No Result
View All Result
المشاهدات 20
حمزة حرب
بعد أكثر من شهرين من الإطاحة بالنظام السوريّ في 8/12/2024، تتوالى الدعوات من قبل فئاتٍ كبيرةٍ من السوريين بضرورةِ تحقيق “العدالة الانتقاليّة” ومصالحةٍ وطنيّة تكفّل الاستقرار في قادمِ الأيام، وتمهد الطريق لحلحلة المشكلات العالقة وتبني الثقة المنهارة بين الأطراف السوريّة وترسم معالم سوريا الجديدة ما بعد الأسد، بما يكفل تحقيق السلم الأهليّ في البلاد، ويخلق البيئة لتطوير الاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشيّة.
سقوط النظام وتعثّر السلطة الجديدة
كشف السقوط المدوّي لنظام بشار الأسد في سوريا، في الثامن من كانون الأول الماضي، النقاب عن سجلٍ دمويّ حافلٍ بالانتهاكات الحقوقيّة والإنسانيّة، التي ارتُكِبت خلال حكم هذا النظام، خصوصاً تلك التي ارتبطت بالثورة السوريّة أو المناهضين لحكمه منذ سنواتٍ طويلة.
وقد وثّقت “هيومن رايتس ووتش” استعمال النظام السوريّ السابق، أساليب الاحتجاز التعسفيّ والتعذيب الممنهج، وسوء المعاملة ضد معارضيه، وتم الكشف عن عشرات مراكز الاعتقال والاحتجاز، التي كانت تديرها أجهزة المخابرات السوريّة، والتي تستخدم فيها أبشع أنواع وسائل التعذيب.
من جانبها قالت منظمة العفو الدوليّة إنّه “في ظل حكم بشار الأسد، وقبله والده حافظ الأسد، تعرّض السوريّون لمجموعة مروعة، من انتهاكات حقوق الإنسان التي تسببت في معاناة إنسانيّة لا توصف، على نطاقٍ واسع، وشمل ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائيّة، والبراميل المتفجرة وجرائم الحرب الأخرى، فضلاً عن القتل والتعذيب، والإخفاء القسريّ والإبادة التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانيّة”.
سقط النظام وتطلّع السوريّون إلى غدٍ أفضل يصان فيه مستقبلهم وأمنهم وحريتهم إلا أنّهم اصطدموا بواقعٍ مريرٍ بعد تعرضهم لانتهاكاتٍ جسيمةٍ على أساسِ العرقِ والدينِ والطائفةِ، وهو ما أثار مخاوفَ السوريّين وعرقل آمال بناء الثقة بين الأطياف السوريّة التي فقدت الثقة فيما بينها بسياسة ممنهجة عملت عليها أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام المخلوع لسنواتٍ طويلة لتفتيت شمل السوريّين وتفريق صفوفهم.
يصف الحقوقيّ والمحلل السياسيّ مصطفى رستم في تصريحاتٍ خاصة لصحيفتنا ما يجري في سوريا مؤكداً أن ما
جرى “هو استلام السلطة من قبل مجموعات انقلابيّة على خلفيّة انحلال الجيش ورحيل النظام السابق وما تلاها من تنصيب الجولاني رئيساً لسوريا، ولكن اليوم المشكلة تكمنُ في حالات الانتهاكات التي تحدث على الساحة السوريّة من قتلٍ ممنهج وانتهاكات ممنهجة وفصل عاملين يعتمد على استهداف شريحة محددة والمشكلة أنّ هذه الانتهاكات تراها السلطة القائمة أنّها ضمن الحدود المسموح بها”.
الحقوقي مصطفى رستم أكد إنّ “الساحل السوريّ من الناحية الحقوقيّة بات مسرحاً للانتهاكات التي لم تعد تطاق وبات الشارع يشعر بالمظلوميّة الكبيرة التي من الممكن أن تشكّل نواة مناهضة وذلك بسبب ممارسات السلطة الجديدة بعدما عمدت إلى إقصاء الساحل من المشهد القائم اليوم على الأرض بشكلٍ ممنهج”.
ويعتبر مراقبون أنّ إعادة الثقة، بين مكونات المجتمع السوريّ، تمثل حجر الأساس في أيّة عملية للعدالة الانتقاليّة، يفترض أن تنتهي في نهاية المطاف بالمصالحة الوطنيّة، ويرون أنّه سيتعين على السوريّين جميعاً تجاوز الانقسامات العرقيّة والطائفيّة، التي عمل النظام السابق على إذكائها طوال فترة حكمه إلا أنّ السلطة الجديدة المنهمكة في نسج علاقات خارجيّة فشلت إلى الآن في بناء الثقة بين الأطراف السوريّة بحسب مراقبين.
