسانية ونشوء المجتمع المبني أساساً وفق تضحياتها وقيمها الإنسانية.
تمّ تشييء فطرتها المقدسة وإرادتها الخارقة، بعد أن أفرغتها الأنظمة الشمولية والعادات البالية من جوهرها وقدسيتها، لتُستَخدم كأرضية لنفوذهم وأعمالهم القمعية ورغم كل ذلك، لم تستسلم المرأة، بل قاومت بعزيمة وإرادة عظيمة على مرّ التاريخ. تربّعت على عروش الحكم، وقادت جيوشاً، وأدارت مدناً بحنكة وحكمة، لكنها لم تكن تملك تنظيماً أو منهجاً فكرياً مناسباً تضمن بعض مكتسباتها أو تخطط لمستقبلها بشكل أفضل في مواجهة المفاهيم الذكورية التسلطية، بل كانت إنجازات فردية استغلت فيها الظروف المتاحة. وأثبتت بذلك قوتها وحكمتها، ودحضت معتقدات المجتمع حول ضعفها أو عدم قدرتها على الإدارة وخوض الصراعات أو المساهمة في ازدهار المدن.
من أمثلة ذلك: مريت نيت، وسوبيك نفرو وكليوبترا في مصر، وزنوبيا ملكة تدمر، وغيرهنّ من النساء اللواتي صنعن تاريخاً مشرفاً.
لقد ورثت المرأة الكردية هذا التاريخ، وأكملت مسيرتها بكل جرأة، فكانت الصوت الذي حطم جدار الذل والخنوع وتدفقت كجريان نهري دجلة والفرات في مجالات الحياة، وتجسد هذا الدور في المرأة في شمال وشرق سوريا، حيث أصبحت رمزاً للمقاومة في الميادين وعلى رأسها الجبهات القتالية ودورها أساسي في رسوخ التآخي والعيش المشترك. في تلك المناطق التي نظّمها الأهالي على اختلاف انتماءاتهم جنباً إلى جنب، رجالاً ونساءً، لحماية أرضهم وترسيخ السلم والأمان، أصبحت المرأة عنواناً للوجود.
هنا، تتجلى الحقيقة التي توصل إليها القائد والمفكر عبد الله أوجلان، وهي أن مشاركة المرأة في الثورة ضمان لانتصارها. وكما قال دوستويفسكي: “إذا أردتم معرفة رقي أمةٍ، فانظروا إلى نسائها”.