ملفاتُ الجنوب الشائكة
في بداية السيطرة على السلطة في دمشق، كان الحديث مُفعماً بالآمال الكبيرة، وتم التأكيد على مرحلة لتسيير أعمال الحكومة مدتها ثلاثة أشهر تنتهي مع بداية شهر آذار، ولكن سرعان ما تغيّر الحديث، وبات يُشار إلى أنّ مسار العملية الانتقاليّة في سوريا، قد يكون طويلاً، وقد تعترضه العديد من العقبات، نظراً لضخامة وكثرة الملفات الشائكة وخلو الساحة السوريّة من عملية سياسيّة حقيقيّة وبنّاءة واقتصار المشهد على العلاقات الخارجيّة والملف العسكريّ والترتيبات التي تحاول السلطة الجديدة فرضها على الأرض.
فبالعودة ليوم السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني 2024، عندما أطلقت هيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى تتحالف معها عمليتها العسكريّة ضد النظام السوريّ، بدأت المجموعات في الجنوب تتحرك واستولت على مواقع حكوميّة ومقار أمنيّة وعسكريّة.
وفي 6/12/2024 تشكلت “غرفة عمليات الجنوب” التي ضمّت مجموعات مسلحة من درعا والسويداء والقنيطرة وبدأت القوى الموحدة زحفها باتجاه العاصمة حينها كانت هيئة تحرير الشام تقارع النظام في حماة وريف حمص ولم تكن قد دخلت حمص بعد.
قبل السادسة من صباح الأحد 8/12/2024 وفيما كانت دمشق تستفيق على تداول خبر إبلاغ الجيش السوريّ ضباطه بسقوط النظام، كان أحمد العودة، يجوب شوارع دمشق الخالية محاطاً بعناصره، إذ كانت أول المجموعات التي تطأ أقدام عناصرها ساحة الأمويين، ليسمعَ السوريون نبأ سقوط النظام، وبعد أقل من نصف ساعة تمركز عناصر المجموعة حول بعض المرافق الحيويّة الرئيسيّة بالعاصمة، لكن لم تمضِ ساعات حتى بدأوا يعودون أدراجهم جنوباً بتوجيهات من قائدهم، ويؤكد مراقبون أنّه تلقى تهديداتٍ من هيئة تحرير الشام التي لم تكن قد دخلت حمص بعد لكن النظام انهار، وبات الطريق مفتوحاً أمامها إلى العاصمة دمشق حينها وضعت العودة أمام خيارين إما الانسحاب أو القتال.
كاد العودة لبرهةٍ أن يخطفَ اللحظة التاريخيّة بإعلانه إسقاط دمشق العاصمة هو وعناصره من جبهة الجنوب بعملية أُطلق عليها اسم “كسر القيود” عن العاصمة ما اعتبر انقلاباً على الاتفاقات التي عقدها العودة مع النظام السوريّ السابق على مدى سنوات وفق ما سُمي بصفقة المصالحات التي خضع لها العودة بعد سنوات من مقارعته للنظام حينما كان العودة يقود مجموعات تابعة لما كان يسمى الجيش الحر في الجنوب مدعوماً من غرف الموك ومقرها في الأردن، وفقد ثلاثة من أشقائه حينما كان يقود المعارك ضد النظام السوريّ السابق. العودة الذي ينحدر من مدينة بصرى الحرير يحكمه تاريخ من العداء مع هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقاً منذ بداية الأزمة السوريّة، حصل على إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق، وسافر إلى الإمارات، وعاد بعد عام من الأزمة السوريّة وهو ما يكشف سرِّ علاقته الوثيقة مع الإمارات التي دعمته طيلة سنوات وتباين تعاطيه مع النظام السوريّ متأثراً بالموقف الإماراتيّ من النظام، وشارك العودة بالعمل المسلح ضد النظام وكان قائد “كتيبة شباب السنّة” التي توسعت وغيّرت اسمها أكثر من مرة.
شارك مع “جبهة النصرة” وحركة “المثنى الإسلاميّة” في إخراج قوات النظام من مسقط رأسه مدينة بصرى، في آذار 2015، ثم انقلب عليهما، وفي تموز 2018 توصل لتسوية مع النظام السوريّ، الذي شنّ النظام حملة عسكريّة لاستعادة السيطرة على الجنوب، فرفض الخروج إلى الشمال السوريّ ليتوصل إلى اتفاق مع روسيا، لتسليم السلاح الثقيل وتسوية أوضاع المعتقلين، وأصبح قائد ما عُرِف بـ”اللواء الثامن” وفي 23/6/2020، أعلن العودة، تشكيل جيش واحد لمنطقة حوران بدرعا، وانضم لتشكيل “الفيلق الخامس” الذي يتبع شعبة الأمن العسكريّ بنهاية عام 2020، لكنه بقي مستقلاً عن قوات النظام، متفرداً بقيادة آلاف المسلحين.
مصطفى رستم بيّن أنّ ملف الجنوب هو أحد أبرز الملفات العالقة والشائكة أمام السلطة الجديدة “فليس هناك رضى في الجنوب السوريّ عموماً وفي السويداء خصوصاً عما يجري في سوريا خصوصاً تجاه الآلية التي تعتمدها الحكومة المؤقتة بتشكيل الجيش السوريّ الجديد، فهي تقوم على دمج مجموعات مسلحة في جسم عسكريّ واحد، ويحاولون إضفاء اسم الجيش السوريّ عليه، وهذه الآلية ليست محلّ قبول الشارع السوريّ في الجنوب، ومعلومٌ موقف أحمد العودة ورفضه لهذه الآلية، وكان غائباً عن مؤتمر النصر وتنصيب الجولاني رئيساً للمرحلة الانتقاليّة في 29/1/2025، وهو ما يفسر احتفاظهم بسلاحهم ورفضهم الانخراط في هذه الآلية”. وإلى جانب العودة هناك ملف آخر شائك في الجنوب وهو ملف السويداء، حيث أعلن أكبر مجموعتين عسكريتين في محافظة السويداء السوريّة، ذات الأغلبية الدرزيّة، عن خارطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة تهدف إلى بناء وطنٍ قائم على العدالة وسيادة القانون، وفقاً لبيانٍ صادر عنهما في 6/1/2025.
المجموعتان هما “حركة رجال الكرامة” و”لواء الجبل”، وجاء في بيانهما، الذي حمل شكل “خارطة الطريق” أنّ نهاية حكم الأسد، تمثل فرصة تاريخيّة لتأسيس دولة عادلة، مؤكدين أنَّ حمل السلاح كان “دفاعاً عن أهل السويداء بكافة أطيافهم”، وأنّه “وسيلة اضطراريّة وليس غاية”.
وبينما دعت الخارطة إلى تأسيس دولةٍ يكون السلاح فيها “حكراً على مؤسسة عسكريّة وطنيّة”، فإنها أكّدت على استعداد المجموعتين للاندماج ضمن جسمٍ عسكريّ يُشكل نواة لجيش وطنيّ جديد، يرفض “أيّ طابع فئويّ أو طائفيّ” كان ذلك بالتوازي مع قرر تحالف “غرفة عمليات الجنوب” بزعامةِ “العودة” التمسك بسلاحه بالرغم من دعوة السلطات الجديدة لحلِّ التشكيلات المسلحة كافة، إلا أنّهم أيضاً أكدوا انخراطهم في جيش وطنيّ حين تتبلور معالمه.
رستم أشار إلى إنّ “الجولاني اعتمد على الدعم المطلق المقدم له من قطر وتركيا واستند على الاحتضان السعوديّ الذي كفله لمرحلةٍ أمام المجتمع الدوليّ وأمام الدول الخليجيّة لذلك فإنّ كلَّ العوامل اليوم أمام الجولاني معقدة وشائكة وعليه أن يكون صادقاً مع نفسه ومع السوريين، وإلا فإنَّ سوريا ذاهبةً إلى مشهدٍ قاتم للغاية بعد أن قدّم نفسه على أنّه قائدٌ جامعٌ لكلّ السوريين وليس لفئةٍ معينةٍ، وعليه أن يكون كذلك ليتمكنَ من احتواء كلّ السوريّين”.
فملف الجنوب السوريّ بقي معلقاً خصوصاً مع تصاعد الانتهاكات في الساحل السوريّ الذي شهد عملياتٍ انتقاميّة كبيرة على أساسِ العرق والطائفة وهو ما أثار مخاوف الجنوب وعززها وزاد من إصرارهم على التمسك بسلاحهم الذي اُعتبر صمام الأمان والضامن الوحيد لمستقبلهم والدفاع عن كرامتهم في الوقت عينه أكّدوا أنّهم ليسوا ضد أيّ جيشٍ وطنيّ مستقبلي يمثل كلّ السوريّين على قدر المساواة.
شمال وشرق سوريا نواة الحل ومحور توافق السوريّين
توحيد المجموعات العسكريّة المتعددة التي تأسست بعد الاحتجاجات الشعبيّة في سوريا عام 2011 والتي طالبت بإسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد الذي فرّ إلى روسيا، لا تزال العقبة الأكبر أمام تشكيل جيش جديد للبلاد عقب الإطاحة بالأسد فالآلية والعقليّة التي تسود هذه المجموعات لم تتغير بعد، ولا توجد رؤية وطنيّة واضحة المعالم لإدارة البلاد.
فقوات سوريا الديمقراطيّة “قسد” اليوم لا زالت تخوض معارك ضارية للدفاع عن شعوب شمال وشرق سوريا ضد المجموعات المرتزقة الإرهابيّة التي كانت تدّعي معارضتها للنظام السابق، بينما الحقيقة اتضحت جليّة بعد سقوط النظام وتبين أنّها تعمل لصالح المحتل التركيّ وتحقيقاً لأجندته.
في هذه البيئةِ لا يمكن لـ “قسد” حلّ نفسها، وقد أعلنت ذلك بوضوحٍ، وهو الأمر الذي تطالبُ به أنقرة وكذلك السلطة في دمشق، لكن “قسد” لم ترفض استعدادها للانضمام إلى هيكليّة الجيش السوريّ القادم، ولكن بصيغةٍ تضمن أمنَ شعوب المنطقةِ إزاء التهديدات وبما يحفظ وحدة واستقرار سوريا، ووفق آليات تضمن المشاركة الحقيقيّة والفاعلة وأطرٍ دستوريّةٍ تضمن الحقوقَ وتصونُ الحريات.
رستم أشار إلى إنّ “ملف شمال وشرق سوريا لا يزال معقداً أيضاً سيما وأنّ “قسد” هي الأخرى رافضة الآلية التي تتبعها وزارة الدفاع، ولا تجدها آلية مناسبة لتشكيل جيشٍ وطنيّ، بينما يصرُّ الجولاني وحكومته على آليتهم، وهذا ربما يعرقل مسار المفاوضات بين الجانبين والملف في شمال وشرق سوريا يحتاج إلى إبداء مرونة أكبر من قبل الجولاني وفريقه للوصول إلى توافق”.
فمناطق شمال وشرق سوريا بهيكلياتها الإداريّة والسياسيّة والعسكريّة يرون أنّ فرض أيّة صيغة بدون دستورٍ جديدٍ يتوافقُ عليه السوريّون وحكومة تطبق مقتضيات الدستور أمرٌ مرفوض، وأنّ أسلوبَ الدولة وأسس التعاطي مع أطياف الشعب السوريّ يجب أن تكون مصانة بعقدٍ اجتماعيّ ودستورٍ توافقيّ لا إقصاء ولا إلغاء فيه لأحدٍ.
كما نوّه المحلل السياسيّ مصطفى رستم إلى إن “السوريّون اليوم بانتظار العمل الحكوميّ الذي يثبت مصداقيّة ما قطعته من وعود وعلى رأسها ضبط الفلتان الأمنيّ وتأمين لقمة العيش وإيقاف الفصل التعسفيّ للعاملين يُضاف إلى ذلك إعلان دستوريّ جامع لكل السوريين لا إقصاء ولا إلغاء فيه لأحد وأن يكون هذا الإعلان قائم على أسس المواطنة وليس على أسس الدين والمذهب والطائفة”.
وبناءً عليه فالمشروع المتكامل الذي تقدمه الإدارة الذاتيّة (ممثلة بـ قسد ومسد) يرى فيه الكثير من السوريّين طوقَ النجاةِ للخروجِ من الترسبات المقيتة التي فُرضت على السوريين بعد عقودٍ من حكم الاستبداد، وتقوم على إدارةِ البلادِ وفق الصيغة اللامركزيّة على أساسِ إداريّ/ جغرافيّ، يمكن للشعوب السوريّةِ أن تضمن خصوصياتها، وأن تديرَ شؤونها بنفسها، دون أن تقع تحت سطوة المركزيّة التي تُدير دون أخذ الخصوصيات في الاعتبار يجب أن تُطبق لأنها ستصبُّ في صالح السوريّين وستكون الحلّ لكلّ العُقد التي تواجه مسار مستقبل البلاد وأسس الحل والتوافق فيه وهي صمام الأمان لضمان وحدة البلاد واستقلالها.
No Result
View All Result